ميركا اورتين عجوز بلغت الخمسة والخمسين عام ساقتني الأقدار وحطيت رحالي في منزلها قابلتني مبتسمة في أول يوم مرحبةً يسوقها الفضول لمعرفة تفاصيل حياة ذلك الوافد الذي أتى من تلك البلاد البعيدة ثم قالت أعذرنا فمنازلنا متواضعه لا تشابه منازلكم وهنا عرفت حجم الصورة التي تجول في خلدها عن الشعوب الخليجية وما إن دَخلتُ غرفتي واسترحت نصف ساعة إلا وبها تدخل علي بماوجدته في مطبخها الذي ينقصه الكثير ولكنها قدمت كل ماتملكه وهذا هو الكرم والله .. شرحت لي أنظمتها وقوانين منزلها فوجدت أنها مختلفة نوعاً ما عن بقية العوائل الإنجليزية لأنها تريد أن تساير الحياة على ماتشتهي لا ماتشتهي هي فكلما كانت معقدة كلما تنافر الناس منها وهبط تقييمها ولذلك كانت رائعة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى فقد جمعت الشهادات العليا والتي لم تغنيها ولم تسمنها من الجوع الذي ينهش أطرافها ولكنها كانت فخورة في نفسها وفيما قدمته للبشرية فقد إطلعتني على أسماء نخبة من طلابها المهندسين والذين أصبحوا نماذج تفتخر هي بهم بعد أن أصبحوا يقودون مشاريع كبرى في أنحاء العالم وهنا أستطيع القول بأنها نذرت نفسها لهدف عظيم وأدركت حجم الرسالة التي بين أيديها فوصلت لهدفها سارت بنا الأيام وكل يوم يزداد فضلها الجم وكل يوم تعطيني درساً جميلاً في الحياة ولاتعلم بذلك ولم أحس معها ومع عائلتها التي تتكون من ثلاثة أشخاص بطعم الغربة ولكن أحسست بطعم حاجتهم وتعطشهم للحياة بشكل أفضل ولكنها تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .. تنهض تلك العجوز مبكراً هي وعائلتها كل في مجاله يطلبون الرزق جميعاً برواتب قد تعادل أحياناً وللبعض مكافأة الطالب الجامعي السعودي ولكنهم مع ذلك يحاولون جاهدين إسعاد أنفسهم بما بين أيديهم .. وفي ذلك المنزل الكل منهمك في جمع المال لتسديد الرسوم والضرائب والعيش والتعلم والمستشفيات والاكل والشرب والترفيه ولاتحصل كلها مجتمعة .
قضيت فترة ممتعة في تلك البلاد وأيقنت بأن تلك الشعوب أدركت أهمية الوقت والنظام والكتاب لذلك سبقونا وتفوقوا علينا ..
عندما كنت هناك انصدمت من الصورة المنقولة عنا والقصص التي أوردتها لي كثير وهذا السبب الاساسي من كتابة هذا المقال بعد ذكر الجميل والتي ساهم في نقلها الهمج والغجر ممن حباهم الله الفرصة للذهاب إلى تلك البلاد والتي لو منحت لغيرهم لعاشها مستشعراً قيمتها وناقلاً لقيمنا العظيمة وديننا السمح وأخلاقنا الكريمة ولمثلَّنا خير تمثيل ولكن للأسف تتغلب على البعض الأهواء فينسى مُثُله العليا وإنسانيته ويقدمُ المهم على الأهم فإما أن يعود بخفي حنين أو أن يعيش هناك وقد تنازل عما لا يحق له التنازل عنه والأمثلة كثير .
لابد أن يستشعر كل من يمنحه الله فرصة السفر وزيارة الدول بأنه سفيرٌ لدينه ثم وطنه وممثلٌ لهما وأن لا يتهاون في ذلك فلعل موقف واحد يغير نظرة الكثيرين عن دينك وعن وطنك وعن شخصك فكن على قدرٍ كبير من المسؤولية تجاه كل تصرف تقودك نفسك إليه .
حديثي كثيراً عن الدور المناط بنا ليس إدعاءً للمثالية فكلنا نخطيء ونصيب ويعترينا النقص ولكن من باب التذكير .
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
سلطان
08/09/2018 في 6:41 م[3] رابط التعليق
مقال في قمة الروعة لمن يعي ويستشعر…. تحياتي لك
(0)
(0)
مبارك
08/09/2018 في 7:24 م[3] رابط التعليق
وفعلا انت مثال لخير سفير يمثل بلادنا بعقله الرزين ونظرته التي تطوي بين صفحاتها الكثير من الطموح و الاحلام ويجب أن يعلم كل مسافر لبلد أنه هناك يبني صورة لمجتمعه في أذهان الناس فليحرص على ان تكون صورة مشرفة لبلاده
(0)
(0)
حسين ابودوسه
08/09/2018 في 11:15 م[3] رابط التعليق
أثق أنك أخي بدر خير سفير لهذا البلد وخير من يمثل هذا الوطن ويوضح الحقيقة التي حاول كثير من المأجورين وأصحاب النوايا والمصالح والأهداف الرخيصة أن يطمسوها.
(0)
(0)
قصي
09/09/2018 في 1:53 ص[3] رابط التعليق
فعلا على جميع ان يدرك عظم الرسالة المناطة بنا كشعوب اسلامية ثم عربية ونكون خير سفراء لها ،،،، ابداع مستمر ?
(0)
(0)