وكأن قريتنا الحزينة بوادي طريب الشهير على موعدكل عيد مع رحيل أحد رموزها الكبار من الحياة، في حين اننا لم نتمكن حتى من معايدتهم ورؤيتهم للمرة الأخيرة. تحولت هذه القرية من رمز للحياة بشتى صنوفها الى اطلال موحشة، ولم يتبقى في معظمها غير بيوت خَربة تسكن بداخلها الاشباح حتى انه لايمكنك تصديق أن احد سكن بها أو مر من حولها، وحتى قاع القرية الذي كان خصباً زراعياً اصبح لا يصلح لأي شيء حتى لسكنى النمل!.
اليوم يغادرنا العم الكبير سويلم بن قرنان رحمه الله أحد اباءنا الذين تولوا تربيتنا وتوجيهنا، والعم سويلم هو أهم الذين منحونا ابوتهم وعطفهم، وكم اعطانا العم الكريم الراحل من وقته المليء بالمشاغل مما اسعدنا وافرحنا واعطانا الأمل في لحظات اليأس. ارتبطنا بالعم سويلم منذ الفطام وعشنا في كنف انسان مختلف بطبعه وكلامه واسلوبه وقوة شكيمته وعناده وتحديه لمصاعب وظروف الحياة.
كان رحمه الله يحمل افكار ومعارف تاريخية وبطريقته الخاصة يعطيها لأهله بالقرية، فلا يمكنك ذكر اي اسم او مكان إلا وتعليق العم سويلم جاهزاً بإسلوبه الخاص الشيق، يفهم في انساب الأسر وفي التواريخ والاحداث، يهتم بربط الناس باقاربهم وارحامهم، يحفظ القصائد الشعبية ويحدد المواقع التاريخية واحداثها.
برحيل هذا الرجل الكريم تصبح القرية اشد حزناً وكآبه، وحتى الصخور التي حطمها العم سويلم في عمق الآبار او بأعلى هضاب القرية لم يعد لها اي معنى، ولا ارغب رؤيتها ولا المرور من حولها، ولا اريد تذكر تلك الأماكن التي كان العم سويلم ورفاقه يجلسون عليها للتشاور بشأن قنوات السيول وحماية المزرع من إبل البادية، ولن أزور مرة اخرى مكان توزيع شراكة لحوم الجزور على سطح ذلك الصفا القريب من الحجيرات القديمة التي سكنها العم سويلم.
عجيب هذا الراحل كم عانى وقاسى في حياته، فلم ارى أحد بطريب بقوته البدنيه، كان يطلب ان نضع سواعدنا بين اصابع قدميه ثم يطلب تخليصها فلا نستطيع ونحن فوق العاشرة. خرج ليلاً وهو يهرول سريعاً بأعلى القرية لإمر ما وكان حافياً وفي الصباح وجدوا قدمه الضخمة قد قطعت ثعباناً كبيرا الى قسمين دون ان يعلم ساعتها.
التحق بالجندية الشَرطية وهو في سن متقدمة! سألوه عن سبب التحاقه فقال مازحاً بروح الحكيم هذا أفضل لي من الفزعات يومياً للعمل في اباركم ومزارعكم.
يحب الاطفال بشكل فريد ويمازحهم ويلاطفهم ويجرهم بشماغه الحمراء، ولن ننسى له تلك الروح الانسانية الودودة، ولم نجد منه يوماً كلمة جارحة او نظرة غير ايجابية حين كنا اطفال مع ان الكثير يقسو بلا سبب.
لماذا ترحلون ايها الحكماء ونحن في حاجتكم وفي شوق لأحاديثكم وتوجيهاتكم وطيبتكم، لماذا تحسنون الينا طوال حياتكم ثم فجأة تتركوننا لنموت نحن مرتين من بعدكم. الحمدلله على نعمة الموت فلولاه لما احببنا الحياة برجاء رحمته تعالى قبل وبعد النهاية.
قريتنا فقدت كل شيء حتى اسمها ضاع واندثر وهذا جيد فلا حسرة عليها ولا على اسمها ولا على آثارها، فقد غابوا بالموت اصحابها الحقيقين وبُنَاتَها المخلصين اهل الوفاء والشهامة فتهدمت منازلهم من بعدهم وجفت ابارهم وتنكر لهم ولمساكنهم اغلب ابناء ذلك الجيل الراحل والذي لا يزال يرحل، فلماذا اعود اليها وهي قرية اشباح ومأوىً للبوم والزواحف ومكاناً للمخلفات!.
قريتنا حزينة برحيل العم سويلم ولن تبتسم لنا ابداً نحن الذين عرفناها من خلال أولئك الطيبين الأوفياء وآخرهم هذا الرجل الطيب العم سويلم بن قرنان رحمه الله. قريتنا موحشة باكية طوال العام وتموت كمداً على اصحابها.
رحم الله العم سويلم وجميع موتانا ورحمنا جميعاً برحمته
التعليقات 10
10 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
حسين بن حسن بن كدم
30/08/2018 في 2:32 م[3] رابط التعليق
الله يغفر له ويرحمه ويسگنه الفردوس الأعلى من الجنة وجميع موتى المسلمين ..
(0)
(0)
سعد بن كدم
30/08/2018 في 2:57 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خير يابو منصور
ورحم الله الفقيد واسكنه هو وجيرانه الذي سبقوه جنات عدن
وهذه حكمة الله في خلقه بعد اخذهم بير معطله وقطر مشيد عبره السابقون للاحقون كانت تلك القريه لاتعج بالحياه فحسب بل بطعم الحياه
اشكرك واجزل
(0)
(0)
مقبل أبوظهير
30/08/2018 في 3:18 م[3] رابط التعليق
نرفع تعازينا لآل كدم خاصه ولأولادنا سويلم ونمرأبناء رجا ابوظهير ووالدتهم بنت الفقيد ولنا ولعموم ال قريش ولعبيده ولقحطان عامه في وفاة هذا الفقيد الغالي على الجميع
ولكن لااعتراض على حكم الله
الفقيد جلل والحمد لله
فقدنا شيخ من أركان عبيده
فقدنا تاريخ بأكمله
ولكن عزانا في الله ثم في أبناءه الشوامخ الذين يرفعون الرأس وبإذن الله هم عوضنا في الفقيد ومن خلف مامات
فرحم الله الشيخ سويلم أبن قرنان
(0)
(0)
محمد بن عبدالله العابسي
30/08/2018 في 3:24 م[3] رابط التعليق
رحم الله العم سويلم في هذا اليوم واسكنه فسيح جناته .. ونعم والف نعم فيه الله يغفر له ويوسع عليه قبره.. احسن الله عزائنا وعزاء اسرته فيه ..
(0)
(0)
عبد الهادي بن محمد ال غبار
30/08/2018 في 9:17 م[3] رابط التعليق
انالله وانا اليه من الرجعون الله يرحمه ولا يفتنا بعده ونسال الله ان يتجاوز عنه ويغفرله ونسال الله ان يجعل قبره روضه من رياض الجنه احسن الله عزائنا وعزاكم ياجماعه واحسن الله عزاكم يال قرنان
(0)
(0)
ناصر آل جمان
31/08/2018 في 1:14 م[3] رابط التعليق
مرحوم يالشيّخ بن قرنان ياسويلم
يالله عسى جنة الفردوس منزاله
بالمجد له عيلم وبالطيب له عيلم
مجد ن يرفرف على الطالات بأفعاله
ناصر بن حسين آل جمان
(0)
(0)
أيوسعود
31/08/2018 في 1:18 م[3] رابط التعليق
غفر الله ووسع قبره والعزاء لذويه ولال قريش وجزيت أخينا الكاتب خيرا فقد وضحت لنا ما كان خافيا عنا عن ابن قرنان وليتك تكتب عمن هم أحياء لنقدرهم ونجلهم ونحتفي بهم بدلا من الرثاء عليهم فلا ينفع الصوت بعد فوت الفوت ودفنهم تحت اللحود واجسادهم مرتعا للدود .
(0)
(0)
علي ابن غانم ال عرفان
31/08/2018 في 5:25 م[3] رابط التعليق
اسأل الله جل وتعالى ان يجعل الفقيد من ضيوف رحمته وان يغفر له ويرحمه وان يحسن عزاء ذويه وابناءه وان يجمع شملهم ولا يفتنهم بعده
والعبيدي رحمه الله كان من الرجال الذين يحرصون على مصالح الديره واهلها رحمه الله واسكنه فسيح جناته
وشكرا ابا منصور على المقال الرائع الذي يحمل اسماء ايات الوفاء وانت اهل له
(0)
(0)
عائض فهد آل كدم
01/09/2018 في 9:47 م[3] رابط التعليق
شكراً لكاتبنا العزيز على ماقدمه من مشاعر صادقة إتجاه العم سويلم -رحمه الله-
نعم ترجل الفارس الشهم عن صهوة جواده ( الحياة الدنيا) بعد عراك طويل معها دام اكثر من ٩٠ عام .
نعم وارى الثرى وسجياه الحميده لن تنسى مع الصغير والكبير .
كان رحمه الله إذا رغب أن ينصح أحد لايصرح له بالنصيحة ظن منه انها قد تزعجه فيلمح له تلميح ببيت شعر أو حكمة أو قصة مما يجعل هذا الشخص المنصوح يردد ما قال العم سويلم مرات ومرات ..
لم نرى ولم نسمع رغم كل معاناته ان شكى يوما ما عن شيء به أو أي شيئا كان يكدر خاطره ، وعندما تقول عسى صحتك طيبة يابوسعيد ؟ يبادرك بنعائم الله .
كان رحمه الله إذا نادى أي شخص كان يناديه بأحب أسمائه وألقابه ويتودد له بأحب اسمائه
نحسبه والله حسيبه انه لايحمل الحقد لأحد .
كان لايجادل ولا يحب الجدال في موضوع حتى و أن كان محق رحمه الله
كان صبور على صعوبات الحياة وعلى المرض غفر الله له ولجميع المسلمين
(0)
(0)
عائض فهد آل كدم
03/09/2018 في 7:09 م[3] رابط التعليق
شكراً كاتبنا العزيز على ماقدمة من مشاعر صادقة اتجاه العم سويلم رحمه الله وليس بغريب عليك الوفاء لاهل طريب
نعم ترجل الفارس الشهم عن صهوة جواده ( الحياة الدنيا) بعد عراك طويل معها دام اكثر من ٩٠ عام .
نعم وارى الثرى وسجياه الحميده لن تنسى مع الصغير والكبير .
كان رحمه الله إذا رغب أن ينصح أحد لايصرح له بالنصيحة ظن منه انها قد تزعجه فيلمح له تلميح ببيت شعر أو حكمة أو قصة مما يجعل هذا الشخص المنصوح يردد ما قال العم سويلم مرات ومرات ..
لم نرى ولم نسمع رغم كل معاناته ان شكى يوما ما عن شيء به أو أي شيئا كان يكدر خاطره ، وعندما تقول عسى صحتك طيبة يابوسعيد ؟ يبادرك بنعائم الله .
كان رحمه الله اذا نادى أي شخص كان يناديه بأحب أسمائه وألقابه ويتودد له بأحب اسمائه
نحسبه والله حسيبه انه لايحمل الحقد لأحد .
كان لايجادل ولا يحب الجدال في موضوع حتى وان كان محق رحمه الله
كان صبور على صعوبات الحياة وعلى المرض غفر الله له ولجميع المسلمين
(0)
(0)