أوضح المستشار القانوني المحامي محمد طنف الدعجاني أن السعودية شرعت مؤخرًا في العمل بنظام المعاملات المدنية، وتلقاه السعوديون بكثير من الفرح والغبطة فهو أحد إبداعات السلطة التنظيمية في السعودية ضمن سلسلة من التشريعات القانونية التي أعلن عنها سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.
وقال: “المملكة العربية السعودية تسير وفق خطوات جادّة في السنوات الأخيرة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالميًا.. ويأتي هذا النظام ليعالج العديد من المشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع بشكل عام، والمتعلقة بالقضايا المدنية لا سيما التعاملات الناشئة عن العلاقات التعاقدية لذلك أطلق عليه فقهاء القانون أن القانون المدني هو أبو القوانين فهو يسد وجه النقص إذا ما افتقدت تلك القوانين إلى النص ويوضح ما يُبهم منها وما غمُض نصها، وهو بالنسبة لباقي القوانين العمود الفقري في هرم الأنظمة”.
وأضاف: “كما يعتبر نظام المعاملات المدنية كونه ثالث التشريعات المتخصصة صدورًا في المملكة، نقلة نوعية في إدارة العدالة، إذ يساهم في تحديث وتطوير منهجيات وإجراءات العمل القضائي، ويعمل على تطبيق أساليب وتقنيات جديدة ومتطورة بشأن الدعاوى القضائية واتخاذ القرارات القضائية، كما يساهم في تطوير القطاع القضائي بشكل عام، ويعزز من ثقة المواطنين في النظام القضائي والقانوني في البلاد، كما أن هذا النظام يساعد على تسريع وتبسيط الإجراءات المتعلقة بالعلاقات التعاقدية، وضبط العلاقة بشكل عام بين المتعاقدين، بالإضافة إلى تعزيز الثقة في قطاع الأعمال ودعم البيئة الاستثمارية في المملكة”.
وأكمل حديثه: “ووفقًا للنظام، نصت المادة الأولى على أن نصوص نظام المعاملات المدنية تطبق على جميع المسائل التي تناولتها في لفظها أو في فحواها، فإن لم يوجد نص يمكن تطبيقه طُبقت القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية، فإن لم توجد قاعدة يمكن تطبيقها طُبقت الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية الأكثرُ ملاءمة لهذا النظام”.
وتابع: “وأظهرت نية المنظم السعودي انه لم يحصر جمع مصادر تطبيق الظام على النحو الوارد في المادة الأولى لمجرد تعدادها، بل أراد بيان أهميتها وتدرجها من حيث الأولوية في الحكم والتطبيق، ومن أجل إعمال نص النظام يبدأ قضاة الموضوع في استنباط الحكم في الدعوى من نصوص النظام “لفظه أو فحواه”، بمعنى استخلاص الحكم إما من عبارة النص، وإما باستنباط لوازمه أو بالكشف عن حقيقة مفهومه أو دلالاته بطرق التفسير المختلفة”.
وأشار إلى أن نظام المعاملات المدنية يتكون من 721 مادة تعمل على استقرار حقوقي لاستثمار فعال، وقد جاء النظام موضحًا ومفسرًا للالتزام والمصادر التي ينتج عنها الالتزام وقد حصرها المنظم في خمسة مصادر هي: (العقد، والإرادة المنفردة والفعل الضار والاثراء بلا سبب والنظام)، وقد اعتنى المنظم ببيان نظرية العقد فوضّح اركانه وأنواعه وآثاره وحالات فسخ العقد أو انفساخه.
كما أرعى اهتمامه ببيان آثار الالتزام من حيث وجوب تنفيذه عينًا أو التعويض في حال عدم إمكانية التنفيذ العيني، وقد أناط المنظم اهتمامه بالتطرق إلى التعويض عن الضرر، ولم يحصر التعويض عن الضرر المادي فقط، بل أرعى اهتمامه للتعويض المعنوي، فقد أوضحت المادة الثامنة والثلاثون بعد المائة التعويض عن ما يلحق الشخص من اذىً حسّي أو نفسه نتيجة المساس بجسمه أو بحريته أو بعرضه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي.
هذا بالإضافة إلى تنظيم المنظّم للأحكام والقواعد التي تضمن للدائنين استيفاء حقوقهم من المدينين والموازنة بين مصالح الدائنين ومصالح المدينين.
وأضاف الدعجاني: “ولعلّ أبرز ما جاء به المنظم القانوني بيان العقود المسماة والإسهاب في الحديث عن احكامه فقسّم احكام العقود إلى أحكام ناقلة للملكية فتطرق فيها إلى عقد البيع، وعقد الهبة، وعقد القرض وعقد الصلح، وما يرد عليها من التزامات وحقوق. وكذلك أحكام العقود الواردة على المنفعة كعقد الايجار وما يقع على المؤجر والمستأجر من تنظيم للعلاقة المبرمة بينهما، وعقد الإعارة وماهيته، هذا بالإضافة إلى تطرقه لأحكام العقود الواردة على العمل فتحدث عن عقد المقاولة وبيان التزامات كلٍ من المقاول وصاحب العمل. وقد أوضح المنظم معيار التزام المقاول في تنفيذ عمله إذا قدّم له صاحب العمل المواد فذكر في المادة الثالثة والستون بعد الأربعمائة بأن يلتزم المقاول ببذل عناية الشخص المعتاد في المحافظة على المواد ويراعي في عمله الأصول الفنية ،وتطرق المنظم إلى الحديث عن عقد الوكالة وعقد الإيداع وعقد الحراسة والتفصيل في أحكام عقد الكفالة وما يترتب عليها من أحكام”.
كما نظم أحكام عقود الشركات التي لا تندرج تحت أشكال الشركات المحددة نظامًا كعقد المضاربة وعقد المشاركة في الناتج وعقد المشاركة الزراعية.
وقال أحسَن المنظم حينما نظَّم بالتفصيل أحكام الحقوق العينية وحق الملكية من حيث النطاق والقيود الواردة عليه، كما تناول أحكام الملكية الشائعة وقسمتها، وكيفية كسب الملكية، وما يكتسب إثرها من حقوق كالارتفاق والانتفاع.
وأكد أن هذا النظام جاء داعمًا ومهيئًا لبيئة استثمارية جاذبة كما يسهم في زيادة التنبؤ بالاحكام القضائية ورفع مستوى الشفافية إلى جانب تعزيز استقرار الأحكام القضائية.