[JUSTIFY]تتردد في دهاليز الحياة العسكرية مقولة إن «الخير يخُص، والشَّر يعُم»، وهي مقولة رغم غرابتها، إلا أنها عظيمة فائدة بضبط العلاقات بين الجُنْد والقيادات، ومنع أي محاولة نُكُوص يمكن أن تُخل بعقيدةِ التلاحم العسكري.
وفيها يتم مكافأة المُحسن على حُسن صنيعه، ودون النظر إلى من أوصلوه إلى ذلك، أما إذا أذنب أحدهم، فإن العقاب يعُم على جميع المحيطين به، وممن لم يكن لهم بخطيئته أي علاقة مباشرة. وقد يكون ذلك مبرراً في العسكريةِ، التي تريد أن تزرع في أنفسِ الجموع أن الخطأ غير مُبرر، وأنه مسؤولية جماعية، كي يزداد حرص العموم على أن لا يقع الخطأ بينهم، فيراقبون أصحابه، ويحاربون أسبابه، لاتقاء الأذى.
ولولا مثل هذا المفهوم الصارم لرأيت الانقسامات تحدث في الجيوش بشكل يومي، مما سيشتت جهودها، ويجعلها في خضم من المنازعات، والفساد.
وفي الحياة المدنية أمران ليسا ببعيدين عن ذلك المفهوم، وهما الإصلاح والإفساد، فالإصلاح جهد فردي ذاتي أصيل، وينال الفرد نتائجه بنفسه. بينما نرى أن الإفساد عمل جماعي، ولابد أن تتعاون مع المفسد شبكة ممن يرعون الفساد، ويستفيدون منه.
هنا، الفَسَادُ يعُم، والإصلاحٌ يخص!. بمعنى أنك حينما تريد أن تُخلص في جهودك، فإنك ستتعب وتعاني منفرداً، وإنك من النادر أن تجد من يقف معك في مغبة هذا العالم النفعي، وأن العراقيل ستتكالب على طريقك، وأنك مهما استطال نفَسُك، ستحتار عندما تعرف أن الفساد هو المسيطر، الذي يرفع صاحبه، ويُمكنه من الثراء والسلطة، وأنك لو وقفت في وجهه، فلربما يُظهرك بمظهر الشرير.
وفي مسار الإصلاح يظل المخلص يعاني، من مطاردة الأعين، وزرع الأشواك تحت الأقدام، والتشكيك في النيات، والإساءة للسمعةِ.
أما المُفسد وبعد تبرير خطيئته لنفسه، فإنه يبحث عمن يشابهونه في ملامح الفساد، ويختبر ذممهم، ثم يقدم لهم الولاء والطاعة، ويغريهم بالهدايا، وهم بدورهم يلهمونه، ويمكنونه من الممرات الآمنة الخفية، المؤدية للشر. والفاسد له لغة لا يُجيدها إلا الفاسدون، ممن يبدعون في ضروب التمويه، والتورية، ويبرعون في تمرير أجزاء فسادهم بقوة أعين، على طول مسارهم وعرضه، حتى يلوثون المحيط.
لذلك فالفَسَادِ يعُم، ويصبح هو الفيصل والحكم. وهذا ما يجعل محاربته أصعب مما يكون. الفساد ليس بقعة صغيرة جلية في ثوب أبيض يمكن غسلها أو إزالتها، إنه منظومة سواد متشعب متصل بخطوط وبقع تزيد وتتعمق في أصول النسيج، وكلما حاولت معالجتها، وجدت أنك لا تُزيل إلا أسهل البقع الصغيرة السطحية، وأنك تعجز عن الحصول على مستحضر غسيل يزيل عموم البقع المستفحلة المتأصلة.
أرثي لمن يُحارب الفساد بنزاهةٍ، فلن يكون بقادرٍ على غسل جميع أجزاء الثوب، والخوف كل الخوف أن تنتشر البقع أثناء المعالجة والغسيل بمحلول ضعيف، فيعم الفساد ويصبغ بالسواد أيدي المُفسد والمكافح معاً.
[/JUSTIFY]