مهما تطورت الحياة وفرضت تطورها العصري، يبقى التنور والعيش أفضل حكاية للعائلات في محافظات جاران، وبالعودة إلى أجواء التراث والتمتع بالأكلات الشعبية التي تصنع بأدوات تقليدية مثل التنور والذي يسمى محليًا “الميفا”، فقد اشتهرت المرأة الجيزانية بإتقانها لخبز التنور والأكلات الشعبية التي تعد في هذا التنور.
وفي حوار خاص أجرته “الرأي”، قالت المواطنة أم محمد مباركي “تعد صناعة التنور الطيني من الصناعات الشعبية الباقية والصامدة في جازان. والتنور أو “الميفا” هو الفرن الخاص بتحضير بعض المأكولات الشعبية، ويستخدم لأغراض الطبخ، وهو أسطواني الشكل بأحجام مختلفة، يصنع محليًا في عدد من المحافظات بجازان. وهناك مصانع يدوية مميزة لصناعة التنانير التي أدخل عليها الفخاريون اليوم تحسينات وإبداعات جعلتها أكثر تميزًا”.
وتابعت قائلة: “لا يخلو بيت في منطقة جازان من وجود التنور أو الميفا وما زال استخدام التنور الطيني الذي يستخدم الحطب مستمرًا في جازان رغم وجود التنور الغازي الذي تستخدمه في التنقل في فعاليات المنطقة وخارجها في مشروعها “عيش وميفا”. ويعد التنور سهل الاستخدام لأنه يعمل بالحطب وأكثر أمانًا من التنور الغازي وله مذاق خاص في التنور الطيني الحطبي ولا يمكن الاستغناء عنه فهو موجود في كل بيت جيزاني”.
ويقول المواطن محمد القاسم: “يصنع التنور الطيني من الطين المحروق. وهناك أحجام ومقاسات مختلفة منها الصغير الذي يتسع لقرصين من الخبز فقط، ويصل ارتفاعه إلى ذراع وقطر فوهته 50 سم، والكبير الذي يصل ارتفاعه إلى ذراع ونصف، ويتسع لعشرة أقراص، وهو أكثر صلابة من النوع الأصغر، وأيضًا لوضع المغشات الحجرية في وسطه ويستخدم في حنين اللحم وشوي الأسماك”.
فيما قالت أم حسين: “اشتهرت المرأة الجيزانية بإتقانها لخبز التنور والأكلات الشعبية التي تعد في هذا التنور الجيزاني، والذي يعتبر علامة مهمة في حكاية المرأة الجيزانية مع الطهي، فهذا النوع من الخبز يعتبر معيار خبرة للمرأة، ويميزها عن غيرها رغم تقدم وسائل وأنواع الخبز، إلا أن خبز التنور ظل يتربع على أهم وأرقى الولائم الاجتماعية والمناسبات، ويشارك في الفعاليات الخارجية وفي منطقة جاران. وعليه إقبال كبير”.
ويقول عبدالرحمن حمدي: “إن هناك أكلات شعبية كثيرة تصنع وتطبخ في التنور منها الخبز والخمير، فيترك الحطب في داخل التنور حتى يحمر، ثم يلصق الخبز على جوانب التنور، كما يوضع المغش الحجري في وسط التنور، والذي يتكون من اللحم البلدي وبعض الخضار، ويغلق التنور لعدة ساعات من أجل أن ينضج اللحم وبعدها يقدم مع الخبز والعيش”.
وتوضح أم خالد “للرأي”:” إن المرأة الجيزانية تهتم بإتقان خبز التنور، ولا تخرج من بيت أسرتها ألا وهي تتقن صنع الخبز وخاصة في بعض القرى والمناطق الجبلية، فهو يعد من الأولويات التي تحب الأم أن تدرب بناتها على صنعه رغم التطور والحضارة التي لحقت بأشكال الخبز والخمير، إلا أن هذا الخبز يظل متربعًا على مائدة أهالي محافظات المنطقة في كل نواحيها وقبائلها، رغم أن هناك معاناة لدى المرأة عند خبزه لأن المرأة تتعرض لحرق في يدها أكثر من مرة حتى تستطيع التعود على عملية الخبز”.
وأكد القصادي قائلًا: “إن هذا الخبز بجميع أنواعه يعتبر صحيًا كما أنه يعتبر غداءً متكاملًا لأنه يحتوي على المواد المعدنية والفيتامينات التي يحتاجها الجسم، ويعد مفيدًا لمرضى السكري وأصحاب الأوزان الثقيلة، ومرضى القولون وخاصة الخبز الأسمر وهو خفيف على المعدة وسهل الهضم لكبار السن”.
وأضاف المواطن أبو صالح الفيفي: “إن كبار السن المتواجدين في قرى وجبال المنطقة لا يستطيعون العيش دون وجود التنور وخبيز التنّور وإحدى أهم ميزات القرى والأماكن الجبلية التقليدية القديمة هي استمرار عمل “التنّور” فيها، وانتقال هذه الميزة التراثية إلى المدن لتصبح مصدر رزق فرغم تواجد الأفران في معظم أنحاء البلاد إلا أن التنور لا يزال يعمل وينتج الخبز الطازج واللذيذ”.
ويقول أبو محمد المحنشي:” إن حجم رغيف خبز التنّور يكبر رغيف الخبز الذي تقدّمه لأفران الآلية وهو صحي وينصح به دائمًا ويكون ابن المدينة في غاية السعادة عندما يتمكن من الحصول على رغيف خبز تنور. والتنور أصبح مصدر رزق حتى في المدن، فلم يعد ميزة ريفية فحسب بل انتقل إلى المدينة، حيث تقوم عائلات ببناء التنور في مناطق مزدحمة ويبيعون الخبز وعيش التنور والأكلات الشعبية التي تشتهر بها محافظات جازان”.
وهكذا أصبح ” التنّور ” وسيلة من وسائل العيش في المناطق الجنوبية، وخصوصًا في جازان، ويبدو أن من قام ببناء التنور منذ أعوام طويلة لم يكن يخطر بباله أن هذا التنور سيصبح وسيلة لكسب الرزق يومًا ما مهما ازدهرت الحضارة في العصر الحديث.