[JUSTIFY] لكم يُبهرنا هذا الإنسان السودانيٌّ المبتسم على الرغم ممَّا يحمله من همومٍ، فقد ظل صامداً شامخاً هناك على أرضه، بجوار نيله، وبين غاباته، يرعى ماشيته، في حضارات تعاقبت منذ العصر الحجري «ثمانية آلاف عام» وحتى يومنا هذا، فهو شعب يمتلك الأصالة، والمقدرة، والموارد، والعقول المبدعة، التي أنتجت للبشرية كثيراً ممن عمروا هذه الأرض وأثروها، وعبروا الحجب ليبقوا على صفحات التاريخ، وإن ضَعْضَعَهم بين الحين والآخر حنين «مواسم الهجرة إلى الشمال».
هذا الإنسان الأصيل لا يستحق أن يكون بمثل تلك الحالة المزرية من العوز والمرض والجهل والقهر، وهو يسكن على أرض نماء وخير، لا تستحق هي الأخرى ما يحدث فوقها من مَغَبَّات خلطت العلم بالوهم، والدين بالسياسة، والسلطة بالظلم، ولو هيأ الله لها حكاماً بهم بعض صفات الإخلاص والتفاني من أجل الإنسان والوطن، ولو رزقت بشيوخ دين أقل هوساً وتطرفاً، وأكثر بعداً عن السلطة، والعدسات، والرغبة في الظهور ولو بمنطق التناقض والشذوذ، لكانت هي جنة الله الخضراء الوارفة الظلال، ولكانت سلة غذاء إِفريقيَّة، ومَخْزَن خيرات عربي، بما تنتجه من ثمار وثروات برية بحرية، وسائمة ودواجن، وبترول ومعادن، وصناعات بأيدٍ تعشق العمل وتتقنه.
مع الأسف فإنها لم توفَّق بعد صراعها المرير الطويل مع الاستعمار بقادة يجعلها أولى أولوياتِه، فكانت سياساتهم العوجاء تجسيداً لشتى أنواع الأنانية والفساد والظلم والتفرقة والقهر والعنصرية الجائرة، والتهميش لجزءٍ عزيز منها، اضطر للانفصال قَسْرًا، عن حضنها ليكون لها عدواً، بكامل أرضه وإنسانه وقدراته وخيراته وبتروله.
والسبب لم يكن إلا غباء السياسة القمعية، وعنصرية المعتقد المُسيطر، وجاهلية المنطق، لمن تعاملوا مع إنسان الجنوب المستضعف، وكأنه لا يستحق الحياة، وإن استحقها، في منظورهم فهي جزء من عبودية متوارثة. فكان أن وقف العالم مع إنسان الجنوب لينال استقلاليته، وسيكون له يوماً مكانة عظيمة، وإنجازات، كانت السّودان الأم أولى بها.
ويخرج اليوم الإنسان السوداني عن صمته صارخاً متوجعاً، في محاولة لتبيين ما تحمله من ظلم عظيم، خصوصاً بعد رفع قيمة أسعار المحروقات والسلع الأساسية عليه، بما لا يتناسب مع دخله الضئيل، الذي ظل يضمحل مع الأيام، ومع التضخم، ومع تفاقم فساد أروقة الدولة الفاضح. ولا عجب، فدخل الإنسان السوداني بالمتوسط لا يزيد على ثلاثة دولارات في اليوم!. وتلك الخدمات الأساسية تشكل جزءاً عظيماً من هذا الدخل!.
نزل الإنسان السوداني إلى الشوارع، بشبابه، وشيوخه، ونسائه، وأطفاله، يهتف بإسقاط الجور، ولكنه يواجه بالتهميش، والقمع، والنار، والظلم، والتعجرف السياسي الغبي، الذي لم يتعلم من درس الجنوب!.
ويصرخ إعلام النظام المستهزئ بالعقول والحقائق: كيف لا يحمل المتظاهرون لافتات وهم يسيرون في الشوارع؟!. وكأنهم في رخاء من العيش يسمح لهم بذلك!. وكيف لا يمر اعتراضهم من خلال منظمات وأحزاب، والأحزاب هنالك عبثية، مسيسة بالأطماع، ملهية بالتناحر والتخوين.
لقد نزلت عليهم الآلة العسكرية، القمعية، المتسترة بالدين، وعاثت بصفوفهم، وسفكت دماءهم، جماعياً، كما كانت تعمل بإنسان الجنوب في السابق.
«حسن الترابي» بحزبه الثعلبي، وضحكته المريبة، يتناسى تاريخه الأسود، ويستغل خلافه مع السلطة، ويحاول لي أعناق الكلمات وإثبات أنه مع عدالة السماء!. والبشير يستنكر خروج الشارع عليه، على الرغم من أنه حِصن الدين حينما يصب في مصلحته، وأنه التدليس عندما يعجز عن تركيع المجتمع، وأنه الجبروت والإرهاب عندما يرفع أحدهم رأسه ليتنسم رائحة الحرية. أما الإنسان السوداني فإنه يبحث عما لا يستحقه -في منطق حكومة مختل- نعتتهم بأنهم طفيليات، وعصابات، وحرامية، ومخربين!.
الإعلام المحايد تم تحجيمه، واعتُقل الصحفيون الأحرار، وكُذبت المظاهرات، وطُمر سيل الدم بالتراب، ونُثر التخوين على الأثير، بدعوى أن «من يُحَرشهم» ليس إلا عدواً خارجياً يقصد زعزعة الأمن، والرخاء. فأي رخاء وأي أمن يا أيها البشير؟.
المشكلة أن الحُكام العرب يكذبون الكذبة، ويدعُون تصديقها، ففي «سوريا» كَذَبَ «بشار» على العالم بأن ما يواجهه هو عمل خارجي، اقترفته جهات عميلة كانت تحسد الإنسان السوري المتنعم برخائه وحريته!. وما يحدث الآن في السودان كذبة أعظم سيظل «البشير» يرددها حتى يأتي على البلد والإنسان، في سبيل مضاعفة ملياراته.
وأخشى أن تكون النتيجة واحدة، ففي سوريا لم يستطع أحد أن ينقذ الإنسان السوري مما حاك به من قتل ودمار وامتهان، وصل إلى درجة الإبادة الجماعية بالسلاح الكيماوي، وكل ذلك لأن سوريا ملاصقة «لإسرائيل»، التي لن تجد أفضل من «بشار» لحمايتها.
ويكاد أن يكون لإنسان السودان نفس المصير المهمش عالمياً، لأن السودان الشمالي ببساطة لا يعني للعالم أي شيء مفيد، بل إنه بسياسته الحالية يُعد وكراً للظلام والإرهاب « البشيري- الترابي» مما يهدد أمن واستقرار العالم أجمع. وأظن أن العالم الغربي سيطبق فيه سياسة «اتركوهم يقتتلون فيما بينهم، حتى يُفني بعضهم بعضاً»، والنتيجة لن تكون أسواء من الوضع المُحتمل.
الحكومة السودانية أمام موقف تاريخي جلل، وما زال بإمكانها أن تعالج الأمر بالاستقالة، بدلاً من محاربة سيوف الوهم مع فرسان «دون كيشوت».
ما زال بامكانها أن تُبقي على ما تَبَقَّى من إنسان، وأرض، وإلا فإن الأمر ينذر بشر مُسْتَطِيرٌ، وهجرات ليست فقط للإنسان، وإنما لأجزاء متعددة من الوطن السوداني، والذي ستبتُكَ به أيدي سماسرة جشعين، يحلمُون بخلق صومالٍ جديد، يمد اليمن ومصر والعراق وسوريا بعناصر الإرهاب، ويشحن العالم العربي بالرعبِ، ويعيد الإنسان السوداني مئات الأعوام للخلف.
[/JUSTIFY]
لا يوجد وسوم
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/11602.htm
التعليقات 1
1 pings
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/tareebne/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/tareebne/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/tareebne/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/tareebne/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
16/10/2013 في 10:29 م[3] رابط التعليق
دكتورنا المحترم
ان ما ذكرته بالمقال واقع جلي لما يعيشه اشقاؤنا بالسودان.. وقد ابتليت غالبية الدول العربيه بحكام ظلمه بعظهم متلبس بالاسلام المسيس والبعض الاخر بقوة الحديد والناروعلماء دين لعبوا بالدين على رغباتهم والدين منهم براء.. مع احترامي للداعيه سوار الذهب ممن عرفوا الحكم والدين ولم يسرفوا..ولذلك ان لم يقيض الله لهذا البلد شخصا يشبه المرحوم الرئيس/اسماعيل الازهري رحمه الله والا فالصومله اتيه لامحاله وممولوها جاهزون لكي يفنى السودانيون بعضهم بعضا كما تفضلت ..ان الاسلام يعاني من العابثين باسمه في التسلط على العامه سواء كانوا بالحكم او المعارضه..فلا ترابي ولا بشير يرجى منهمالا نفع ولا خير والله يخارج السودانيين مما هم فيه .؟.
تحياتي واسف للاطاله
(0)
(0)