نادى المنادى فأحيا السهل والجبلا
وأطرب السمع حاد منه قد وصلا
بالحج ( لبيك يا رحمن ) قد هتفت
أشواقه وتهادى صوتها جذلا
هلال ذي الحجة الميمون أدركنا
فتمتمت روح من قد كان مؤتملا
الله أكبر هذا يومك اقترب
وهلّ من عرفاتٍ نورها وجلا
يا زهرة العمر ذا الميقات قد برزت
معالم الخير منه عزة وعلا
أين الملبون أين الطائفون وأين
المترجون اغتفار الذنب قيل : ألا
لبت بأعماق أرواح العباد له
مشاعر قد غزاها الشوق وارتحلا
وأصبحت سيرة الأكوان حاملة
مواكباً مثلها في الدهر ما حملا
إلى المشاعر تحدو كل سارية
تتلو التسابيح كالغيم الذي هطلا
اغنم زمانك واغمر ما وهبت وكن
عبداً وسلم بما قد حل أو حصلا
من أرض مكة فاضت لوعة غمرت
شوق المحبين حتى اقبلوا ذللا
وبارك الزمن الميمون سعيهم
وجاد مولاهم نعماءه قِبلا
وحين حلوا بأرض الله جللهم
ذكرى الخليل الذي قد صدق العملا
تذكروا سيرة البيت الحرام وفي
قلوبهم نبض من قد صدق الرسلا
من يوم أن أذن الرحمن بات هنا
رفع القواعد بيتاً حجه اتصلا
وقال (أذن ) فنادى الناسَ سيدنا
ابراهيم جاءت ركاباً تمسح الزللا
ويوم نادى خليل الله قال ألا
لبيك يا رب إني عاقد أملا
سرى الحنين بكل الكون وانطلقت
من دعوة الحق جند تسلك السبلا
وذللت سبلاً للحج واصلة
موصولةً من لرب بالعرش سألا
وأشرق النور يحدو فالجوى سحبٌ
و الشوق في كل قلب بات مشتعلا
هو الصراط هو التبيين إذ نطقت
به الأحاسيس والأيام مقتبلا
هدى تابد في كل القلوب وقد
كادت به الأرض يزهو وجهها قبلا
إن السماحة في أيام بهجتها
أمر يزف إلى الدنيا لتحتفلا
صدقت مولاك (إبراهيم) فانسكبي
يا سحب يا أرض كوني للورى نزلا
يا مكة الخير هذا الحق قد نسجت
أنحاؤه في قلوب الخلق مدخلا
إلى المشاعر سيري واهبطي سهلاً
إلى المشاعر سيري واصعدي جبلا
لبي إلى الله بالإحرام وانتهجي
نهج الشريعة حتى تبلغي النزلا
واستقبلي الخير محفوفاً بحجته
من يأت بيتك مشتاقاً فقد وصلا
من أين يبدأ بالتسبيح صب هوى
حدا به الشوق نحو البيت واحتملا
من كل عرق تلبي فيه نابضة
ويلهج القلب إن وانى وإن عجلا
هذي الحجيج أتت بالتلبيات وفي
أعماق أعماقها التسبيح قد ذهلا
تسعى وتستلم الأركان تائقة
أن تبلغ الأجر أو تستقبل النزلا
نادى بها الشوق في المسعى غداة سعت
ورنم الوجد في الأحشاء واحتفلا
ورددت من بلاد قد أتت ولهاً
لو رامه قلب مشغوف لذاب صلا
أضحت تسوق إلى المسعى ركائبها
ويمتطي شوقها الأزمان كي تصلا
البيت بيتك يا رحمن والمدد الباهي
شريعة خير الخلق والفضلا
وتلتقي البيت أشواقاً فتحبسها
ذكرى النبي الذي قد بلغ السبلا
أبو اليتامى الذي أدى الحقوق ومن
سن الشريعة نهجاً تقتفى عملا
هو الشريعة من أنواره اكتملت
وأزهر الحق حتى حقق الأملا
أحيا القلوب به الله الكريم ومن
أخلاقه أينع الإيمان واكتملا
المصطفى الصادق الميمون سيرته
والعابد الزاهد الوافي بما بذلا
الحج من عرفات الله مبدؤه
والبيت يستقبلا الأخيار والفضلا
فأحرموا ثم لبوا جهرة وسعوا
وطوفوا واستقاموا حوله مهلا
وفي منى بات أهل الله يحرسهم
عناية منه إنه أولى بمن نزلا !!
بطيب المال والإيمان قد قدموا
للحج فاستوثقوا بالحق حين تلا
من زار بيتك أمست كل معصية
من ذنبه لمماً أو عاد منها بلا
سيرجعوا خفافاً من ذنوبهم
فالله أنزل والمختار ذاك تلا
وبلغ الأمة الهدي الذي أمروا
وسن للناس شرعاً دينه وجلا
تغيب كل دواعي الإثم من رجل
إن حلّ مكةً الغراء مبتهلا
فيا ربا الخير إن القلب في وله
لو عاين الكون ما ألقى لما احتملا
ويا ربوعاً غزتنا من مرابعه
لواعج الشوق كوني الأمن للنزلا
ويا زماناً تعامى في جهالته
عد إن ربك غفارٌ لمن جهلا
الحج فرض على كل الورى أبداً
من استطاع إليه المؤن والسبلا
وخير يوم أطلت فيه مشرقة
شمس غدا (عرفاتُ الله) مشتملا
فاضت بساحات بيت الله ساكبةً
وزمزم الخير طب يبرئ العللا
بأي احرف شعري أجتلى وهجاً
قد بات أجنحة تستقبلُ الدولا
وترتقي أنفس تسعى لخالقها
وتستقي هديها إذ تنزع الحللا
يا سعد من مكة الغراء مقصده
ومن تنسك أو صلى بها وتلا
السالكون إلى الرحمن تغمرهم
ملائك الله والخير الذي انهملا
يجددون عرى الإيمان في نسك
ويقصدون قبول الفرض والنفلا
ويختمون بهذا الخير عمرهم
ومن غدا ختمه حجٌ فقد قبلا
فألف بشرى لكم طبتم وطاب لكم
حجٌ وعدتم تقاةً خيركم فضلا
وحل في ربعكم من بعدكم أملٌ
في الله فا سشتوثقوا من ربكم أملا
وبوركت بمساعيكم مقاصدكم
وبلغ الله من يرجو بما أملا
والله يكرمكم بالجود أجمعكم
ويلهم الله للإيمان كل ملا
ويكرم الله من كان الغياث لكم
ومن تلقاكم خيراً ومن بذلا
ويكرم الله بالإفضال دولتنا
برعيها لحجيج البيت والدولا
وخير خير صلاة الله غامرةً
تغشى محمداً المختارَ والرسلا
والآل والصحب والأتباع قاطبةً
ما أمّ (مكة) مشتاق وما نزلا
_______
شعر :
أ.د.إبراهيم بن عبدالكريم السنيدي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – بالرياض