“الحياة لا تقاس بعدد السنوات، بل بالعطاء”. بهذه الفلسفة عاش ضيفنا حياته المهنية والشخصية، متألقًا بين ميدان العمل الرسمي وميدان الإعلام، وبين صفحات الصحف وشوارع المدن. تقاعد اليوم بعد أكثر من أربعة عقود من العمل المثمر، لكنه لا يرى في التقاعد نهاية لمسيرته، بل بداية فصل جديد من العطاء. هذا هو رجل ربط بين مسيرته المهنية والشخصية بأسلوب نادر، حيث تداخلت التجارب والخبرات لتصنع قصة نجاح وتفانٍ في خدمة الوطن.
رحلة مهنية حافلة بالتحديات والإنجازات:
بدأت مسيرته في العمل الحكومي في قطاعات مختلفة، بدءًا من قطاع المجاهدين، مرورًا بحرس الحدود، وانتهاءً بإمارة منطقة جازان. كانت رحلته في السلك الإداري مليئة بالتحديات التي صقلته كرجل قادر على التعامل مع أصعب المهام. تجاوزت سنوات عمله في هذه المجالات الأربعين عامًا قادته خبرته الواسعة إلى المرتبة الثالثة عشرة، وهي مرتبة مرموقة تدل على كفاءة وجدية كبيرة. خلال هذه الرحلة الطويلة، شارك في تنفيذ خطط ميدانية لتطوير الأنماط الحضرية وتحقيق التنمية الشاملة، وساهم في أعمال اللجان وسكرتارية المشاريع الحيوية في جازان.
إن إنجازاته لا تعكس فقط كفاءته، بل مثابرته التي تميزه. وفي ساحة التنمية الإدارية، أدرك أن العمل الكبير يحتاج إلى نفس طويل وإيمان حقيقي بالتغيير. ومع كل تحدٍ، كان الأستاذ حمد يستمد قوته من إيمانه العميق بأن الإنجاز الحقيقي يُكتب في قلوب الناس وليس فقط في التقارير الرسمية.
شغف القراءة منذ الطفولة:
لم يكن عمله الإداري هو مجال شغفه الوحيد؛ فقد نشأ على حب القراءة منذ الصغر. كانت الصحف والمجلات جزءًا من يومياته، وحرص والده، رحمه الله، على توفيرها له منذ أن كان طفلاً. يقول: “كنت شغوفًا بمطالعة الصحف القديمة والمجلات، حتى أجد نفسي في سطورها”. هذا الشغف بالقراءة كان البذرة التي نمت لاحقًا لتصبح حبًا دائمًا للكتابة والعمل الإعلامي.
من الخطاط إلى الصحفي:
بالإضافة إلى حبه للقراءة، كان موهوبًا في فنون الخط والرسم. هذه الموهبة قادته للعمل في مكاتب الخطاطين في الرياض، حيث حصل على ترخيص من وزارة الإعلام لممارسة هوايته. من هنا بدأ الانتقال التدريجي نحو الإعلام، حيث وجد في الكتابة والتصوير الصحفي طريقًا آخر لإبراز قدراته. عمل كصحفي متعاون في “عكاظ”، “المدينة”، وأخيرًا “الرياض”، حيث كان مراسلًا لمكتب جازان. على مدار ثلاثين عامًا، كانت له بصمات واضحة في صفحات الرأي، وترك أثراً لا يمحى في ذاكرة قراء الصحف من خلال تقاريره ومقالاته التي نالت إعجاب القراء.
“جازان والتنمية” توثيق لحكاية النجاح:
من أهم أعماله الأدبية والإعلامية كتابه “جازان والتنمية”، وهو كتاب يوثق مسيرة التنمية في منطقة جازان منذ عام 1422هـ تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز. لم يكن هذا الكتاب مجرد سرد تاريخي، بل هو شهادة حية على تحول جازان من منطقة كانت تعاني من تضاريس صعبة إلى نموذج تنموي حي. الكتاب يجمع بين الكلمات والصور لتوثيق إنجازات المنطقة في مجالات التنمية الزراعية، الحضارية، والاقتصادية.
استفاد المؤلف من أرشيف صحفي حرص على جمعه خلال مسيرته، ليقدم هذا العمل كهدية لسمو أمير المنطقة تقديرًا لدوره الكبير في نقل جازان إلى مرحلة جديدة من التطور. ويقول الأستاذ حمد :“وجدت في هذا الكتاب فرصة لتوثيق رحلة التنمية في جازان، كنوع من الوفاء لهذه الأرض وهذا الأمير الذي قاد المسيرة”.
مشاركاته في استقبال الوفود الدبلوماسية:
لعب الأستاذ حمد دقدقي دورًا محوريًا في استقبال عدد من الوفود الدبلوماسية والشخصيات البارزة التي زارت منطقة جازان، وخاصة قرية جازان التراثية. إحدى هذه الزيارات كانت في 19 فبراير 2024، حين استقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة، مايكل راتني، الذي أخذ صورة سيلفي مع الأستاذ حمد من هاتفه الشخصي، تعبيرًا عن إعجابه بالقرية التراثية.
كما استقبل سفير جمهورية الهند، الدكتور سهيل إعجاز خان، الذي تجول في القرية وأعرب عن سروره بالتنوع الثقافي الذي تمثله. وكذلك، سعد الأستاذ حمد بزيارة صاحبة السمو الأميرة نوف بنت عبدالرحمن بن فرحان آل سعود، التي أعجبت بالأنماط البنائية وعادات وتقاليد المنطقة. كما زار سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة، باتريك سيمونيه، القرية التراثية، وتعرف على الموروثات الشعبية والبيئات الاجتماعية والثقافية القديمة.
والقائمة تطول في استقبال كبار المسؤولين والوفود الدبلوماسية في قرية جازان التراثية مما يعكس الدور الحيوي للأستاذ حمد في تعزيز الصورة الثقافية للمنطقة وتعريف العالم بها.
المهرجان الوطني للتراث والثقافة:
عقدان من المشاركة لم تكن مشاركته في المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالحرس الوطني مجرد واجب وظيفي، بل كانت شغفًا بالموروث الثقافي والحضاري لمنطقة جازان.
خلال عقدين من الزمن، شارك في التعريف بالمنطقة عبر هذا المهرجان، الذي يُعد من أبرز المناسبات الثقافية في المملكة. عمل على تنظيم سوق شعبي يعكس تراث المنطقة، وتعريف الزوار بالعادات والتقاليد، والجانب الثقافي والحضاري للمنطقة. يقول: “كل مشاركة في المهرجان كانت بمثابة نافذة جديدة للتعريف بجازان وثقافتها الغنية”.
ويؤمن بأن التراث ليس مجرد ماضٍ نتذكره، بل هو جزء من مستقبلنا. يعتبر أن قرية جازان التراثية هي الحاضنة المثالية لهذا التراث، حيث يمكن للزوار والشباب التعرف على الأنماط البنائية التقليدية، والفنون الشعبية، والحرف اليدوية. يقول: “نحن نمر بمرحلة ثقافية غير مسبوقة، والتطور التقني يتيح لنا الحفاظ على تراثنا وتوثيقه”.
يرى أيضًا أن التراث العمراني، بما فيه من مواقع تاريخية مثل قلعة الدوسرية في جازان، يمكن أن يكون مصدرًا كبيرًا للاستثمار. يؤمن بأن هذه المواقع تمثل فرصة نادرة لتعزيز الاقتصاد الثقافي والسياحي، مشيرًا إلى أن الاهتمام بالتراث يسهم في توفير فرص عمل وتنمية المجتمعات المحلية.
وفي عصر تكنولوجيا المعلومات، يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت دورًا مهمًا في تسهيل الوصول إلى المعلومات وتعريف الجمهور بالمواقع التراثية. ويعتبر أن هذه الأدوات ساعدت في جعل التراث أكثر قربًا من الشباب والأجيال الجديدة، مما يسهم في استمرارية الحفاظ عليه.
ختامًا:
يؤكد الأستاذ حمد “أنه يشعر بالفخر تجاه ما حققه خلال رحلته الطويلة ” وبعد أكثر من أربعين عامًا من العمل الميداني والإداري يظل حمد دقدقي رمزًا للتفاني والإنجاز. مسيرته كانت ليست مجرد رحلة مهنية، بل قصة إلهام وعطاء لا تتوقف. حتى بعد
التقاعد، يبقى لديه شغف لا يهدأ، وحرص على أن يواصل إثراء مجتمعه بجهوده وخبراته. ولا يزال ضيفنا يحتفظ بشغف الشباب وروح العطاء. تقاعده لم يكن نهاية للطريق، بل محطة جديدة في حياة رجل لا يعرف معنى التوقف. تجربته تلهم الأجيال الجديدة على المثابرة والاجتهاد، فهو لم يتوقف عن الحلم والتطوير. اليوم، يواصل تقديم خبراته ومعارفه للمجتمع، ليبقى اسمه مرادفًا للتنمية والإبداع في جازان.
التعليقات 1
1 pings
عبدالله عباس عبدالرازق
20/10/2024 في 5:11 م[3] رابط التعليق
أخ حمد .. سلام
سعدت كثيرا وأنا أقرأ هذا التقرير الشامل عن التنمية في جازان، وهذه السيرة العطرة لزميل عكاظي تابعنا مسيرته الإعلامية الناجحة عبر سنوات طوال ..
تحياتنا لك أخا عزيزا وصديقا وفيا، مقرونة بأمنياتنا لك بمزيد من التوفيق والتفوق ..
(0)
(0)