هذه الرسائل عنوانها “مستقبل المخابرات العربية”. بأمل أن تجد الأجيال المخابراتية القادمة طريقها الأفضل لحماية أوطانها بأي ثمن.
لا يصح تجاهل الإخفاقات بشكل عام، فكيف ونحن في زمن التحولات الخطيرة. ولو أن المخابرات العربية تحسبت لمواقف صعبة بعينها، بعضها كان محتمل الوقوع، لما حدثت خسائر هائلة وحروب مدمرة حتى على المستويات الاقتصادية والتنموية والإعلامية والمعنوية. والأجيال العربية التي ستلتحق بالمخابرات مستقبلاً لن يُمكنوا مع الأسف من معرفة تفاصيل أسباب الإخفاقات السابقة ليستفيدوا منها كدروس مستفادة وليدركوا انهم تحت المراقبة والمحاسبة. وسنضع هنا تساؤلات عابرة حول بعض مواقف المخابرات العربية والهدف دائماً هو إنذار العناصر الأمنية القادمة بأن حكوماتهم قد تنهار أو تسقط أو يتم اضعافها إذا كرروا أخطأ اسلافهم.
مخابرات مصر العربية هل تحسبت وبدقة للقادم الذي سيحل بمصر بناءً على الضعف الشديد في العشر سنوات الأخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك رحمه الله ؟. فلنفترض أن قراءتها كانت دقيقة جداً ومواكبة وتعلم يقيناً أن نهاية حكم الرئيس ستكون مأساوية على مصر والعرب والإقليم، السؤال هو كيف تصرفت بناءً على ذلك، ماذا فعلت؟، فليس المهم هل علمت أم لم تعلم لأن الوضع كان مكشوف لأي صحفي مبتدئ وليس لجهاز مخابرات!.
وماذا عن سد النهضة الإثيوبي الذي بدأت فكرته منذ 20 عام؟، هل عملت المخابرات المصرية داخلياً بقوة وإصرار للضغط على السياسيين وتوضيح خطورة السد على مستقبل مصر وأمنها الوطني والغذائي والمائي، وهل عملت خارجياً على منع اكمال فكرته قبل تنفيذه؟. النتائج تقول لا.
مخابرات الدول الأربع المقاطعة لحكومة قطر هل نسقت فيما بينها مبكراً وأعدَّت إجراءات سريعة بعد انقلاب الشيخ حمد على والده خليفة؟ والقصد هنا ليس هل علمت بالانقلاب قبل وقوعه فهذا أمر آخر قد لا يكون ذو أهمية، لكن هل قرأت واستنتجت ما الذي سيترتب على انقلاب غريب وقع؟. الواضح أنه لم يكن هناك عمل جدي لمرحلة ما بعد الانقلاب لمنع تبعات ذلك التغيير، مع أن ذلك كان ممكناً بناءً على طبيعة الظروف السياسية والأمنية آنذاك. لماذا لم تتحرك تلك الأجهزة بقوة نحو إقناع حكوماتها بأنه انقلاب خطير وله اهداف صُنعت خارج قطر ويجب استيعاب حكومة ما بعد الانقلاب وتقويم سلوكها ووضعها تحت ظروف الأمر الواقع لتبقى ضمن التجمع العربي في الجامعة العربية ومجلس التعاون؟.
في حرب الخليج الثانية هل كانت مخابرات العراق مقتنعة بمهزلة إرسال 138 طائرة حربية ومدنية لإيران وهي العدو التاريخي للعراق؟. ولا يهم كيف كان الموقف السياسي آنذاك ولا نمط قيادة حزب البعث ولا خطورة الموقف العربي.. هل كان ذلك إخفاق مخابراتي أم عبث سياسي أم عقل لم يعد بإمكانه التفكير السليم؟. لو تفاعلت المخابرات لربما طرحت خياراً أفضل يحفظ للقيادة ماء وجهها أمام التاريخ بخصوص تسليم سلاحها لعدوها الذي سيظل كذلك للأبد. مع أن القيادة السياسية آنذاك يصعب إقناعها حتى من الداخل. وبالمناسبة صادرت ثورة الملالي تلك الطائرات ورفضت إعادتها بل طالبت حلفاءها الجُدد في بغداد بتعويضات!.
إذا لم تنهض المخابرات العربية بأدوارها الوطنية والقومية خلف الستار فمخابرات العدو ستلعب في ميدانها على المكشوف، والعبرة بالنتائج على الأرض وليست بالتبريرات والحُجج الواهية.