كانت لبنان مصيفاً للعرب والأجانب في شهر أغسطس، لما تتمتع به منمقومات سياحية ولتميز شعبها بانفتاحه على العالم، قبل انغماسه فيطائفية بغيضة وانقسامه على الانتماء للوطن بتأثير التدخل الأجنبيالإيراني التخريبي تحديداً. يبدو أن لبنان -ذلك الجزء الغالي من الوطنالعربي- على موعد دائم وغير ملائم مع شهر أغسطس في السنواتالأخيرة. ففي الرابع من شهر أغسطس من العام الحالي (٢٠٢٠م) تعرضت لبنان لكارثة صعبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً جراءالانفجار (أو ربما التفجير) الذي تعرض له مرفأ بيروت. وأياً كان سببهذه الكارثة فقد جاءت لتضيف معاناةً إلى معاناة الشعب اللبناني،الذي يتجرع مرارة غياب مفهوم الدولة الوطنية (Nation State)، وذلكإما سبب أو نتيجة لمعضلتين استراتيجيتين، وهما معضلة الاستبدادالميليشاوي غير الشرعي من قبل "حزب الله" التابع لإيران مما أخرجلبنان من محيطها العربي سياسياً واقتصادياً، ومعضلة فساد الإدارةالمستشري في البلد عموماً بشكل لا يسمح بتحقيق تنمية اقتصاديةواجتماعية تفي بمتطلبات وحقوق الشعب اللبناني.
وبالعودة للخلف قليلاً، نتذكر في أغسطس عام ٢٠٠٦م أن كانتالمصادمة العسكرية بين "حزب الله" وإسرائيل، حيث استهل الصراعالعسكري بهجمات عشوائية من الحزب الذي يدعي "المقاوِمة" والذييسيطر على القرار السياسي والعسكري في لبنان، غير أن لبنانبكاملها كانت ميدان تلك الحرب التي مارست فيها إسرائيل حرباًهمجية انتقامية أذهبت ما عمرته الأموال السعودية والخليجية تحديداًفي لبنان طيلة سنوات مضت. وعلى الرغم من أحداث متكررة مؤلمة كتلكالتي تَصَدّرَ بها شهر أغسطس في سنوات مضت، إلا أنه يبدو أن كلالشهور في لبنان ستحمل ما حمله (أغسطس) من النكبات ما دامتالدولة اللبنانية معطلة لا تمارس واجباتها من منطلق مفهوم (الدولةالوطنية) ذات النفوذ ومركزية القرار واستقلاله ونزاهته.
ولنا في الوطن العربي إجمالاً عبرة في ما حدث في لبنان. ما حدثويحدث في لبنان انتكاسة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية يدفعفاتورتها الشعب اللبناني. إنها تفتقد إلى الحكم الرشيد الذي يقيمالعدل ويراعي القيم الإنسانية الكفيلة بحفظ الحقوق وتنمية الموارد وبناءالبلد على أسس وطنية شاملة بعيداً عن التأثيرات الأجنبية أو التبعيةالخارجية أو المحاصصة الطائفية التي تورد التخلف ومزيداً منالاحتقان. يجب أن تكون للدولة الوطنية هيبتها ورؤيتها وأن تفرضمؤسساتها أنظمتها وأن يكون السلاح بيد الدولة فقط، لا بيد الميليشيات التي تقيم دولة داخل الدولة. كما يجب أن تتساوى فيها الفرص علىأساس المواطنة بعيداً عن الحزبية والطائفية والمناطقية وما أشبه ذلكمن مظاهر التخلف وعوائق التقدم. يجب أن يكون بناء الدولة الوطنية منالداخل وأن ترفض الأجندات الخارجية التي تتخطف المجتمعاتوالعواصم العربية سواءً كانت لمصلحة إيران أو تركيا أو دول الاستعمارالقديم أو الجديد أو غير ذلك. ولنتذكر في هذا المقام حديث ابن بطوطةفي مقدمته حول قيام الدول وتطورها ثم انهيارها، حيث تكون النهايةغالباً بأسباب من الداخل، أي أن ضعف الدولة وعدم تماسكها منالداخل يكون سبباً لعدم صمودها أمام أي مهددات خارجية!
اللواء ط/ر/م عيسى بن جابر آل فايع
باحث/ ش الاستراتيجية والأمن الدولي