الجيوش عادة تصنع القادة النجباء، وتخلق بمواصفاتها وظروفها ودقة معاييرها رجال أفذاذ يستطيع احدهم تولي قيادة شؤون كُبرى ليس أعلاها قيادة الوزارات والمهام الوطنية العامة نزولاً الى ادارة المحافظات التي منها يبدأ بناء فكر الانسان العادي والسعي لتوفير متطلباته الحضارية والتنموية الاساسية. واللواء الركن ظاهر محمد الطراونه احد هؤلاء النجباء العرب وهو من منسوبي ضباط الجيش العربي الأردني الشقيق، رجلاً يألفه ويحترمه كل من زامله او تشرف بالعمل تحت قيادته أو استمع اليه محاضراً بإسلوبه الأخآذ وبصوته الجهوري الجميل، فكان ولا يزال يُسخر كل ذلك للتعليم والتوجيه والتحفيز ورفع معنويات المتدربين العرب وحثهم على محبة أوطانهم وبناءها بالعلم والعمل والدفاع عنها بالعرق والدم.
اللواء الركن / ظاهر الطراونة
هذا الجنرال الاردني حين يتحدث أمامك فكأن التاريخ العربي بأمجاده ومراحل انتصاراته هو المتحدث وليس اللواء ظاهر. والجنرال وفي لكل من عرفهم، وهو ملهم للكثير منهم فهو يحمل فكراً وتوجهاً عربياً قومياً اسلامياً تزينه لغته العربية الجميلة وديوان شعرها الفصيح الذي يستخدمه نظماً ونقلاً فلا يكاد يتحدث عن معركة او أدباً أو سياسة او استراتيجية عسكرية إلا والشعر حاضراً بلا تكلف فيمتزج الجمال ببعضه مهنية وفكراً وشعرا.
وأما سبب هذا الكلام ومناسبته فهو أن عيناي وقعت مصادفة من خلال صفحات الفيسبوك على رسالة مؤثرة يوجهها هذا المعلم العربي اللواء ظاهر الطراونة لإبنه يوسف الذي التحق للتو طبيباً بالجيش الاردني، وقد استعرت هذه الرسالة كما هي دون استئذان منه ودون التكلف بأي إضافة، وفي الحقيقة انها مُعبرة وقد لا يفهم مدى تأثيرها ووقعها على النفس إلا أولئك الذين جادوا بكل سنوات اعمارهم في ميادين الدفاع الوطني والعيش طويلاً بمؤسسة القوات المسلحة ذات الطبيعة المختلفة والسمات الفريدة وبيئة اعمالها العجيبة وتحدياتها اللامتناهية في نفوس جنودها حتى بعد مغادرتهم لثكناتها وإعادة عهدة سلاحهم!.
فماذا يقول الجنرال القديم ظاهر المترجل عن صفوف الجيش الأردني لإبنه الملازم الطبيب:
يا يوسف يابني أشكر الله ان انعم علي بك ومنّ علي بقبولك في الجيش طبيبا دون سعي مني ولا حول، بل بتوفيق الله العظيم، والحمد لله ان عوضني بك خيراً عن كل لحظات المعاناة، وها أنت ستنتظم بالجيش لتحمي الوطن مع رفاق لك في الجيش العربي وتواصل السير الى القدس معهم وتدافعون عن الارض والعرض. لا أخفيك يا ولدي فلم يعتريني الألم كيوم خلعت بزة الجيش التي عشقتها، فهي كانت ومازالت عنواناً للعزة والشموخ والانتماء للوطن، وأيضاً خفف عني انك بإذن الله ستتشرف بارتدائها وستدرك كل تلك المعاني التي تملأ نفس كل الذين يرتدون لباس الجيش، صدقني يا ولدي ستتصالح مع نفسك من خلالها لآنك ستشعر بكل حبة عرق انها بُذلت لغاية نبيلة ولن يعتريك الندم عليها أبداً.
ياولدي لقد أوجعتني بندقيتي وأنا اضعها في مستودعها، لأن بنادقنا يا ولدي هي الاطهر والأنبل غاية ًمن بين كل بنادق العالم على الاطلاق؛ فهي لم توجه لصدورالمواطنين قط وقد نذرت نفسها للدفاع عنهم، وليس في تاريخ بنادقنا ما نخجل منه يا ولدي فاقبض عليها بحرص وكرامة واعتني بها فهي التي ستقود الجحافل حتماً الى الأقصى يوما ليس ببعيد؛ حتى لو تراءى لك غير ذلك يابني.
ارجوك ياولدي يوسف ان تنظر فيما يشبه الشعر الذي قلته عندما انضممت لصفوف الفخورين بالجيش المحاربين القدماء ان شئت ان تستنير به :
يا قائد الجيش الأبي تحيـةً
بتليد مجـدك تزدهي الاقمارُ
••••
نفسي أبت إلا لجندك صحبةٌ
قد زان هاماتُ الرجال شعـارُ
••••
ألقٌ بوجه من لبسوا الشعار ومن
خطّــوا بصفحات الزمان فخـارُ
••••
رايــــــات جندك تعتلي صهواتـــا
دامـــت الرايات ودام الجند والغار
••••
وصهيــلُ خيـلك ما ينفك يطربنــي
فَتَرَجُّلـي لــن يمنــع الأوتــــــــار
••••
تفديـك نفسي التي تنحني خجـلاً
أمـُـام جـنـدك والعليـاء والـــــدارُ
••••
خلعــتُ عني بـزَةً مازلت اعشقها
ألبستُها يوسـف كي تخمـد النـارُ
وعليك أن تعلم يا بني وأنت تتهجى أولى خطوات حياتك الجديدة وتستجلي درباً غير واضح الخطى لك الآن وسيصبح بعد حين، ان الجيش يابُني ليس الاشخاص وان كانوا جزءا هاما به، فالجيش اكبر من كل الاشخاص واكبر منا جميعا، فهو سيف الوطن وهو من يزرع الامل والأمن والاستقرار في نفوس كل المواطنين، فمهمتك يا ولدي عظيمه وهي اشرف وأنبل مهمة، إياك ياولدي أن تفتر همتك لاي سبب، وكلما داهمك اليأس فتذكر أن اهلك يقفون خلفك وينتظرون منك ومن اخوتك في الجيش الكثير.
ياولدي الحمد لله أن رأيت لباس الجيش يدخل بيتي ثانية دون سعي مني ولا حول، رغم أنني لم أكف عن تمني ذلك، وقد أكرمني الله أنني سأراك بلباس الجيش الذي عشقته امتداداً لعقود امضيتها فيه بحلوها ومرّها؛ وستجد هناك زملاء لي ورجال تشرفت بالخدمة معهم، وتأكد يا ولدي انني كنت حريصا على ان لا أخذلك امامهم وأمام الوطن ولن تجد من سيرتي هناك ما تخجل منه، بل اقول لك وبكل ثقة ارفع رأسك عاليا بسيرتي هناك فأنا لم اخذل الجيش ولم تمتد يدي للحرام فيه وأخلصت بكل ما استطيع وساهمت في انتاج أجيال تسلموا أعلى المناصب وكلي فخر بهم وسيعلمونك ان سألتهم عني، اياك ان تهادن على الوطن او تخذله وتخذل اهلك الذين وضعوا ثقتهم بك وألبسوك شعار الجيش الذي يتمناه كل الناس واحرص على اداء عملك على احسن وجه لانك ستكون في رباط وجهاد طيلة وجودك بالجيش الذي يحمل راية العز، وشواهد قبور شهدائه على كل مساحات الوطن العربي من الماء الى الماء ..
أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن تبقى راية الجيش الأردني خفاقة عالية في ظل قيادتنا المظفرة. واسلم ياحبة الفؤاد ويا قطعة من نفسي . وسر بحفظ الله ورعايته وتوفيقه في ظل هدي رسول الله خير الورى محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام .
التعليقات 5
5 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
عميد (م) بسام المحارمة
13/07/2018 في 1:33 م[3] رابط التعليق
ظاهر باشا من خيرة ضباط الجيش العربي ومع اني لم اخدم بمعيته بشكل مباشر الا اني عرفته من خلال سمعته الطيبة العطرة، اسأل الله ان يكثر من أمثاله وان يديم عليه ثوب الصحة والعافية
وشكرا للواء عبدالله القحطاني على بادرته الطيبة التي تنم عن طيب اخلاقه وكرم اصله
(0)
(0)
ابو سعد
14/07/2018 في 3:37 ص[3] رابط التعليق
لله درك من ابداع في تصوير هذا المشهد الرجولي ولله در هذا العربي الاصيل
في نصح ابنه بما هو عز وسؤدد للجيش الاردني وهو نصح لكل إبن من ابنائنا الاشاوس
(0)
(0)
حسين الرقاد
14/07/2018 في 4:57 ص[3] رابط التعليق
دمت بمحبه اللواء ركن طيار عبد الله القحاني ماكتبته عن اللواء الركن ظاهر الطراونه تستحق الشكر عليه فهو كما وصفته انسان عربي مسلم ومعلم بأقتدار عرفناه لسنوات اثناء تشرفنا بالخدمه معه .جزاك الله خيرا
(0)
(0)
صيتان الجراح
14/07/2018 في 6:24 م[3] رابط التعليق
كلام القحطاني يستجلي هامة اردنية عربية أصيله في شموخها العسكري والوطني متمثلة باللواء الركن ظاهر الطراونه..
شخصية صقلتها ظروف المحيط الاردني والعربي وتوجتها بفخار العز والكرامة العسكريه الاردنيه لترتقي بالعطاء بدون كلل او ملل غير منتظرة حمدا او شكرا من أحد.
فقط هي سمة ظاهرة في معظم من انتسبوا تحت الشعار مختلفة عمقا وبعدا وفهما من الآخر في مردود الاصالة العسكريه الاردنيه وكانه يعوزهم لكي يفهموا الاردن ان يفهموا الجيش العربي الاردني….
شكرا اللواء القحطاني.
(0)
(0)
اللواء ظاهر الطراونه
17/07/2018 في 6:51 ص[3] رابط التعليق
جميلة تلك الفرص التي تجمع المرء بقامات عالية نفخر بها ونعتز نتعلم منها الخلق والنبل والفروسية وقوة المنطق ..وانفتاح الفكر كم كنت محظوظا ان التقيت بفارس عربي سعودي …جمع من الصفات النبيله التي يتمناها الرجال مااعجز عن وصفه ..
ترك في نفسي أثرا لاتمحوه الأيام طيلة عام كامل حظيت فيه برفقته انه الجنرال عبدالله غانم القحطاني فهو قبل ان ينضم للجيش العربي السعودي كنسر من نسوره البواسل تربى في ربوع القحطانيين الذين جمعوا المجد من اطرافه وكان لي شرف الاشراف على بعض اوراقه في الماجستير التي كنت اقف حائرا امامها لعمق الفكر فيها وجزالة اللفظ وقوتها. وبعد ان تعرضت بلاد الحرمين الشريفين لهجمة شرسه أخذت احرص على الاستماع اليه عندما تلتقيه المحطات الفضائية فادركت انه يشكل بمفرده جيش كامل العدة والعتاد هنيئاً لجيش فيه هذا القحطاني النبيل وهنيئا لوطن فيه مثل هذا الرجل ومن يستمع لحديثة تأخذه روعة الفكر وقوة العزيمه وايمانه باهداف وطنه وبقيادته ..يقف كالطود الشامخ بوجه كل من تسول له نفسه المس بالشقيقة الكبرى المملكة العربية السعوديه .
هذا الجنرال الشهم هو من يزرع حقول الشمس حلما وبنفسجا لكي يمنع كل المناجل الصدئة ان تستعذب اعناق الياسمين في بلاد الحرمين بفكره ومنطقه ووطنيته … شكرا اخي اللواء الركن الطيار عبدالله القحطاني بأن تركت لنا ان نتعلم منك الاخلاص والانتماء و كيف يدافع الجندي عن مبادئه ووطنه .. متعك الله يالصحة والسعادة انت ومن تحب وحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كل شر
(0)
(0)