اختزل تجارب الحياة في كلمة واحدة وعش بها ( لاتحزن )
تلك الغيوم تشبعت حزنًا، حتى أكفهر وجهها وتلبس البياض سوادًا، تركض، تجري، ترحل… وعندما أنهكها الألم بكت وتساقطت دمعاتها على الصخر، والشجر والحجر، والبحر… على كل شيء ذرفت دموعها، تبسمت الأرض ومافيها وهي تحتضن هذه الدموع، وهناك من شاركها البكاء، وتوحد معها في الآمها، وزفر بالدعاء، ففي الانكسار موطن إجابة دعاء….
قيل (إذا أردت السيطرة على أحدهم أجعله تعيساً )
التقارير كانت تشير الى عدد وفيات في إحدى سجون كوريا كانت الوفيات أكثر من غيره من السجون، كانت ناتجة عن موت طبيعي ..!
كيف تمّ ذلك؟
السجن كان مطابقا للقوانين الدولية من حيث الخدمات ،ومن حيث معاملته ،بل كان يمكن للسجناء محاولة الهروب منه ،والأكل والشرب والخدمات متوفرة بكثرة ، والأدهى لم يكن هناك تعذيب.. وعلاقاتهم مع السجانين ودية! ولكن الكثير منهم كانوا ينامون ليلا …وحين يظهر الصبح يكونون في عداد الموتى؟
ماهي الأسباب؟
قام الجنرال “وليام ماير” المحلل النفسي في الجيش الامريكي بدراسة هذه الظاهرة لعدة سنوات وقد استطاع “ماير” أن يحصل على بعض المعلومات والاستنتاجات من خلال هذه الدراسة :
1. كانت الرسائل والأخبار السيئة فقط هي التي يتم إيصالها إلى مسامع السجناء أما الأخبار الجيدة فقد كان يتم إخفاؤها عنهم.
2. كانوا يأمرون السجناء بأن يحكوا على الملأ إحدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم، أو خذلانهم لأحد أصدقائهم أو معارفهم .
3. كل من يتجسس على زملائه في السجن يعطى مكافأة كسيجارة مثلا والطريف انه لم يتم معاقبة من خالف الضوابط، وتم العلم بمخالفته عن طريق وشاية زميله في السجن، وهذا شجع جميع السجناء للتجسس على زملائهم لأنهم لم يشعروا بتأنيب لضميرهم نتيجة تجسسهم وهكذا اعتاد جميع السجناء على التجسس على زملائهم والذي لم يكن يشكل خطرا على أحد .
لقد كشفت التحقيقات أن هذه التقنيات الثلاثة كانت السبب في تحطم نفسيات هؤلاء الجنود الى حد الوفاة :
1. الأخبار المنتقاة ( السيئة فقط ) كانوا يفقدون الأمل بالنجاة والتحرر .
2. حكايتهم لذكرياتهم كالخيانة أو التقصير أمام الملأ والعموم ذهبت باحترامهم لأنفسهم واحترام من حولهم لهم .
3. تجسسهم على زملائهم قضى على عزة النفس لديهم ورأوا انفسهم بأنهم حقراء وعملاء .
وكانت هذه العوامل الثلاثة كفيلة بالقضاء على الرغبة في الحياة، ووصول الإنسان لحالة الموت الصامت.
القضاء على الرغبة في الحياة بوابة الدخول لمدينة الحزن، تلك المدينة السوداء المسورة بقضبانٍ من حديد، الداخل فيها مفقود، الخارج منها مولود، أبنيتها مساكن متعفنة من أخشاب اليأس، وطوب الانكسار، زجاجها مبعثر من الخذلان، مدهونة بأصباغ الحسرة، والندم، بلاطها أشواك من الضعف والخور والخوف، أشجارها يابسة تئن اشتياقًا لرشفة من ماء الأمل، رمالها نارٌ تتلظى من كرة الشمس الملتهبة تحرق أدمتك قبل أن تطأ قدميك ثراها، فر منها وحلق بأجنحتك، واركض وأجري ، اترك دمعاتك تتصبب في كل مكان، تطهرك وتسقي الجدب، انطلق ، حارب حزنك، لاتصنع له مدينة، ولاتدونه على الخريطة، ولاتسكبه على من حولك ، كن فرحا ومُفرِحًا، ولاتكن حزنًا مُحزِنًا… فالحزن يقتل كما قتل أولئك المساجين، وقتل تلك المرأة التي لبست الحزن حتى ماتت ، وندم ذاك الذي أحزنها!
خبيرة العلاقات الأسرية والاجتماعية
التعليقات 1
1 pings
فيروز عثمان
02/12/2018 في 3:22 م[3] رابط التعليق
من أروع ما قرأت، قطعة أدبية رصينة تملأ دواخلنا فرحا وتفاؤلا وبشرا.
دكتورة حياة كاتبة متميزة لها أسلوبها المميز ، هي إضافة حقيقية في عالم الأدب المعاصر
ليتها تجد جهات رسمية تتبناها وترعاها وتأخذ بيدها نحو العالمية
بروفسير : فيروز عثمان صالح/ جامعة الخرطوم
(0)
(0)