في عالم الصحافة، ليس هناك مكان للأحلام الضعيفة أو للصدف العابرة، بل يجب أن يكون كل حرفٍ مكتوب مدروساً، وكل كلمة منتقاة بعناية.
الأستاذ علي الجبيلي، أحد أبرز الأسماء في الصحافة، يمثل هذا المبدأ بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
هذا الرجل، الذي يصف نفسه بتواضعٍ عجيب بأنه “مخلوق بسيط، أحلامه أكبر من مردوده”، يمضي في رحلته المهنية ملتزماً بتفاصيل الحياة وأهدافها الدقيقة، ومُعلناً أن التخطيط، بالنسبة له، هو “القضية الأولى في حياته.” فهو إنسانٌ يرى الإعلام رسالةً تتجاوز مهنته، ورسالة تتسرب إلى تفاصيل حياته كالشبكة العنكبوتية التي لا تنفصل عن دمائه.
التخطيط.. القضية الأولى في حياته
الأستاذ علي الجبيلي هو تجسيدٌ حيّ لمفهوم التخطيط الدقيق والمستمر. يرى التخطيط كركيزة أساسية، تتغلغل في تفاصيل حياته اليومية، سواء في حياته الشخصية أو المهنية.
يقول الجبيلي، في حديثه عن التخطيط: “أهتم بالتخطيط والبرمجة لأدق التفاصيل في حياتي، ولو كان الأمر يتعلق بذهاب بسيط إلى البقالة لتأمين ربطة خبز.”
في هذه العبارة، يُلخّص فلسفته التي تتبنى رؤية واضحة وشاملة، قادرة على تحقيق الأهداف بدقة عالية، التخطيط بالنسبة له ليس مجرد عملية تنظيمية، بل هو أسلوب حياة يقوده لتحقيق أحلامه وأهدافه في عالم الصحافة والإعلام، في الوقت الذي يوازن فيه بين طموحاته ومردوده العملي.
محطاته المهنية… مسار وادي الرمة
حينما يتحدث الأستاذ علي الجبيلي عن مسيرته المهنية، يشبهها بوادي الرمة؛ ذلك الوادي الشاسع الذي يشق طريقه عبر الصحراء بلا انقطاع، منحنيًا ومنعطفًا لكنه مستمر، يحمل في جوفه شغفاً متدفقاً بالحياة، هكذا هي مسيرته؛ مجرى طويل يتخلله الجد والاجتهاد، مزيج من التحديات والأحلام الممتدة.
منذ نعومة أظفاره، كان الجبيلي مسكونًا بشغف لا يُقاوَم نحو الكلمة المكتوبة، لا يكاد يمر يوم دون أن يمسح أنامله بحبر الصحف أو يغرق في صفحات الكتب، يحلق في القصص والأخبار، كان شابًا لا يُشبع من القراءة، يدفعه الفضول لمعرفة كل شيء عن هذا الكون، يصرح قائلاً: “كنت أتحرش لا إرادياً بهذا المستطيل الورقي المليء بالأحبار، كأنني أكتشف عالماً غريباً وساحراً.”
تعد الصحافة بالنسبة لي مسارًا قد بدأ في وقت مبكر من حياتي، حيث كانت الأقدار قد جعلتني في مصافّها قبل أن أدخل المرحلة الدراسية.
في طفولتي، كنت أنا وأشقائي نلعب بأعداد الصحف والمجلات التي كانت تصل إلى مكتب والدي، حينما كان مندوبًا لتعليم البنات في صامطة.
وفي ظل مشاغله الكثيرة، كانت الصحف والمجلات تملأ المكان، وكنا نستمتع بتصفحها، خصوصًا مجلة “المنهل” التي كان يرأسها الرائد عبدالقدوس الأنصاري – رحمه الله. كنا نتوقف عند الصور، ونتبادل الآراء حول ملامح الأشخاص فيها، متخيلين شخصياتهم من خلال تلك الصور.
ولم يتوقف شغفه عند حدود القراءة؛ بل بدأ من مرحلة مبكرة في صناعة عالمه الصحفي الخاص، وكأنه ينسج أول خيوط أحلامه بيده، في عطل نهاية الأسبوع، يصدر صحيفة حائطية عائلية، تعلق على شجرة النيم في وسط البيت، يمزج فيها بين الأخبار والصور، فيبدأ بسرد قصص صغيرة على جذع الشجرة، وكأن الصحافة باتت جزءًا من نسيجه، وكأنه يرسم بداية لمسارٍ طويل يتنقل فيه من محطة إلى أخرى.
يقول علي الجبيلي “وخلال تلك الفترة، شهدت العديد من الأحداث السياسية المهمة، مثل إحراق الصهاينة للمسجد الأقصى، وكانت الصحف تتابع هذه الأحداث بعناوين بارزة، كتصريحات الملك فيصل- رحمه الله – التي كانت تكتب بالخط الأحمر.
كنت أجمع الصحف بشكل مستمر، خاصة في الأيام التي يزور فيها جدي والد والدتي – رحمهما الله – حيث كان أميًا، لكنه كان يستطيع قراءة العناوين متأثرًا بالأحداث السياسية الكبرى، مثل القمم العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد كنت أبحث عن مترجمين لكي أتمكن من فهم دلالات تلك الأخبار”.
تلك الفترة شكلت بداياتي مع الصحافة، حيث كان لدي شغف متزايد بمواكبة الأحداث والتعرف على تفاصيلها من خلال الصحف.
كان دعم أسرتي، لاسيما والدي وعمي الشيخ يحيى الجبيلي، له الدور الأكبر في تعزيز هذا الشغف وتحويله إلى مسار مهني، كان عمي يشغل في تلك الفترة إدارة مكتب مؤسسة “البلاد” الصحفية في الرياض، وكان يؤمن بقدراتي الصحفية، حيث كان يردد لي دائمًا: “ ستكون صاحب قلم في يوم من الأيام”، هذا الدعم المستمر من عمي هو مصدرًا قويًا لإلهامي، خاصة أنه شخصية بارزة في مجال الإعلام، وقد ذكر الإعلامي الدكتور هاشم مرارًا أنه يعتبر عمي يحيى معلمه الأول في الإعلام، مما يعكس عمق تأثيره في المجال.
“من خلال تلك التجارب والدعم الذي تلقيته، تبلورت رؤيتي الصحفية، وأصبحت الصحافة بالنسبة لي أكثر من مجرد هواية؛ فهي شغف تحولت ملامحه إلى مهنة أكرس لها حياتي”.
في المرحلة الثانوية، بدأت براعته تتضح أكثر؛ ثم جاء زمن مراسلة الصحف الكبرى؛ “الرياض”، “البلاد”، و”عكاظ”، في كل مرة كان يرى فيها كلماته منشورة، يشعر وكأنه أقرب خطوةً لتحقيق حلمه، يقول متحدثاً عن تلك اللحظات: “كان هوسي بالصحافة يتزايد، كل خبر يُنشر لي هو شهادة جديدة بأنني في المسار الصحيح” وبفضل هذا الإصرار، زاد حضوره الصحفي بين صفحات الجرائد، حتى بات يُطلب منه نشر مشاركات زملائه، معززًا مكانته كصحفي شاب موهوب، باتت أفكاره تجد صدى كبيرًا، بل كان هذا الشاب الصغير يتنقل بين أنواع المقالات المختلفة، كمن يسير في رحلة استكشاف جديدة في كل مرة، وازدهرت تجربته الصحفية بشكل أكبر حين تميز بكتابة المسرحيات التي قدمت على خشبة مسرح صامطة، تلك الخشبة التي شهدت ولادة كاتب مسرحي إلى جانب كونه صحفيًا.
في رحلته نحو المعرفة، أسس مكتبة منزلية تحتوي على أكثر من ألفي كتاب وموسوعة، فباتت هذه المكتبة معبراً لكل من يرغب في الاطلاع والنهل من معين العلم، وهكذا تحول بيته إلى منارة ثقافية، حيث يصف تجربته هذه بقوله: “المعرفة التي أحملها ليست لي وحدي، بل هي زادٌ لكل من يمر عبر هذا البيت ويعشق الكتاب مثلي.”
ويستمر مسار علي الجبيلي المهني، مثل وادي الرمة، يتفرع ويتشعب، يحمل في طياته خبرات وأحلام لا تنتهي. كانت مسيرته تمثل مزيجاً عجيباً من البساطة في البدايات، والمثابرة الدؤوبة، والوصول إلى محطات لم يكن يتوقعها يوماً. هذا المسار لا يزال يواصل سيره، يلتف أحيانًا ويتعقد، لكنه يظل شغوفًا لا يتوقف، مثل الوادي الذي يرفض أن تجف مياهه.
مرحلة الجامعة…الأحلام التي انحرفت
نقترب أكثر من تفاصيل المرحلة الجامعية التي شهدت نقطة تحول كبيرة في مسار الأستاذ علي الجبيلي؛ حيث تراجعت أحلامه في مجال الإعلام بعد توجهه الاضطراري لقسم الإدارة العامة بجامعة الإمام فرع الجنوب، استجابة لرغبة صديقه المقرب د. علي عواجي.
بدا وكأن مشواره في الإعلام قد انحرف عن مساره، لكنه لم يبتعد عنه تماماً؛ فبينما كان في زيارة لمكتب جريدة “الرياض” بعسير بحثاً عن مقال قديم له، التقى بالمرحوم سعيد الأسمري، مدير المكتب، الذي عرض عليه الانضمام كصحفي. وكانت تلك اللحظة انطلاقة فعلية للأستاذ علي الجبيلي في عالم الصحافة.
استمر الأستاذ علي في عمله بالمكتب حتى جاءه عرض من عراب الإعلام تركي السديري لتولي إدارة المكتب بشكل رسمي، ولكنه اعتذر بسبب التزامه بالدراسة، مع وعدٍ من السديري بمنصب مميز بعد التخرج.
وبالفعل، عند التخرج زار الجريدة برفقة زملائه نافع النافع وعبدالعزيز الصعب، حيث اقترح عليه السديري إدارة مكتب “الرياض” في جازان، ولم تكن المهمة سهلة، فقد طُلب منه إعادة هيكلة المكتب ووضع استراتيجيات تطويرية.
كان السديري يقدر أهل جازان، مؤكداً بطولاتهم وكرمهم، مما أشعل في قلب الأستاذ علي الجبيلي الرغبة في تقديم أفضل ما لديه.
بعد فترة عمل متفانية، حاز الأستاذ علي الجبيلي على ثقة تركي السديري لدرجة اعتباره أحد أهم الشخصيات المحورية في الصحيفة، رغم تلقيه عروضًا مغرية من جهات أخرى، لكن السديري أصر على بقائه وفاءً للجهود المشتركة والتفاهم المتبادل، تجسدت هذه العلاقة المهنية الوثيقة عندما عرض عليه السديري منصب مدير التحرير الإقليمي للمنطقتين الغربية والجنوبية، مع عضوية مؤسسة اليمامة الصحفية، ورغم سعادته بهذا التقدير، جاءت توجيهات سمو الأمير محمد بن ناصر بالاعتذار بسبب حاجة المنطقة لخدماته.
الإعلام… شريان ينبض في عروقه
الإعلام بالنسبة لعلي الجبيلي ليس مجرد مهنة، بل هو جزء لا يتجزأ من هويته، شغفٌ يجري في عروقه ويملأ حياته. يعبر عن هذا الشغف قائلاً: “الإعلام يتمدد في شراييني كالشبكة العنكبوتية… لا مناص منه ولا مهرب حتى وإن استقلت أو تقاعدت عن هويتك هذه نظرياً.”
هذه الكلمات تجسد كيف يتجاوز ارتباطه بالإعلام العمل الرسمي، فهو يراه وسيلة للوصول إلى الجمهور وإيصال الرسالة الصادقة، ويبقى هذا الشغف عالقًا به، يُحييه ويقويه، حتى وإن ترك المهنة، حيث يظل الإعلام جزءًا من كينونته ومعتقداته.
محطات إعلامية في حياة الأستاذ علي الجبيلي
استطاع الأستاذ علي الجبيلي عبر سنوات عمله في الصحافة والإعلام أن يحقق إنجازات فريدة، تاركًا بصمة لا تنسى في مشواره المهني. عاش لحظات فارقة وواجه مواقف طريفة، وبينما قد يراها البعض محطات عابرة، شكّلت بالنسبة له تجارب أساسية عزّزت مسيرته كصحفي وإعلامي من الطراز الرفيع.
سأكتب وصفًا موسعًا لكل محطة لإبراز القيمة الحقيقية التي تميز كل مرحلة من مسيرة الأستاذ علي الجبيلي.
المحطة الأولى: تقدير وتكريم من شخصيات مرموقة
كانت بداية الأستاذ علي الجبيلي في مجال الإعلام معترفًا بها من قبل شخصيات قيادية بارزة، إذ لفتت تغطياته الصحفية الحية والمميزة أنظار المسؤولين في فترة مبكرة من مشواره المهني، كان من بين هؤلاء الدكتور عبد الرحيم محمد عقيل، المدير العام للشؤون الصحية في جازان، الذي أبدى إعجابه بقدرة الجبيلي على تغطية لقاءات وزراء الصحة ونقل القضايا بحس إعلامي عالٍ واحترافي.
أعجب الدكتور عقيل بموهبة الجبيلي في الوصول إلى جوهر الأحداث وتقديمها بطريقة تجذب الجمهور، فقدم له عرضًا وظيفيًا في إدارة العلاقات العامة بوزارة الصحة تقديرًا لمهارته وتميزه.
ورغم قيمة هذا العرض ومكانته، فضّل الأستاذ علي البقاء في مهنته الصحفية بجريدة “الرياض”، انطلاقًا من شغفه والتزامه تجاه رسالته الإعلامية.
كانت هذه الخطوة نقطة تحول، حيث أكدت للجبيلي أن التفاني في الصحافة يتطلب التضحية، وأن الرغبة في الاستقلالية والعمل الميداني تتفوق أحيانًا على الإغراءات المهنية.
المحطة الثانية: تجارب ميدانية وتحديات جديدة
في واحدة من أكثر فترات المنطقة حساسية، خلال أزمة الخليج وتحرير الكويت، كان الجبيلي على موعد مع تجربة غير متوقعة عندما تلقى اتصالًا من الأستاذ سعد محمد أبو ملحة، مدير الخدمة المدنية، يعرض عليه وظيفة في إدارة المجاهدين بجازان، ولأن إدارة المجاهدين تتطلب العمل في بيئة تتسم بالتحديات والصعوبات، شعر الجبيلي ببعض التردد في البداية، متسائلًا عن طبيعة المهام التي قد تُوكل إليه في هذا السياق.
ورغم المخاوف الأولية، قبل الجبيلي العرض بعد تلقيه وعدًا من أبو ملحة بأنه سيحظى بنقل إلى وظيفة أخرى إذا لم يجد راحته في العمل.
هذه التجربة فتحت له آفاقًا جديدة في العمل الحكومي والأدوار القيادية، واستمر فيها حتى جاء قرار من أمير المنطقة بنقل خدماته ليصبح مديرًا للعلاقات العامة والمراسم بإمارة جازان.
هذا المنصب الجديد وضعه في موقع استراتيجي جعله قريبًا من صنع القرار وتنسيق التواصل مع الشخصيات الهامة، وسمح له بإبراز قدراته التنظيمية والإبداعية.
المحطة الثالثة:
عروض من رواد الصحافة وقيادات الإعلام طوال مسيرته المهنية، حظي الجبيلي بدعم كبير من رموز الصحافة في المملكة، وتلقى العديد من العروض من الصحف الكبرى، من ضمنها عرض للعمل ضمن هيئة تحرير جريدة “عكاظ”.
ورغم أن هذه العروض كانت تجسّد اعترافًا بقيمته المهنية، إلا أن التزامه بجريدة “الرياض” كان عميقًا، فقرر الاعتذار عن قبولها حفاظًا على مسيرته المستقرة.
كان تركي السديري، أحد رواد الإعلام البارزين، من أشد الداعمين له، فقدم له منصبًا مرموقًا في “مؤسسة اليمامة الصحفية” كمدير للتحرير الإقليمي في المناطق الجنوبية والغربية، مبرزًا تقديره لأفكار الجبيلي التطويرية وجرأته في الطرح.
وبرغم الإغراءات المادية الكبيرة، تمسك الجبيلي بمكانته في جازان، مؤمنًا بأهمية الخدمة التي يقدمها للإمارة، ما زاد من احترام وتقدير أمير المنطقة له.
المحطة الرابعة: مواقف شجاعة وأدوار ريادية
عرف عن الأستاذ علي الجبيلي شجاعته في الطرح الإعلامي وجرأته في الأسئلة، ولعل أبرز هذه المواقف تمثلت عندما كان أول صحفي سعودي يطرح سؤالًا حساسًا حول اعتراض الكونغرس الأمريكي على صفقة بيع طائرات F-15 للسعودية، وذلك خلال حضور الأمير خالد الفيصل.
كان ذلك السؤال الذي طُرح أمام مسؤول كبير لحظة فارقة، إذ حقق له إعجاب الحضور وثناء الأمير خالد، الذي أبدى احترامه لمهنية الجبيلي وحسه الإعلامي العالي.
مثلت هذه الواقعة دفعة كبيرة في مسيرته، حيث جعلته في مصاف الإعلاميين القادرين على التطرق إلى القضايا الشائكة بجرأة ووعي، مما أضاف إلى شخصيته المهنية أبعادًا جديدة.
المحطة الخامسة: لحظات طريفة لا تُنسى في رحلته المهنية
لطالما كانت العفوية من سمات الأستاذ علي الجبيلي، وكانت سببًا في وقوعه في مواقف طريفة، منها ما حدث خلال إحدى المناسبات التي حضرها الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك، في زيارة إلى مركز المجاهدين بالمظيليف أثناء أزمة حمى الوادي المتصدع.
بعد انتهاء الحفل، طلب الجبيلي من الإعلاميين المرافقين إجراء لقاء مع الأمير، ولكنهم اعتذروا نظرًا لتعليمات إدارة العلاقات العامة في إمارة مكة، عندها، وبكل عفوية، سحب الميكروفون من يد أحد الإعلاميين وطلب من مصوّر التلفزيون ملاحقته، ثم توجه إلى الأمير وطرح عليه بعض الأسئلة الارتجالية، ابتسم الأمير عبد المجيد وسأله ممازحًا: “أنت مع المجاهدين أم مع الإعلام؟” فأجابه الجبيلي بابتسامة: “والله أنا هجّانة يا سمو الأمير.
المحطة السادسة :“الإدارة بالعلاقات العامة: رحلة بين تحديات النجاح وابتكار المبادرات”
في حديث شيق خصّه الأستاذ علي لصحيفة “الرأي” قال : ” يُقال إن للنصر ألف أب، بينما للهزيمة أب واحد، وفي ميدان العلاقات العامة، فإن الأب الذي يتصدى للهزيمة ويتحمل مسؤوليتها هو أنا، أو أنت، أو أي شخص يتولى هذا الموقع. لم تكن هذه الوظيفة مجرد مهنة عابرة، بل غدت شغفاً يلاحقني حتى أوقعتني شبكته، ووجدت نفسي مأسوراً بحبها رغم محاولاتي الإفلات”.
من هنا بدأت القصة عندما منحني الأمير محمد بن تركي السديري، أمير منطقة جازان السابق، الثقة بتولي إدارة العلاقات العامة أو التطوير الإداري، وذلك بحضور وكيل الإمارة الأستاذ خالد بن تركي العطيشان.
ورغم الشرف الكبير بهذا التكليف، طلبت وقتاً للتفكير، مقترحاً تأسيس إدارة مستقلة للشؤون الإعلامية، لتكون قادرة على التنظيم الذاتي، وبعد قبولي للتكليف، أشرفت على الشؤون الإعلامية وتقلدت مهاماً متعددة كرئاسة وعضوية لجان متخصصة.
ومع تولي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز مقاليد الإمارة، تجددت الثقة بي لتولي إدارة العلاقات العامة والمراسم.
قُدِّمت حينها خطة متكاملة لإعادة هيكلة الإدارة، شملت ربطها المباشر بالأمير ودمج أقسام الإعلام والمراسم ضمن هيكل واحد.
كما تضمنت الخطة فتح قنوات اتصال فعالة بين إمارة المنطقة ومختلف شرائح المجتمع وقطاعاتها، وتفويض المزيد من الصلاحيات لتسريع الخدمات المعنية، مع التأكيد على جذب الكفاءات من المنطقة وخارجها.
نالت الخطة موافقة سمو الأمير، حيث تم تفعيل العديد من البرامج التي اقترحتها، وعملنا على ربط العلاقات بشبكة اتصال مباشرة مع كافة الأجهزة الحكومية، تُحدثهم بتفاصيل برامج سمو الأمير وجولاته الاستطلاعية المفتوحة، التي شملت الأسواق والكليات والمجمعات التجارية، مع الحرص على زيارة الأعيان والمشايخ والأدباء في مدنهم ومحافظاتهم، تعزيزاً لروح التواصل والانفتاح.
كما شهدت هذه المرحلة مبادرة الأمير لجعل الجلسة الأسبوعية في قصر الإمارة جلسة ثقافية تُطرح فيها رؤى ومقترحات تخدم المنطقة وتُعزز خدماتها التنموية، كما تبنينا برنامجاً خاصاً بإدارة المراسم وحققنا إنجازاً هو الأول من نوعه في المنطقة من خلال التعاقد مع شركة للتواصل الإعلامي السريع، للوصول الفوري إلى أكثر من 5000 مشترك من المثقفين والمشايخ والأدباء، وتعزيز التواصل الإعلامي مع الشخصيات المؤثرة.
كان لإدارة الإعلام دور في تغيير الصورة الذهنية عن المنطقة، من خلال إعداد برامج متخصصة تعكس تراث وثقافة المنطقة، واستضافة إعلاميين ومثقفين ومشاهير، وتقديم المنطقة كوجهة استثمارية وسياحية.
وتم تسويق جازان عبر فعاليات محلية مثل مهرجان الجنادرية، إلى جانب إصدار مطبوعات إعلامية وملاحق صحفية، فضلاً عن إنتاج برامج تلفزيونية وإذاعية تعزز هذا الهدف.
في النهاية، يبقى التحدي دائماً في القطاع الحكومي مختلفاً عن القطاع الخاص، لكن عزائم الرجال وتحدي الصعاب تصنع الفارق في الإنتاجية وتحقيق الأهداف، مما يجسد روح العلاقات العامة التي تحمل على عاتقها مهمة رسم الصورة المثلى لوجه المنطقة.
“سمات الإعلام الناجح بين مهارة التحليل وتعدد اللغات”
أكد الأستاذ علي الجبيلي في حديثه على السمات الأساسية للإعلامي الناجح، مشيراً إلى أهمية القدرة على مسايرة التغيرات السريعة والاستجابة الفعالة لمتطلبات العصر، مع إتقان أدوات وتقنيات الإعلام الحديثة. وأوضح أن الإلمام بأكثر من لغة يفتح آفاقاً واسعة للإعلامي، مضيفاً أن الإعلامي يجب أن يكون مؤثراً ومتفاعلاً مع الأحداث لا مجرد ناقل للأخبار، وأن يمتلك مهارة التحليل ورؤية شمولية تساعده على فهم الواقع.
“خطط أفقية ورأسية تقودنا للتميز في الصحافة المحلية”
وتحدث الجبيلي عن رؤيته لإعداد الخطط الإعلامية الفعالة، مشيراً إلى وجود مسارين أساسيين في العمل الصحفي: خطط مرحلية وأخرى استراتيجية طويلة الأمد، أوضح أن الخطط المرحلية تهدف إلى تغطية الأخبار العاجلة والمناسبات الفورية، في حين تسعى الخطط الاستراتيجية إلى تقديم تحقيقات متعمقة، وتغطيات تتناول قضايا المجتمع من زوايا متعددة، بما في ذلك الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية، والتنموية، والسياحية، والتراثية. ويهدف هذا التوجه إلى إبراز جماليات منطقة جازان وتاريخها، وإيصال صوت المواطن الجازاني المحب لأرضه وثقافته وقيادته.
وأشار إلى أن مكتب الصحيفة الذي عمل به برز كأحد أهم المكاتب الصحفية في المملكة، حيث تميز بالمصداقية والجرأة في الطرح، فضلاً عن دقة المعلومات وتقديمها بشكل جذاب للقارئ.
وأضاف: “لقد قدمنا محتوى إعلامياً مميزاً لأكثر من ثلاثين عاماً، جعلنا نتفاعل مع القراء والمسؤولين بشكل لافت”.
ويُعزى هذا النجاح إلى وجود شبكة واسعة من المراسلين تشمل جميع المحافظات، وفريق نسائي يمتلك كفاءات صحفية متميزة، مما أتاح للصحيفة التفوق في التسويق والإعلانات والتغطيات الإعلامية.
وأكد الجبيلي أن هذا التميز لم يكن ثمرة عمل فردي، بل هو نتاج جهود فريق عمل مشترك، وتعاون مع الجهات الرسمية ودعم من ديوان الإمارة، بالإضافة إلى توجيه ومساندة من رئيس التحرير ومساعديه.
وأوضح أن التميز الإعلامي يحمل معه تحديات وصعوبات، ويتطلب تضحية وصبراً، خاصة في ظل العقبات والمنافسة.
وعبّر الجبيلي عن فخره بتحقيقه العديد من الإنجازات الصحفية البارزة، بما في ذلك اللقاءات الصحفية مع شخصيات بارزة من أمراء ووزراء ومسؤولين، مؤكداً أن هذه التجربة الإعلامية المتراكمة على مدى سنوات هي رصيد مهني يُحتذى به، ونموذج يستحق التوثيق والدراسة من قبل الأكاديميين والمؤرخين وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية.
علي الجبيلي ريادة إعلامية في تغير صورة جازان
تتسم مسيرة الأستاذ علي الجبيلي بتفوق مهني واضح ورؤية واستراتيجية مبدعة ، ما جعله من الأسماء الإعلامية البارزة التي تمتاز بروح المغامرة والإبداع في طرح القضايا.
تعدّ هذه المحطات إشادة واضحة بدوره الريادي في الإعلام السعودي، مقدمًا مثالًا يُحتذى به في تحمل المسؤولية المهنية وتجاوز الصعوبات بابتسامة وتفانٍ.
لم يكن الأستاذ علي الجبيلي مجرد مدير مكتب؛ فقد كان أحد الرموز الإعلامية في جازان، مشرفاً على نشرات صحفية لمؤتمرات كبرى وإصدارات متنوعة، طُبعت منها ملايين النسخ للتعريف بجازان وثقافتها.
وساهم مع فريقه الإعلامي في تغيير الصورة النمطية للمنطقة من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية، والشاشات الإلكترونية في كبرى مدن المملكة، ليُعرف الناس بجازان، بتاريخها وحضارتها، وجهود أبنائها الذين يحملون شغف التراث والإعلام والتغيير.
هذه مسيرة تُروى بعناية عن إعلامي استطاع بإصراره وحبّه لعمله أن يساهم في إحياء صورة منطقة كاملة، جامعًا بين المهنية العالية والإبداع في تقديم رسالته الإعلامية.
ختامَا
الأستاذ علي الجبيلي ليس فقط صحفياً شغوفاً، بل هو أيضًا شخص ملتزم بقيم ومبادئ أصيلة، يؤمن بأن الإعلام يجب أن يكون بناءً على صدق الرسالة ونزاهة الهدف.
يعبر عن هذا الجانب من شخصيته بقوله: “القيم التي أحملها تجاه المجتمع هي مخرجات التربية وأخلاقيات المهنة؛ الإعلام ليس مهنة عابرة بل رسالة أسمى.”
بهذه الكلمات، يختصر الأستاذ علي فلسفته الإعلامية، التي تتسم بالتفاني في نقل الحقيقة، والالتزام بمبادئ النزاهة والصدق محافظاً على أخلاقيات مهنته ومبادئها، ويسعى لخدمة الآخرين ونشر القيم الإيجابية.
يظل نموذجًا يُحتذى به في الإعلام السعودي، يسعى باستمرار لخدمة مجتمعه، ويؤمن بأن النجاح الحقيقي هو في إحداث تغيير إيجابي وبناء واقع أفضل للأجيال القادمة ،.