من شيمة الشاب الواعي طلب
الرزق وعدم الاستنكاف عن مهنة حلال كبائع أو راعي أو فلاح أو ( فني صنعة )
الصحابي الجليل (عبد الرحمن بن عوف) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا عَائِشَةُ فِي بَيْتِهَا إِذْ سَمِعَتْ صَوْتاً فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ : مَا هَذَا قَالُوا عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَدِمَتْ مِنَ الشَّامِ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ فَكَانَتْ سَبْعَمِائَةِ بَعِيرٍ – قَالَ – فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ مِنَ الصَوْتِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْواً ». فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ إِنِ اسْتَطَعْتُ لأَدْخُلَنَّهَا قَائِماً . فَجَعَلَهَا بِأَقْتَابِهَا وَأَحْمَالِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . وكان عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه هو فيقول : {فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَراً لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً } رواه احمد. وقد كانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً ، لا لجمع المال فحسب ، ولكنها للعيش الشريف، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار كما في الحديث المتقدم ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن ربيع، فقال سعد لعبد الرحمن كما في رواية الترمذي : { هَلُمَّ أُقَاسِمْكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَلِى امْرَأَتَانِ فَأُطَلِّقُ إِحْدَاهُمَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا }. فقال عبد الرحمن: { بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ } ،وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح.
أريد أن أقف معكم قليلا مع مقولة هذا الصحابي الجليل : (دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ ) ، فالمال- كما هو معلوم- هو احد المصالح الضرورية والكلية، وهو عصب وقوام الحياة ، فقد قال الله تعالى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ) النساء 5، ولهذا قيل : (من يملك قوتك ، يملك قرارك). والمال قد يكون نعمة ،وقد يكون فتنة مضرة ، وذلك بحسب مصادره ،ومقاصده ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». وحسبنا أن الأنبياء عليهم السلام لم يستنكفوا عن أعمال الزراعة ، أو رعي الأغنام ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » .فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » وقيل قد كان نوح نجارا ،وداود حدادا ، وإدريس حائكا (عليهم السلام) . وثبت أيضا قوله : « يَا عَمْرُو نَعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ ». أو« يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ » رواه احمد ، وقد كان ستة من الصحابة العشرة المبشرين بالجنة من أصحاب الملايين، وقد أسهم هذا الثراء في بذل الزكوات والصدقات في نشر الخير والجهاد والعلم والتخفيف من حدة البؤس والعناء ومساعدة الفقراء والاستغناء عما في يد الكبراء ،ومن اللطيف ما ورد عن الإمام سفيان الثوري المشهور بعلمه وزهده انه استفتاه بعضهم وكان يعد فلوسه فعاب عليه ذلك ، فرد عليه سفيان بقوله:(أسكت فو الله لولاها لتمنذل بنا الملوك) . فالسعي إلى طلب الرزق ،وكسب المعاش لتحصيل المال والرزق الحلال يسهم في صحة وسلامة دين المسلم ، وفي حفظ كرامته وتحصيل الحياة الكريمة له ولأسرته، كما يسهم المال كذلك في قوة وعزة الإسلام والمسلمين، حيث لا يخفى ان عوامل القوة : كالجيش والامن ، والصحة ،والتعليم ، والإعلام ، لا تستغني بحال عن قوة الاقتصاد والمال.
وللحديث بقية
الباحث في الشؤون الاسلامية والقانونية والإجتماعية
واتس أب 0504743110