تفتقر الكثير من حواراتنا إلى أدب الحوار وتفتقد إلى اللباقة وتتجاوز حدود النقاش الهادف والبناء، وتتعدّاه إلى إحداث الخصومة والعداوة بينما يفترض أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
وأصبح الحوار مجرد تصفية حسابات ثم يأخذ منحى آخر ليصبح شخصنةً وتبادل اتهامات ودخول في النوايا وتشكيك وقدح.
هل الحوار مبني أساسًا على تقارب وجهات النظر والبحث عن الحلول وإيضاح أوجه الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر وإزالة العوائق وسوء الفهم في بعض المواقف ؟
ولكي تتضحَ الرؤية لابدَّ من تعريف وإيضاح مفهوم الحوار.
الحوار: لغة: الجواب، والمحاورة: المجاوبة والتحاور والتجاوب.
واصطلاحاً: حوار يجري بين اثنين أو أكثر حول موضوع محدد للوصول إلى هدف معين.
ولقد أكد ديننا الإسلامي على قيمة الحوار وأهميته في حياة الأمم والشعوب، وذلك من خلال ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال سبحانه {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وهذا توجيه حكيم إلى أمة محمد بأهمية استخدام الحكمة والحوار في دعوة الناس إلى طريق الحق من خلال الحوار الهادف والتذكير بالله والمجادلة بالكلم الطيب .مما يشير إلى قيمة كبيرة في حياة كل مسلم وهي استخدام الكلمة الطيبة والدعوة الصادقة في التعامل مع الناس وفي حوار الآخر وفي التأكيد على قيمة الرفق بالآخر والصبر وإظهار محاسن الدين بالقدوة الحسنة.
لقد كان لنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة امتدحه الله تعالى في قوله:( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) سورة القلم ولما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه ( صلى الله عليه وسلم) قالت: (كان خلقهُ القرآن).
الاختلاف في الرأي أمر صحي ينتج عنه في كثير من الأحيان اتساع الأفق وإيضاح الرؤية والوصول إلى حلول .
متى ما كانت الأهداف واضحةً ومقاصد الحوار سامية من أجل إحقاق حقٍّ وإزهاق باطل ،وتوسيع دائرة التواصل ،وأخذ الآراء من أكبر شريحة ممكنة على اختلاف تفكيرهم وتقبلهم ومدى استجابتهم والمفاهيم والمعتقدات السابقة لديهم.
لذا فالحوار مبادئه وأهدافه وأدواته ولغته ومهاراته هو فن يتطلب الكثير من المهارات ولاسيّما إذا كان يهدف للوصول إلى نتيجة مرضية.
من لي بانسان إذا أغضبته وجهلتُ كان الحلمُ ردَ جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه ، وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه ، ولعـــــله أدرى به
عند الحوار والاختلاف في الرأي والنقاش لابد من مراعاة العديد من الأمور مثل:
1/فارق السن فما تناقشه مع أقرانك لا يليق أن تناقشه وبنفس الأسلوب مع من هم أكبر منك سناً.
2/ المكانة الاجتماعية عند الحوار مع الآخرين حيث يجب أن تُراعي أقدارهم ومكانتهم (أب ، أمّ ، أخ ،أخت ،ابن ،ابنة ،زميل ،صديق ،رئيس ، مرؤوس ، وزير، أمير.. الخ ) أنزل كلاً في منزلته واختر الأسلوب والطريقة التي تتوافق مع مكانته.
3/ مراعاة الاختلاف في الثقافات والمفاهيم والمعتقدات والتربية فهناك المتسرع والمتزمت والناقد والحكيم والبذيء الفظّ والمعتدل السهل والمتعلم والجاهل لذا لابدّ أن يكون الحوار مبنيّاً على المنهج الرباني في قوله تعالى: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199) سورة الأعراف.
اختصر سبحانه وتعالى الحوار في ثلاث جمل.
4/ تقبل الآخر مهما اختلفت معه فلا تعاديه فتكرهه بل اكره فعله وأسلوبه وطريقته ولا تسعَ لتشويه سمعته أو صورته لمجرد أنك اختلفت معه فقد علمنا ديننا أن نترفع عن الجدال وما يفضي إليه من عداوات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه). حسنه الألباني ـ رحمه الله تعالى.
منهج نبوي راقٍ يدعونا إلى ترك المراء وهو الجدال حتى وإنْ كنا على حق فالأجر عظيم (قصر في الجنة ).
هاهنا ترك المرآء أي الجدال كسراً لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله.
ديننا استقام على الحوار واحترام الآخر أيّاً كان جنسه ولونه ودينه ،احترم إنسانيته لأنه إنسان بعيداً عن التعصب القبلي والعرقي والديني والاجتماعي والثقافي .
في حياتنا اليومية نتعرض للكثير من المواقف والنقاشات الحادة الجادة إما بكلمة أو غمزة أو لمزة ،منها العابر ومنها الدائم .بعضها يتجاوز أدب الحوار وحدوده ويفضي إلى خصومة ونزاع .
والبعض ليس لديه موضوع سوى الاختلاف معك من أجل الاختلاف فقط ، والبعض يتعمد إسكاتك أو الحديث نيابة عنك والتطاول على حريتك في التعبير، ومنهم من نصّب نفسه محاميًا للدفاع عن كل شاردة وواردة بلا علم ولا معرفة .فمن الأدب ألّا تسكت المتحدث أو تقلل من شأنه أو تتحدث نيابة عنه.
الحوار فن يجيده الراقون الذين يحترمون الرأي والرأي الآخر حتى لو كان يخالف رأيهم ثم يعبرون عن آرائهم بأدب ولباقة مع عدم مصادرة آراء الآخرين .
متى نرتقي في حواراتنا ونقاشاتنا ونعبر عن آرائنا بحب وأدب واحترام؟
التعليقات 14
14 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
هاشم الناشري
07/11/2017 في 2:29 م[3] رابط التعليق
“.. أفرغتَ يا أبا الوليد؟ قال: نعم ..” كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستمع إلى عتبة بن ربيعة ؛ لم يقاطعه ، كنّاه، ثم أجابه!
نعم الحوار أدب وفنّ ، وكم نحن بحاجة لترسيخ هذه المفاهيم الراقية . شكرًا أ. فاطمة ، مقالة رائعة أفدت منها كثيرًا ، جعلها الله في موازين حسناتك وزادك من فضله. كما أشكر الصحيفة والقائمين عليها لتكريس مثل هذه الموضوعات الهادفة. تحياتي.
(0)
(0)
منيرة عبدالعزيز
07/11/2017 في 3:54 م[3] رابط التعليق
موضوع رائع وأنامل أروع بارك الله فيك أستاذة فاطمة
(0)
(0)
منى ام دخيل
07/11/2017 في 4:22 م[3] رابط التعليق
ماشاء الله دائما متألقه في اختيارات مواضيعك ربي يزيدك من واسع فضله
(0)
(0)
نوره مشرف
07/11/2017 في 4:39 م[3] رابط التعليق
فعلا كلام جميل يسلمو ام محمد
(0)
(0)
سلطان حمود
07/11/2017 في 5:20 م[3] رابط التعليق
ما اجملكي واجمل ما كتبتي لا جف قلمك بارك الله فيك ي أمي
(0)
(0)
أم محمد القحطاني
07/11/2017 في 6:17 م[3] رابط التعليق
كلام جميل وفي قمة الروعه
الله يجزاك خير ????
(0)
(0)
البتول المغربي
07/11/2017 في 11:25 م[3] رابط التعليق
…. الحوار هل تم استخدامه على وجه الصحيح ؟ هل الحوار له أثرًا جيد أم سيء في حياتنا ؟ متى نحاور ومتى نبتعد عن الحوار ؟……….. أجد هذه الأسئلة لابد التفكير فيها جيدًا قبل الإجابة عليها……
عبارة بسيطة وقاعدة في الحياة ….( حاورني بهدوء في الصلب الموضوع ولا تدخل الخلافات الشخصية التي بينا واحترم رأيي ولا تتفق معه ولا تحاربني كأني عدوك )… لو طبقناها كان أحدًا لم يصل إلى حد القصاص وينتظر العفو ….. كان النفوس الصافية لا يوجد حاقدين ولا ظالمين ولا مظلومين … مقال رائع جدًا … سلمت أناملك يا أ.فاطمة … مقال نحتاج له في حياتنا …. ???
(0)
(0)
حصة المقرن
08/11/2017 في 12:50 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع
بارك الله في القلم ??
(0)
(0)
حميد
08/11/2017 في 3:57 م[3] رابط التعليق
موضوع جميل .. بارك الله فيكي
(0)
(0)
فاتن سلام
08/11/2017 في 8:14 م[3] رابط التعليق
سلمت أناملك الحوار هو الأرتقاء والسمو ويجب الأ يتحول الى عداء مهما كانت الأسباب ……مقال هادف
(0)
(0)
ام عمر القحطاني
09/11/2017 في 1:20 م[3] رابط التعليق
مقائل رائع من كاتبه راقيه فعلاا …كان الاختلاف لايفسد للود قضيه ..
ولكن!اصبح الاختلاف لإفساد الود قضيه .
(0)
(0)
فاتن سلام
10/11/2017 في 10:56 ص[3] رابط التعليق
الحوار اسلوب حضارى منذ قديم الزمان ،،،
يجيده الأوفياء والصادقين ويتحول الى جدال وعناد عند الجاهلين …استمرى فالموضوع شيق
(0)
(0)
فاطمه الجباري
11/11/2017 في 2:22 ص[3] رابط التعليق
تنحني هامتي خجلا أمام كلماتكم الجميلة وفكركم الراقي وتعليقكم الهادف .
شكرا لدعمكم وتشجيعكم أنا فخورة بكم دائما وابدا قراء مميزون فضلاء .
دام تدفق اقلامكم ونبض قلوبكم.
(0)
(0)
نوره المالكي
14/11/2017 في 4:48 م[3] رابط التعليق
كلام في منتهى الروعه تسلم يدك فعلا هذي الأيام الحوار مجرد تصفيه حسابات
(0)
(0)