الحياة محطات محطة أمل ومحطة ألم ومحطة لقاء ومحطة فراق، هُنا تعددت الطرق والمسافات وتشتتَ الفكر ووقفت الأعمار ُهنا أعطى الزمن نظرته للحياة كان وقتها الطفل (بسّـام) يحمل عتاد زمنه المُلقى على كاهله الصغير من عناء ومشقة الأيام التي طرقت مُحياه الناعم الذي لايتجاوز الاثنا عشرعاماً.. وقف في محطة القطار وبيده تذكرة صعود، موعد توقف القطار بعد ثلاثون دقيقة كانت بالنسبة له ثلاثون عاماً.. قرأ فيها تعابير من حوله من البشر وكان كُلاً منها يحمل حكاية رسمت أثرها بخطوط الزمن التي تعلُو جبينه، وآخر كسى البياض رأسه وبعضاً من لحيتهُ، وآخر رأى في إنحناء أكتافه كِفاح أجيال.
وعادت به ذاكرتهُ إلى حاله ُفهو طفل يتيم فقد والديهِ في ميدان الشرف حالما غدر عمه العربي بأبيه العربي! فتبعثرت أمامه اثار مدينتهُ الجميلة وانهيار مُأذنها مع بزوغ فجرها ودفن الأئِمة والمؤذنين تحت ركام مساجدها ومعهم صفحات قِرانه المجيد.
علم أنه لم يبقى له سوى ذلك العم (أحمد) في تلك القريةِ البعيدة احتواه و نشله من رُكام العدم والالم والأنين والوجع ًوتعهدَ أن يكون له ما ذهب منه، حتى وإن كان هو الأخر لا يجد من الحياة سوى قوت يومه لكن العزيمة والتحدي والإمان امدته الأمل ليعيش عُمراً.
ومن خيوط الأمل التي أعطاها العم ( أحمد) للطفل الرجل (بسّام) هو إكمال التعليم في المدينة المجاورة التي يفصل بينها وبين قريته سكة القطار.
رسخ في ذهن (بسّام) من مسامرات العم ( أحمد) له ولطف حديثه ان ما آل إليه وطنه من سوء أحوال وتدهور وأن الصراع القائم بين بني جلدةٍ واحدة ودمٍ واحد أساسهُ (الجهل) فهو وباء يعيق العقل عن التفكير وحذو المنطق ويعطل الحياة وتصبح به الدنيا غابة القوي ذو الانياب يأكل الضعيف حتى وان كان من نفس الفصيلة.
الجهل : هو أساس التخلف والتراجع ومنبع كل داء وإن تفشى فعلى الدنياالسلام.
فأيقن أن سلاحهُ هو العلم ثم العلم يتبعهُ العمل وإن لم يكن يحمل في حقيبتهُ غير قلمٍ التقطهُ من مكتبة ابيه قبل ان ينهار منزلهم ودفتر ذو ثمانون ورقة ذهب منها عشرون في إشعال موقدة النار التي كانت والدته الطيبة تشعل بها الحطب لتدفئهُ هو واخته الصغيرة قبل ان تغادر هي الحياة وايضاً مصير مجهول لأخته!
لم تكن الأوراق التي ذهبت مجرد إشعال للحطب بل انها اشعلت الألم في قلبه اليافع فبما انها اشعلت النار فهي ايضاً بالكتابه عليها ستشعل العقول بألامل وستنتهض الهمم ويسطر عليها أمجاد الأمم وبطولات الشجاعة واسم كل شهيد دافعَ عن وطنه ودينه وعرضه وشرفه فإستثارت هِمة (بسام) أن يتعلم ويتسلح بالعلم لِيحارب ذلك الوباء الخطير [الجهل القاتل] فلا حياة كريمة إلا بالعلم.
توقف القطار، صَعد (بسام) ومعهُ صعدت همتهُ وشجاعتهُ وإصرارهُ، وعزيمة طِفلٌ شُجاع سيُصبح يوماً ما رجلٌاً مِقداماً لا يُشق له غبار بعلو فكره وعقله احتضن حقيبته وكأنه يقول ستصبحين يوماً ما مكتبة إن لم تكوني حضارة وعلم وعمل.
بقلم✍?/فائزة عســيـــري
التعليقات 1
1 pings
فاطمه الجباري
20/08/2017 في 7:32 ص[3] رابط التعليق
أنامل سطرت الأبدع لوحة ذات بهجة أ. فائزه
دام نبض قلمك الجميل .
أسلوب قصصي يحمل قيم ومبادئ راقية وهموم الأمة العربية حرب ودمار قتل وتشريد ثم معاناة طفل فهم الدرس واراد التغيير من خلال نشر العلم ونبذ الجهل..
أبدعت حقا أبدعت أستمري بارك الله في قلمك المتدفق بالأحساس والجمال..
(0)
(0)