الحياة فترة مؤقتة لكل حي، لكن فقد الحكماء والمؤثرين والمشائخ بشكل مفاجىء يصيب النفس بالحزن والصدمة، هكذا فعل بنا الشيخ الجليل علي بن مريع أبو دبيل "رحمه الله". لمرتين حاولت الكتابة عنه، الأولى خلال حياته والثانية في الساعات الأولى لرحيله، وعجزت في الحالتين. ومن الصعب الحديث عنه بتفاصيل دقيقة خاصةً لمن يعرفه عن قرب ويعلم شيء من مواقفه وشيء من تاريخه وجزء من حياته العائلية وعن تلك الصفات الإنسانية العظيمة الكامنة في أعماقه التي قلَّ من يفهمها حتى من محيطه القريب، أبو دبيل شخصية قيادية مؤثرة وليست بعادية أو هامشية طوال حياته التي أمتدت لما فوق التسعين عامًا، ولم يتوقف عن دوره ونشاطه حتى آخر لحظة قبل رحيله.
بطبعه "رحمه الله" لا يتحدث بكل شيء ولا يخوض في أي مجال يدور بمجتمعه، حكيم منذ نشأته، يدرك وزن كلامه وتأثير ما سيقوله أو ينسب إليه، نظراته تقول أشياء مختلفة لمن يفهمها لكن تعابير وجهه في المواقف المهمة لا تعطيك دائمًا حقيقة ما يريده ولا ما يشعر به، فهو صبور بلا حدود، بعيد النظر لكل الأمور، يتحمل مالا يطيقه الكثير، أما صمته فهو السَّر الكبير، والحكمة والوقار، إنه صمت الكبار الأبلغ مما يقوله الخطباء والمتحدثين.
وحين يتعرض الشيخ للإستفزازات وما أكثرها في مناسبات عامة أو في مجالس الإصلاح التي يقودها بنفسه في مناطق المملكة منذو عقود من الزمن حول قضايا وحوادث قبلية وعائلية معقدة، يحلها وديًا بحكمته إسنادًا واستنادًا لأنظمة الدولة أعزها الله واحترامًا للموروث وتهدئة لنفوس المتشاحنين، فأنت هنا أمام مدرسة عريقة وفريدة من النضوج والحكمة والثقة وقوة المنطق والتغافل بأدب وشجاعة، إنها مدرسة الشيخ النبيل علي أبو دبيل.
في قريتنا العتيقة التي هي اليوم حزينة أكثر من غيرها لفراق حكيمها، نشأنا صغارًا ثم كبارًا بالقرب من العم علي "رحمه الله"، ذو الشخصية القيادية المهابة في المجتمع الكبير وليس القرية أو طريب، ومع أبناءه وإخوانه تعلمنا منه الكثير واستفدنا من توجيهاته وأساليب معالجته لمصاعب الحياة، والبر بالوالدين ونظافة البيئة وإتقان العمل، تقاسمنا مع أبناءه المحترمين كل شيء من لقمة العيش إلى ملابس المدرسة الإبتدائية، لم يتضايق حينها يومًا لوجودنا المتكرر في منزله الذي نجد فيه كل التقدير، مع أنه مكانًا يعج بغيرنا من الناس من كل مكان، والحقيقة أن قصور الشيخ أبو دبيل ومنازله في كل مكان مُشرّعة الأبواب في الحضر والمدر، ولا تخلو من الضيوف والزائرين والمتخاصمين والمحتاجين والأقارب ولم تكن يومًا مغلقة سواء حضر أو غاب.
ياله من حكيم متواضع إفتقدناه، شبَّ أبو دبيل غنياً، وأصبح رجل أعمال ناجحًا ونظيف، حَذِر جداً بل وشديد الإبتعاد عن أي تجارة تجلب له المداخيل المشبوهة، يوصي أبناءه بالكسب الحلال والبعد عن الحرام، مخلصًا لبلاده وقيادتها، وجهنا كثيرًا كأبناء له بالإنتماء للوطن وقيادته والحفاظ على الدين والعقيدة السليمة، مهتم بالمسجد وقدسيته ورسالته، لأزمنة طويلة تقدم الناس بطريب إمامًا للمسجد وخطيبًا للجمعة وصلاة العيدين. قبل عام مررت مصادفة مع غروب الشمس بالمسجد الذي يشرف بنفسه على صيانته ويتعهده دومًا بقريته القديمة فوجدته يشتغل بيديه مع العمال في المحراب وقال، لم يفهموا ماذا أريد منهم فوجدت الحل أن أشتغل معهم ليعرفوا المطلوب.
قلت آنفًا أن البعض ربما لا يعلمون الكثير عن إنسانيته رحمه الله. يقرأ كثيرًا ويتابع كل الأحداث والمتغيرات ويحترم العلم والمعرفة والثقافة ويؤمن بالتطور والتحديث، وهو أول من أشعل المولدات الكهربائية وجهاز التلفزيزن بطريب، يوجه أبناءه دائمًا بالصدق والجد في الحياة والبعد عن المزالق، ويوصيهم بالكسب الحلال ومحبة كل الناس واحترامهم، فكانوا مطيعين له وفقهم الله وسيبقون عند وصيته، العزاء الخاص لأخينا طيب القلب كريم الأخلاق إبنه الأكبر سعيد بن علي هذا الإنسان اللطيف، القريب من كل من عرفه أو قابله، والعزاء لإخوانه وأبناءه وكل الناس الذين أفتقدوه.
هذا الراحل العم علي، مع أنه كثير الترحال والتنقلات والسفر في مراحل عمره لكنه أحب الإقامة في مسقط راسه وممارسة أعماله من هناك، فكانت النهاية من حيث البداية فقد تمت موارته الثرى بجانب والده الشيخ العلم مريع بن حمد أبو دبيل وإخوانه سعيد وحمد وإبنته نوره، وبعض جيرانه وأقاربه، رحمهم الله جميعًا، ومع أنه انتقل منها لكنه لا يزال يحب قريتنا حتى بعد وفاته حيث عاد ليستقر بها، ونحن أيضًا نحبه كغيرنا وسنقف كلما مررنا لإلقاء التحية عليه والإحترام والدعاء وعلى أحبابنا بجواره، يا لهذه الدنيا كم تبكينا وتلهينا وتخدعنا حتى نصل لنفس المكان. حتى بوفاته جمعنا حول قبره وفي منزله، الآلاف جاءت للتعزية ولتقول وداعًا لحكيم طالما كان رمزًا مقنعًا ومرجعًا لكل خير وفضيلة وإصلاح.
المملكة أعزها الله، قبائلها عرفت الشيخ الحكيم علي أبو دبيل وأتت إليه لمعرفة نواميس الأجداد وعوائدهم الحميدة المتوافقة مع العرف والدين والموروث وهو لذي كان يوظَّفها رحمه الله، للتسامح ولكل ماهو جميل وحميد يقرب الناس لبعضها ولا يفرقهم.
طريب فخور برجال أنجبهم كهذا العلم "علي بن مريع أبو دبيل" الذي تعرفه المنطقة وقبائل المملكة. في الساعة الأولى بعد دفنه جاء سعادة محافظ طريب إلى قصره حاملًا كتاب التعزية الملكية لعائلته ولينسق إتصال سمو أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز حفظه الله بالشيخ مسفر بن مريع أبو دبيل وإخوانه وإبناء الفقيد. اللهم أسكن الفقيد الجنة وألهمنا الدعاء والعمل الصالح.
التعليقات 5
5 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
فيصل بن عبدالله بن جارالله
03/03/2022 في 4:36 م[3] رابط التعليق
اللهم اغفر لخالي علي ابو دبيل شيخ العلم والحنكة والمعرفة والسلوم واسكنه الفردوس الاعلى من الجنة .. علم من اعلام فحطان ،، رحل رحمه الله وبقي علمه وافعاله الطيبة مع الناس يتوارثها ويتناقلها الناس جيلا بعد جيل .. جبر الله قلوبنا وقلوب اولاده واقاربه وجماعته وقبائل قحطان كافة على فقد هذا القامة الشامخة وشكرا للاستاذ عبدالله بن غانم كاتب المقال على هذا الجمال والابداع فيما سطره وهذا غيض من فيض في فقيد الوطن والقبيله رحمه الله رحمة الابرار الشيخ علي بن مريع ابو دبيل
(1)
(0)
عبيد محمد ال كدم
03/03/2022 في 7:41 م[3] رابط التعليق
ان رحيل الشيخ علي بن مريع ابودبيل رحمه الله رحمة الابرار احدث فجوه اجتماعيه كبير يصعب على مجتمعه على مستوى المنطقه الجنوبيه عامه وعلى مجتمع محافظة طريب خاص ان احد يسد هذه الفجوه لكونه يتحلى بالحكمه والحنكه والمعرفه وسداد الرأي المنقطع النظير فنسال الله ان يجعل ماقدمه من هذه الصفات لمجتمعه اضعاف مضاعفه في ميزان حسناته كما نسال الله ان يرفع بها درجاته وان يثقل بها ميزان حسناته وان واجعلها مزحزحةً له عن النار يوم يلقى ربه وان يبارك فيماً خلف اللهم آمين
(0)
(1)
عبد الله ال قطب
04/03/2022 في 4:20 م[3] رابط التعليق
( انا لله وانا اليه راجون) غفر الله له واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وجعل ما قدمه من اصلاح بين الناس في موازينه فالناس شهود الله في ارضه والشيخ علي ابو دبيل عرف عنه كل الصفات الحميدة وجمع الفضائل من الخصال الحميدة رحمه الله وغفر ذنبه .
(0)
(0)
ابراهيم علي ابودبيل
10/03/2022 في 9:57 م[3] رابط التعليق
رحم الله الوالد فقيدنا جميعا الشيخ علي مريع ابودبيل واشكرك يابو منصور على كلامك ومقالك الطيب واطراك وانت من هل الطيب والعلم الغانم وماهو مستغرب منك كل ماكتبته بجميع تفاصيل شي من حياته احسن الله عزانا جميعا واشهد الله انك علم من اعلام قحطان عامه وطيب خاصه كتب الله اجرك ولك مني جزيل الشكر والعرفان
(0)
(0)
مذكر سعيد الحرقي القحطاني أبو أحمد
30/09/2022 في 1:52 م[3] رابط التعليق
عزيزي الغالي سعادة اللواء الطيار عبدالله غانم العابسي أبو منصور لله درك وصح لسانك ولا فض فوك ورحم الله أمك وأبوك وأسعدك الله في الدارين كتبت فأصبت وجمعت وأبلغت وأخترت وأجزلت وقُلت الحقيقه بالكمال والتمام في قامه جمعت بين مكارم الأخلاق ودماثتها وصفاء النفس وعزتها وصدق اللسان وحكمت البيان والثقه بالنفس والتواضع في جميع شؤونه وعذب الكلام بعيداً عن اللغو والرفث والفسوق والجدال والكبر ومحارباً لها
فالحديث عن الشيخ / علي بن مريع أبو دبيل شيخ آل جلده وشيخ عرف ووجه وجاه ومقطع حق قبائل عبيده وقحطان والجنوب ورمز من رموزها ورحل أعمال سخر المال لراحة نفسه وخدمتها وأعمال الخير ورجاء ماعند الله والدار الآخره بصدق قول وعمل ،،، لقد مات بروحه وجسده وبقي أثره وماقدم تشهد له على مر العصور ويتدارسونها الأجيال وفخر وعز للمنطقه وللقبيله ولقحطان ولمن عرفه والحمد لله من قبل ومن بعد هذه سُنة الحياه والعُمر قضت ساعاته وأجل مُسمى والفراق صعب ويهونه السيرة العطره والسُمعة الحسنه والأعمال والأقوال والأفعال الطيبه والحزله فشهود الله خلقه فوق أرضه والكُل يشهد له بالحُسنى والخير ووجبت له شهادة خير وصلاح وتُقى وبر وصدق وأمانه من العامه فطوبى له ونغبطه خيراً ،، والله يجمعنا به في دار كرامته بالفردوس الأعلى من الجنه على سُرر ٍ مُتقابلين والله يغفر له ويرحمه ويعفو عنه ويسامحه ويبيح منه آمين آمين آمين
وعــوضـنـا فيه خير من بعده بأذن الله عـيــالـه القرانيس والصقور الهداد والفهود والشغاميم القروم وإخــوانـه الكرام الاوفياء النُبلاء والدهاه وعقداء القوم ومقابيس الظفر والنجوم المطله وعز وفخر القبيله والمنطقه والدين والله يبارك فيهم ويديم وجودهم ويعزهم ولا يذلهم ويزيدهم ولا ينقصهم ويألف ذات بينهم ويجمع كلمتهم على الخير والصلاح والفلاح ووحدة الكلمه والصف ولا يفرق بينهم عدو ولا حاسد ويشد بأيدهم على الوحده والتكاتف والموده والمحبه والخير والصلاح والعز ويحفظهم من كل سوء ومكروه اللهم آمين آمين ،،،، شُكراً شُكراً بحجم السماء وبوزن الجبال يا أبو منصور على جميل كلامك كجمال قلبك وصفاء صدرك وبياض وجهك فلله درك وطبيت وطابة حياتك وسلمت أناملك وعشت يا عزيزي الغالي ودمتم بود
وفي خير وأنتم في أتم صحه وعافيه وأحسن حال
(0)
(0)