أسدلت محكمة المدينة المنورة الستار أمس الأول، على قضية القتل التي وقعت قبل ثلاثة أعوام، وأصدرت حكما يقضي بقتل الجاني تاج «43عاما» قصاصا بعد إدانته وثبوت تورطه بالقتل العمد المقترن بالاستدراج والسلب لثلاثة أشخاص باكستانيين من بني جلدته، وإلقاء جثثهم في بئر مهجورة على طريق السلام «شمالي المدينة».
ونطق قضاة المحكمة بالحكم بعد عدة جلسات اعترف خلالها الجاني بما نسب إليه بعد مواجهته بالأدلة والقرائن وتأكد تورطه في جرائمه.
وبدأت وقائع جرائم القتل عندما بلغت حدة الطمع والجشع قمتها عند تاج، ورسم مخططا يمكنه من جمع ثروة كبيرة بأقل مجهود، وأشاع في محيط الباكستانيين المقيمين في المدينة المنورة عن إمكانياته الخارقة في توفير تأشيرات استقدام بأسعار مغرية، وانتشرت المعلومات سريعاً في أوساط أبناء جلدته عن حارس عمارة يملك كميات كبيرة من التأشيرات، وابتلع الضحايا الطعم، ودفعوا حياتهم بعد ذلك ثمنا لها، وفي هذه الأثناء تلقت شرطتا العقيق وقباء بلاغات تفيد بتغيب باكستانيين في أوقات متقاربة شعبان، رمضان وشوال، وبجمع المعلومات والبحث والتحري تبين أن آخر اتصال بالأشخاص الثلاثة كان مع الجاني تاج، وهو من الجنسية الباكستانية أيضا، ويعمل حارس عمارة في مخطط السلام، وعلى الفور كون فريق بحث ميداني من إدارة التحريات والبحث الجنائي، وبعد التحريات توصل الفريق لمعلومات أولية تفيد بأن أحد المختفين خرج إلى لقاء أحد بني جلدته لشراء تأشيرة استقدام، وكثف رجال التحريات والبحث الجنائي تحركاتهم للوصول إلى أول الخيط، بربط اختفاء الرجل بغياب رفيقيه، والتقط المحققون رقم الهاتف النقال لأحد الضحايا، وتحديد آخر اتصالات أجراها الضحايا، تبين أنها كانت مع نفس الشخص تاج، واتضح أن شريحته تعود لكفيله، وسريعا استدعت السلطات الأمنية صاحب الشريحة، الذي أكد أن الرقم يخص مكفوله تاج الذي يعمل في حراسة بناية في حي السلام، وغادر البلاد إلى باكستان في 27 شوال 1429هـ، بتأشيرة خروج وعودة.
تأكدت السلطات الأمنية أن الجاني الهارب له علاقة باختفاء الرجال الثلاثة، وما كان أمام أفراد التحريات والبحث الجنائي خيار غير إرسال شخص إلى المدينة التي يتواجد فيها تاج وإقناعه بالعودة إلى المملكة، ووضعت خطة أمنية ماهرة تبدأ باستدراجه بواسطة تاشيرات، وفعلا نجح المخبر المرسل من المملكة من بني جلدته بالتوصل إلى المكان الذي يتواجد فيه.
وهناك بدأ تاج يروي لصديقه القادم من المملكة، جانبا من مغامراته وبطولاته وقصة إجهازه على ثلاثة من مواطنيه، وإلقاء جثثهم في بئر مهجورة في حي السلام، أخذت النشوة الجاني وروى للمصدر تفاصيل كاملة عن الجرائم المروعة التي راح ضحيتها ثلاثة باكستانيين من أصل أفغاني، وثقوا فيه وسلموه مبالغ كبيرة نظير تأشيرات استقدام.
المصدر الباكستاني القادم من المملكة أوهم تاج بصفقة العمر المتمثلة في شراء 20 تأشيرة استقدام من كفيله، واشترط لإتمام الصفقة، الحضور الشخصي، الأمر الذي يستلزم عودته إلى المملكة بعد أن غادرها بتأشيرة خروج وعودة في ظاهرها ونهائية في باطنها، وسال لعاب المجرم القاتل تاج أمام الصفقة المثيرة، واتخذ قرارا بالعودة السريعة، واستجمع المصدر الذي كان يعمل بالتنسيق مع السلطات الأمنية، كل المعلومات ومررها إلى جهات الاختصاص، وابتلع تاج الطعم وعاد إلى المدينة المنورة، وفور وصوله إلى مطار المدينة المنورة، وهبط من سلم الطائرة وجد في استقباله عدد من رجال الأمن الذين كانوا في انتظاره، وكشف لهم مخبأ الجثث الثلاث.
يشار إلى أن الجاني تاج كان يتصيد ضحاياه بحيل ويستدرجهم على فترات متفاوتة بالقرب من البئر الواقعة في شارع السلام «شمالي المدينة»، بحجة بيعهم تأشيرات لإحضار ذويهم وأقربائهم للعمل في المملكة، وعندما يحصل على المال من الضحية يباغته ويدفعه من فوق تلة ومن ثم يجهز عليه بإلقاء حجر كبير على رأسه، قبل سرقة ما بحوزته ويقتله غيلة وعندما يلفظ الضحية أنفاسه، يقوم بتصغير حجم الجثة وربطها بالحبال ووضعها في عدة أكياس من البلاستيك حتى لا تفوح رائحة الجثة وينفضح أمره، ومن ثم إلقائه في قاع البئر.
وكان أول الضحايا، أزرخان سيد خان، الذي قرر الظفر بواحدة من تأشيرات تاج لإرسالها إلى أحد أقاربه في باكستان، وغادر الضحية منزله للقاء الجاني إثر مكالمة هاتفية قصيرة، وفي الموعد المحدد التقى الاثنان، وتحركا إلى بدروم فيلا تحت الإنشاء للاستلام والتسليم بعيدا عن أعين الفضوليين، كان ذلك في أواخر شهر شعبان قبل ثلاثة أعوام، وفي اللحظة التي هم فيها أزرخان إخراج محفظته، استل تاج عصا غليظة وهبط بها على رأس ضحيته الذي سقط أرضا يتلوى من الألم، وفقد الوعي من أثر الضربة المميتة، ووجد القاتل فرصته في توجيه عدة ضربات إلى رأس غريمه حتى تأكد تماما أنه لفظ أنفاسه، حمل الجثة ورماها في البئر لإخفاء جريمته، وفي السابع من رمضان بعد مقتل أزرخان تصيد تاج ضحيته الجديدة بعد أن دفعها من فوق تلة جوار البئر وأجهز على الضحية بحجر كبير على رأسه، وفي 25 من شوال 1429هـ، انضمت ضحية ثالثة إلى قوائم تاج، كان القتيل الثالث هذه المرة مقيما باكستانيا حضر من الخبر لزيارة أقاربه، ولم يعد ثانية إلى أسرته في الشرقية بعد أن أجهز عليه القاتل بذات الحيلة الماكرة وإلقاء جثته في قاع البئر، ولم يبق المجرم القاتل بعيدا عن المنال، ووجد نفسه أمام العدالة بعد شهور من فعلته وصدر بحقه الحكم الشرعي بالقصاص.