هي بحق مقابلة العام التلفزيونية بلا منازع، حيث تميزت بسوء الإعداد وعشوائية التنفيذ وضعف الإخراج، وسيبقى هذا اللقاء الخاص عالقاً بإذهان اللبنانيين لزمن طويل. والكلام هنا ليس لمجرد الإنتقاد وحسب، بل هي رسالة موجهة للمسؤولين في إعلامنا الوطني السعودي والعربي التقليدي، وأتمنى عليهم إعادة مشاهدة اللقاء مرات عدة للخروج بدروس مستفادة من هذا العمل الاعلامي المرتبك فنياً بشكل كامل، والضعيف مضموناً الى حد كبير. وسأشير الى ثلاث نقاط حول المقابلة لنرى الخلل وكيف جاءت نتائجه عكسية بدلاً من أن يسحب البساط من تحت اقدام خصوم وأعداء سعد الحريري في لبنان وأهمهم قاتل ابيه حزب الله، فإذا به لقاء باهت يمنحهم الفرصة السانحة لإستغلال سقطات مهنية وتقنية مدوية.
أولاً: فالسيدة الإعلامية مُذيعة اللقاء بتلفزيون المستقبل بولا يعقوبيان مع انها تناولت طعام العشاء في قصر الحريري وأخذت وقت طويل للراحة وللتهيئة الكاملة قبل اللقاء لكنها بدأت كضابط تحقيق يقوم بإستجواب رئيس وزراء لم يرتكب أي ذنب، وكانت مندفعة بشكل مُخجل لا ينم عن خبرة حقيقية ولا عن حنكة وإدراك حقيقي لحساسية المناسبة وتوقيتها سياسياً وأمنياً في لبنان. فهي ومنذ البداية لم تعطي الرجل مجالاً ليقول أي جملة متواصلة ومفيدة تحقق الهدف من اللقاء نفسه، ومع ان الرئيس الحريري حاول بأدب أن يكبح جماح اندفاعها من خلال نداءها بإسمها اكثر من مرة لتهدئتها ومع ذلك لم تعطيه الفرصة ليقول ما يريد بشكل يحقق الغرض من الكلام واهدافه! فكانت النتيجة انها اربكت افكار الرجل وأجهضت تسلسل حديثه!. لكنها في الجزء الثاني بدأت أخف حدة وأقل مقاطعة وابتعدت تدريجياً عن اسلوب الإستجواب الغليظ، ويبدو ان ذلك جاء بتوجيه من المحطة او بطلب من طاقم الحريري.
ثانياً: رئيس الوزراء الحريري ضيف اللقاء نفسه لم يكن مستعداً بشكل كافٍ للمقابلة ولم يكن متحسباً لأي خلل على النحو الذي شاهده الجميع. والأهم أنه لم يكن راغباً في قول اكثر من الإجابة بناء على ما يطرح عليه من أسئلة فكان ذلك أحد أهم نقاط ضعف اللقاء! بمعنى انه فقد زمام المبادرة في الطرح القوي الموجه للشعب اللبناني بكافة شرائحه بغض النظر عن نمط الأسئلة واسلوب ادارتها. وكانت زاوية المكان والخلفيات التي تم فيها اللقاء غير موفقة اطلاقاً، بل كانت العشوائية واضحة ولا تليق بالمناسبة والحدث ورئيس وزراء ينتظر خروجه الملايين من شعبه، وكان يفترض ان طاقم الرئيس اختار كل شيء بعناية حتى لا يكون هناك أي مجال للشائعات واستغلال أي خطأ وإن كان مجرد التفاتة عادية او حتى شربة ماء خلال الحديث، وقد حدث.
ثالثاً: لقد استخدمت محطة تلفزيزن المستقبل لتثبت مصداقية البث المباشر اعلان خبر زلزال العراق! ثم الإشارة الى وقت الساعة في ثنايا اللقاء (التحقيق) بواسطة السيدة بولا، وهذه سقطة، ولماذا لم يتم عوضاً عن ذلك مثلاً وضع شاشة جانبية لبث قناة المنار المباشر وغيرها من القنوات اللبنانية الاخرى التي كان معروف انها لن تنقل البث وهذا دليل قوي يكفي لإثبات صحة أن اللقاء مباشر وليس تسجيل؟!. أو لماذا لم تستخدم خلفية تنقل الحركة مباشرة من كورنيش بيروت او غيره.
بصراحة لقد كان هذا اللقاء ينطبق عليه المثل القائل اراد ان يكحلها فأعماها، وحظا اوفر للإعلامية بولا ولتلفزيزن المستقبل، ولكن الخاسر الأكبر من اللقاء الشهير هو سعد الحريري نتيجة لهذه الهفوات. والمهم ان على مُعدي ومقدمي البرامج واللقاءات وكذلك المحاورين في اعلامنا الوطني استيعاب ذلك والاستفادة منه خاصة وأن بعضهم اسوأ مهنياً من السيدة بولا في ذلك اللقاء حصراً، وأقول لهم ناصحاً انتبهوا لمهنتكم وطوروا قدراتكم بأنفسكم ولا تعتقدون انكم محترفين حتى الآن، وقد يكون مدراءكم اسوأ ممن اشرفوا على ادارة وهندسة وترتيب اللقاء الأسوأ مع الرئيس سعد الحريري . وكان الله في عون سعدالدين رفيق الحريري، وما اصبر هذا الرجل على اللبنانيين وعلى اعداءه قتلة والده في دمشق وطهران وضاحية بيروت الجنوبية.
إن لعاصفة الحزم العربية باليمن بقيادة المملكة هزات عنيفة وارتدادات قوية ليس اقلها اعتراض سعد الحريري على ارهاب حزب الله خارج لبنان وتحديداً ضد السعودية من اليمن وغيره، واكتشافه لنوايا الحزب التي تستهدف حياته، ثم استقالته من الرياض واجراء ذلك اللقاء التلفزيوني المرتبك معه بمنزله الخاص.