انتشرت في هذه الأيام ظاهرة تستدعي التفكّر و التأمّل بل و تستدعي الوقوف ضدها بحزم و إصرار ألا و هي ظاهرة الإسراف و التبذير .
إن ما نراه في مجتمعنا من إسراف و تبذير في المأكل و المشرب و الملبس و من سوء تصرف ببقايا هذه النعم لأمر يندى له الجبين و يتفطّر له القلب من هول ما يرى و خصوصاً ما يكون من هدر لهذه النِعم و الأنعام في المناسبات و الولائم سواءً الخاصة منها أو العامة فهذا الإسراف إنما هو عبارة عن نذير شؤم و مؤشّر لتجاوز الحد و الطغيان ، و للأسف تستمر هذه المظاهر و كأن المسرف لم يقرأ قوله تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين )َ الأعراف (31).
لقد ذمّ الله سبحانه و تعالى الإسراف و أهله في قرابة العشرين موضعاً في القرآن الكريم و هناك العديد من الأحاديث الشريفة التي ذمَّت الإسراف والتبذير نُورِد منها على سبيل المثال لا الحصر قوله صلى الله عليه و سلّم : (( لا تُسرف و لو كنتَ على نهرٍ جارٍ )) لقد نهانا الرسول الكريم صلى الله عليه و سلَّم عن الإسراف ولو كنا على نهر جار لا يُخشى مِن أن ينضب ماؤه !! فكيف بنا و نحن في قلب هذه الصحراء القاحلة التي لا حياة فيها و لا ماء ؟! و لكن من فضل الله سبحانه و تعالى علينا أنه قد قدَّر لها أن تكون جنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان من مشارق الأرض و مغاربها فالحمد لله على ما نحن فيه من نعمٍ لا تعد و لا تحصى ..
إن ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي من صور و لقطات و مشاهد فيديو تظهر فيها موائد ممتدة تحتوي على ما لذَّ و طاب من طعام و شراب قد يكفي لمئات الأشخاص - بلا مبالغة - و قد تتفاجأ بأن عدد الضيوف أو عدد من يقوم لهذه الموائد لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين !! و في نهاية المطاف لا يكون مصير هذه النعم و الأنعام إلا لمكبَّات النفايات - أعزَّكم الله - التي تختلط فيها أصناف الطعام بالقاذورات و النفايات ..
و أنا في الحقيقة لا أعلم إن كان صاحب هذه المناسبة أو الوليمة قد نسي أو تناسى أن الله سبحانه و تعالى سوف يحاسبه على تبذيره و إسرافه في هذه النعم التي أنعم الله بها عليه ؟!
قال تعالى : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) التكاثر ( 8 ) ، و لا أعلم أيضاً إن كان هذا المبذِّر المسرف قد تجاهل ما مرَّ به آباؤه و أجداده في الماضي القريب من الجوع الشديد و الفقر المدقع و شظف العيش و شدة الفاقة.
إن الذي أنعم علينا بهذه النعم و منعها عن أسلافنا في الماضي و عن الدول التي بجوارنا في الحاضر في هذه الأيام على وجه الخصوص لقادر على أن يبدّل حالنا التي نحن عليها من أمن و رغد عيش إلى خوف و جوع و شظف عيش .
قال تعالى : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ النحل ( 112 )
و قال الشاعر :
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها..
يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ..
إن العاقل عندما يتصفح القصص التي مرَّ بها الآباء و الأجداد و يقرأ ما كتبه له أسلافه من قصص لا يكاد العقل أن يتصوّر هولها و لا يدرك فضاعتها و خصوصاً ما كان قد كُتِبَ منها في سنة الجوع [ 1327 للهجرة - 1909 للميلاد ] ليُدرك حجم النعمة التي قد مَنَّ الله بها علينا و سوف يُدرك أيضاً أن من الواجب عليه و على جميع أفراد المجتمع أن يقفوا صفاً واحداً للحد من مظاهر الإسراف و التبذير و ذلك عن طريق النصح و الإرشاد و توضيح الأخطاء و النقد الهادف البنَّاء لمن وقع فيها ، و التحذير و التوجيه لمن لم يقع فيها بعد لعل الله أن ينفعه بما قِيل له .
و في الختام أسأل الله أن يديم على بلادنا الأمن و الأمان و العزَّة و التمكين و التوفيق لكل خير و النجاة من كل شر.
التعليقات 6
6 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
خلود القحطاني
30/01/2016 في 12:48 م[3] رابط التعليق
كلام جدا جميل ونصح وإرشاد لابد أخذه بعين لاعتبار والمحافظه على النعم مقال يستحق النشر لي لاستفادة منه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(0)
(0)
سعيد أبو ديّه
30/01/2016 في 12:55 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير وبيّض الله وجهك
فعلاً موضوع طال السكوت عنه
ونحن في حاجه لوضع حد لهذا الإسراف والتبذير
إلى أين !!؟
اشكرك الأخ نايف على هذا المقال الأكثر من رائع
وشكرا .
(0)
(0)
فهد الهملان
30/01/2016 في 3:01 م[3] رابط التعليق
سعدت بقراءة هذا الكلام وإلى الأمام
(0)
(0)
محمد الجــــــــابري
31/01/2016 في 8:47 ص[3] رابط التعليق
المشكلة يا بو محمد اننا نتكلم في الاسراف كثيرا الا اننا لا ننكر الفعل حين نكون مدعوين “نفاق اجتماعي للاسف”
وكلامك صحيح بزوال النعمه لا قدر الله اذا ما تمادينا في الاسراف والهياط المفتعل واللامبالاة بالعاقية ..
تحياتي
(0)
(0)
شبيه صدام
03/02/2016 في 10:48 ص[3] رابط التعليق
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف…
والصلاة والسلام على القائل: ( كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ ولا مَخِيلَةٍ) أو كما قال..الحديث…
الإسراف مذموم أياً كان نوعه، لأنه تجاوزٌ للحد المشروع وخروج عن المألوف، وإذا
كان الله قد نهى عنه في الأكل والشرب والإنفاق – وهو مما هو ضروري للحياة – فالنهي عنه في غير ذلك أولى..
وإن مما ابتلي به المجتمع في هذا الزمن الإسراف في حفلات الزواج خاصة، بدءاً من استئجار قصور
الأفراح الفارهه وما يتبعها من خدمات يصل معظمها إلى الآف الريالات في ليلةٍ واحدة. ناهيك
عن تبعات ذلك من العادات والتقاليد السيئة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فقد وصلت قيمة بطاقة الدعوة إلى خمسين ريالاً للبطاقة الواحدة لما تشتمل عليه من زخرفة وغلاف
وخط جميل ثم مصيرها إلى سلة المهملات، علماً أن الغاية واحدة هي الإبلاغ الذي يتحقق بأدنى وسيلة
حتى بالرسالة الهاتفية التي لا تتجاوز بضع هللات.
* أما الإسراف في الموائد فحدث ولا حرج فمائدة الرجال تكفي لأضعاف العدد بل حدث تطوّر في العرض
وتقديم المائده من خلال تبريك الحاشي لاينقص منه إلا قوائمه السفليه والرقبه فقط وبهذا الأسلوب تشابهة
عقول الرجال بقعول النساء من خلال التباهي وكأن صاحب الحفل يريد إن يكون زواجه حديث المجالس ..
(0)
(0)
أبو محمد العريني
05/02/2016 في 10:48 م[3] رابط التعليق
مقالة مبارك يا د.نايف ومسدّدة، ولدي إضافة وهي:
قال الله (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)
فقد ذكر الله -جلَّ وعزّ- الأمر بأخذ الزينة عند المسجد وهي من “الطاعة” ثم نهى عن الإسراف فيها، فكيف بمن يسرف في مباح إن لم يكن في محرّم، وهي ظاهرة مدمّرة تقضي على الجميع.
(0)
(0)