فتح مصرع معلمتين، صباح اليوم الأحد، ثاني أيام الدراسة، الباب مجدداً لمناقشة قضية نقل المعلمات، وما يتعرضن له من حوادث تقول الإحصائيات إنها تتجاوز المعدل العام داخل السعودية، ويصفها البعض بأنها ”مصيدة الأرواح البريئة”، ويطلق البعض على رحلات المعلمات، خاصة ممن يعملن في مدارس بعيدة عن أماكن سكنهن، والتي تبدأ من الخامسة فجراً ولا تنتهي قبل الثانية ظهراً، اسم ”رحلة الموت”، أو ”الحياة مقابل الوظيفة”، حتى أن بعضهن يستودعن الله في أطفالهن وعائلاتهن قبل مغادرتهن لبيوتهن؛ فهن لا يعلمن إن كن سيعدن أحياءً أم سيتحولن إلى رقم آخر يُضاف إلى إحصائيات وفيات حوادث المعلمات على الطريق.
وكانت معلمتان قد لقيتا مصرعهما إثر حادث مروري تعرضن له على طريق ضبا – الوجه، وأسفر عن إصابة 3 أخريات كن على متن السيارة ذاتها؛ ما أعاد إلى الأذهان حوادث أخرى مروعة تعرضت لها المعلمات خلال السنوات الماضية نتيجة تنقلهن بين المدن الرئيسية والقرى والهجر.
وتؤكد مشاعل، مدرسة تنتقل يومياً أكثر من 150 كيلومتراً؛ لتصل إلى مدرستها التي تعمل بها، أنها تودع في كل صباح أبناءها الثلاثة قبل أن تغادر باب المنزل. مشيرة إلى أنها تسمع إن لم تر بعينيها حوادث الطرق التي تروح ضحيتها المعلمات.
وذكرت أنها تنتقل برفقة ثلاث من زميلاتها بعد أن تعاقدن مع سائق سعودي، قائلة: ”طلبن منه أن يأتي برفقة زوجته محرماً، وكذلك أن يكون حاصلاً على ترخيص من وزارة النقل لنقل المعلمات”. مشيرة إلى أن ذلك يضمن لهن ألا يمارس عملاً آخر بعد توصيلهن إلى المدرسة صباحاً.
في حين تشير ”دلال”، وهي معلمة تعمل في إحدى المدارس الأهلية داخل الرياض، إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بالمعلمات اللواتي يعملن خارج مدنهن بل تمتد إلى تنقل المعلمة من بيتها إلى مدرسة في المدينة ذاتها. مضيفة ”نتعرض لاستغلال بعض السائقين الذين يطلبون مبلغاً قد يصل إلى ألف ريال شهرياً، في حين يصر بعضهم على إيصالنا بشكل مبكر إلى مدارسنا؛ لكي يتسنى له نقل معلمات أو طالبات أخريات”.
وتشير هدى الخالدي، معلمة في المرحلة المتوسطة، إلى أن بداية العام الدراسي خلق جوا للسائقين للبحث عن معلمات والتعاقد معهن. مشيرة إلى أن بعض السائقين يستغلون حاجة المعلمات للتنقل، وذلك من خلال طلب مبالغ خيالية تصل إلى 1500 ريال شهرياً مقابل الانتقال من المدينة المنورة إلى إحدى القرى المجاورة لمنطقة خيبر. وأشارت إلى أنهن يتعرضن لإيقاف دائم من دوريات المرور والشرطة خاصة خلال الفترة الصباحية؛ وهو ما يُسبّب لهن الخوف أو القلق في بعض الأحيان.
يُشار إلى أن عضو اللجنة التعليمية في مجلس الشورى الدكتور خليل آل إبراهيم أكد في وقت سابق أن المجلس طرح قضية نقل معلمات المدارس النائية في محاولة جادة لإيجاد حل، سواء من خلال تبني وزارة التربية إيجاد مساكن جماعية للمعلمات في تلك المناطق البعيدة، خاصة في تلك المناطق التي تزيد المسافة فيها على 50 – 100 كيلو.
وأوضح أن الوزارة لم تتبن هذا الحل ولم تستجب له، مطالباً وزارة التربية بالبحث عن حلول أخرى بعد رفضها إنشاء مساكن للمعلمات، منها توفير وسائل مواصلات آمنة وسائقين على مستوى من الكفاءة في القيادة؛ لتلافي ما يتعرضن له من حوادث بسبب تنقلهن مع بعض العمالة في سيارات صغيرة غير آمنة ولا تتحمل المسافات الطويلة.
وقال إنَّ ذلك إنْ حدث فإنه سيُحدّ من نسبة الحوادث بشكل كبير، التي تنتج من التنقل من منطقة إلى أخرى. ودعا وزارة التربية إلى التنسيق مع وزارة الخدمة المدنية؛ لإعادة الحوافز التي كانت تُمنح للمعلمة التي تنتقل يومياً من المدينة للعمل في القرى والهجر، وذلك بصرف مبالغ مالية إضافية لهن. وأشار إلى أن حركة النقل وصلت هذا العام إلى 9 آلاف معلمة، في حين أن عدد المتقدمات للنقل 100 ألف، وتم تحقيق نسبة ما يقارب من 10 إلى 12 في المائة من طلبات النقل.
في حين يؤكد أبو يوسف، وهو سعودي في الخمسين من عمره يعمل على نقل المعلمات من منطقة المدينة المنورة إلى القرى والهجر المجاورة، أنه يعمل في هذا المجال منذ أكثر من خمس سنوات، ولم تواجهه أية مشكلة.
وقال: ”لي علاقة طيبة بذوي المدرسات كافة اللواتي أقلهن؛ حيث يعرفون مكان سكني، ولم يحصل أني تأخرت في إعادتهن”. مشيراً إلى أن سعر نقل المعلمة يختلف بحسب مكان المدرسة التي تذهب إليها، وأن السعر يرتفع كلما بَعُدت المدرسة؛ فقد يصل إلى 1500 ريال شهرياً.
واعترف أبو يوسف في حديثه إلى ”سبق” بأنه استخرج تصريحاً من وزارة النقل؛ لنقل المعلمات مرة وحدة، ولم يقم بتجديده بعد ذلك، قائلاً: ”هناك شروط تعجيزية من وزارة النقل للسماح لنا بأخذ التصريح الخاص بنقل المعلمات”. وأكد أن الكثير من السائقين الذين يعملون في نقل المعلمات لا يستخرجون التصريح، ويكتفون بالحصول على مخالفة مرورية قيمتها في كثير من الأحيان لا تتجاوز 500 ريال.
يُذكر أن وزارة النقل تشترط على صاحب أي مركبة يرغب في العمل سائقاً لنقل المعلمات أن تتوافر فيه شروط عدة، هي: أن يكون سعودي الجنسية، وألا يقل عمره عن (30) عاماً، وأن يكون متزوجاً، وأن يرافقه في الرحلة إحدى محارمه، كما يجب أن يكون لدى المرافقة للسائق (المَحْرم) الاستعداد والمقدرة على القيام بالإسعافات الأولية عند اللزوم.
من جانبه أشار أبو علاء، وهو سائق سيارة أجرة ويعمل في توصيل المعلمات، إلى أن الكثير من الحوادث المرورية التي تحدث لسائقي نقل المعلمات تكون نتيجة لعملهم فترات متواصلة وفي أكثر من مهمة؛ ما يُسبّب الإرهاق؛ وبالتالي عدم التركيز أثناء القيادة. مشيراً إلى أن بعض السائقين بسبب عمله في أكثر من مكان يسرع أثناء توجهه بالمعلمات إلى بيوتهن أو إلى مقار عملهن من أجل الوصول في الوقت المحدد.
واستبعد أبو علاء أن تتدخل الجهات الرسمية لتنظيم نقل المعلمات، وقال: ”لو كان هناك حل حقيقي فينبغي أن يكون توظيف المعلمات في مدارس قريبة من بيوتهن”. مشيرا إلى أن ”الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي تجبر الفتيات على القبول بالعمل في القرى والهجر، وكل واحدة تنتظر أن يتم نقلها بعد وقت وجيز”.
<<<<< متابعات [/SIZE][/B]