تسلل.. مفردة ارتبطت بالعديد من الأحداث، فنجدها إما في جرائم القتل أو السطو، وكذلك في ثقافة الرياضيين، وأيضا نلحظها في السجلات الأمنية للدول للحد من التسلل اللانظامي داخل أراضيها..
وهناك تسلل من نوع آخر تود لو قمت به أنت كأن تقوم بالتسلل إلى أعماق أحدهم دون أن يدرك ما تقوم به !إذ ْحين تجلس معه يبادلك الحديث المقتضب، ثم يغوص في صمته الرهيب ! تحاول أن تستدرجه فيستوعب خطتك ويحاول أن ( يتفضل ) عليك بوقت مستقطع فينظر إليك مليّا في إشارة منه إليك أن ( لا شأن لك فيضطرك إلى وقف المحاولة ! يشعرك أنه معك وهو في عالم آخر يرد عليك بلا مبالاة كما يقول العامة ( يسلك لك ) ليعود مجددا لما كان عليه، أحادي التفكير والقرار أيضا فلا يسمح لأحد أن يشاركه في تحليل المواقف او حتى اتخاذ القرار غير مؤمن بأهمية الاستشارة والشورى ثم أنه يضمك به مجلس واحد فلا ينبس ببنت شفة ثقب اسود يبتلع كل ما يرده دون تعليق أو خلافه
هؤلاء ابتلينا بهم في مجالسنا شخصيات غريبة ! لا تتفاعل بما يكفي، ترا أن الحياة مسافة قصيرة بينها وبين جهازها الذكي والذي يحتوي آلامها وطموحاتها وأحلامها..! بينما يفصلها عنك وعن واقعها سنوات ضوئية ..
أحيانا تراودك فكرة التسلل إلى داخل أحد هؤلاء تفتش في عقولهم وقلوبهم ! أي خلايا عصبية لديهم يمكنها أن تتجاوب مع أفكارهم؟ لماذا يغرقون في الصمت؟
ألا نستحق منهم بعضا من الوقت أم أن حياتهم أصبحت تافهة وخاوية من القيم الإنسانية؟ أم أن واقعنا لا يعجبهم ؟!!
هل أصبح الجهاز أقرب من الإنسان للإنسان؟ متى يستطيعون أن يتحدثون بأريحية وشفافية مطلقة يُسمعون ويستمعون ويتفاعلون ؟!!
نظراتهم تفتقد العمق إلا في حالة التركيز فيما بين أصابعهم، حديثهم كلمات متقطعة ومتقاطعة، حين نراهم نظن أن الألوان في حياتهم باهتة، تمضي بهم الأيام رتيبة بلا تجديد، فلا رائحة عطر تثير أحاسيس الفرح لديهم لنركض ونشاركهم إياها..! ولا جمال زهر يلفتهم فنسرع و نقدمه لهم مع ابتسامة مشرقة تتألق فيها الشفاه !
لكنهم في داخل أنفسهم عكس ذلك، فعالمهم مع أجهزتهم سرّ عميق .. يبتسمون، وأحيانا يقهقهون، وتارة تلمح في سحناتهم ألم أو حيرة أو تعجب، فكل طقوس الحالات النفسية للبشر ترتسم على محياهم ..!
عجبا لأمرهم ضحايا يحتضنون لصوصهم ! سرق منهم الوقت، والحب الفطري، والصحة، وحتى الحركة وأخشى أن يتسلل هذا اللص لينهب ما تبقى لهم من إحساس بالآخر..! فلا تفاعل إنساني يشعرك بآدميتهم، ولا شعور بمسؤولية يمكنه أن ينهض بهم..
والعجيب حين تقابل أحد هؤلاء الغارقين في داخلهم وبلا أجهزة تشغلهم لا يتفاعل معك حتى وإن قدمت لهم فروض المحبة والنصح، بل قد يراك شخصا متطفلا !
هنا تراودك فكرة اقتحام غموضه، والتسلل لداخله للوقوف على طريقة تفكيره، لا سيما حين يكون أمر هذا الشخص يهمك وتتمنى لو منحته جناحين يطير بهما في سماوات السعادة .
تسلل
(0)(2)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6552512.htm