[JUSTIFY]من يستذكر دروس تاريخ الدول الإسلامية، يجد أن هنالك علامات استدلالية موحَّدة، كانت تحدث متزامنة مع قربِ تفتت كل دولة منها، ففي نهاية دولة الخلافة الراشدة، كما في الأموية، والعباسية خُلطت السياسة بالدين، وشاعت الفتن العقائدية، وكثرت المنازعات العرقية، والفئوية، والفكرية، وثارت الشعوب، وهيمن المُتسلقون، وأُقصي المُخلصون.
وفي نهاية دولة الأندلس تكرَّرت نفس الصور، بشكل أليم. وفي نهاية الدولة العثمانية، تمزقت أطراف الإمبراطورية بالعنصريات، والمنازعات، والأيدلوجيات، والثورات، حتى تشرنقت عظمتها في هضبة الأناضول.
ويمر عيدنا هذا العام بتكرار الدروس جلية المعاني، مهما تعامينا عنها، وبأحداث لا إنسانية تزعزع وتفتك بكيانات دولنا داخلياً وخارجياً.
الدرس انتهى، والأذكياء لم يدركوا بعد مدى الخطورة، فالشعوب الإسلامية تنسى مبادئ الإسلام السمح، وتبدع في امتطاء صهوات ضيق الأفق السياسي، والمذهبي، والطائفي، والعرقي، وتبخس قيمة الإنسان، وتتبنى الإرهاب، وتؤيد التحزب مع الشياطين.
في جوف كل دولة لوثة فكرية يقودها طلاب الجاه والسلطة، متصارعين بأيدلوجياتهم، وكل يصر واهماً على أنه الأفضل، والأقوم، والأكثر هداية، والأحق بالصوت، والمكان والزمان والسطوة. وليت أن الأمر يقف عند ذلك، ولكن كل جماعة تسعى لمسح حقوق الفئات الأخرى، وإخراجها من المنظومة، وطمس موروثها، وهدم مقدساتها، وكتم أنفاسها، والافتراء عليها بما لم يصح عنها.
وتجنح الأقليات المطحونة، مضطرة لتقتطع لها أرضاً وسماء تنفصل فيها عن الكيانات الرئيسة، فكأن الجميع متفق على استحالة التعايش والمواطنة، في دولةٍ موحدة تحتضن جميع مواطنيها، وتحرص على متانة صفها ونقاء كيانها، وتحلم أن تكون موازية للدول المتقدمة بالعدالةٍ والحرية والسلام للجميع، وبصرف النظر عن اختلافِ المعطيات والمعتقدات.
الوضع مُربك للأعصابِ، ومخل بقدرات العقول، والأمر ليس دينياً فقط، ولكنه عرقي فئوي فكري ينبذ المعارف، والفنون، والعمل، ويؤصل تبعية الموروث، بأصوات نشاز تهيمن، وقطعان تسير بدولها حثيثاً للتبعية والتقسيم والأفول.
والأنظمة والأحزاب تتصارع وتصب الزيت على النار، عراقنا واقعياً أربعة، وسوداننا اثنان، والثالث في الطريق. وسوريا في سبيلها لأن تكون خمسة وربما ستة، ومصرنا مهددة بالانقسام الثلاثي. ولبنان الأكثر جاهزية للتفتت إلى دويلات، وشمال إفريقيا مرجل حمم متطايرة، واليمن، يصعب أن نحصي إمارات شتاته، وخليجنا رغم صغر إماراته، إلا أنه مهدد هو الآخر بالتقلص، والتفتت. وحدِّث ولا حرج عن إيران وأفغانستان، والصومال، وباكستان وغيرها.
عيد الإسلام حل هذه المرة بلون الفرقة، والدم، وعجاج الدمار، وضجيج الشعارات، وحبائل التخوين، وغوغاء المسيرات، والاعتصامات، والتفجيرات، والتمزق، وكلها تصب في بوتقة الشتات.
فبالله عليكم كيف سنربي أبناء الغد، وسط غسيل الأدمغة المسيطر، الذي تزاوله كل مجموعة على أفرادها، وتفرضه شرعاً إلهياً على الفئات الأخرى، بأغراض سلطوية سياسية شيطانية؟.
كيف بالله سنستقبل أعيادنا القادمة، ونحن أعداء متناحرون متشرذمون مكفرون مُقْصُونَ للآخر؟، وكيف سنحمي بلداننا من التقسيم، والدروس تتوالى، ولا يظهر أننا نستوعبها؟.
[/JUSTIFY]