[JUSTIFY]لم يدهشني أبداً تقرير صحيفة الشرق في العدد (702) بتاريخ (2013-11-5 بشأن حُلول مملكتنا في مرتبة متأخرة على مقياس «منظمة الصحة العالمية»، الخاص بتطبيق الأنظمة المرورية؛ حيث حصلنا على 4.8 درجة من عشر درجات، ما يجعلنا من الدول الأقل تطبيقاً للأنظمة المرورية على مستوى العالم.
وأنا أعتقد أن النسبة قد تكون أقل من ذلك بكثير لو كان المقياس أكثر دقة، ويتكلم عن واقع الحال المعاش في شوارعنا، بدلاً عن الاعتماد على سجلات الحوادث الموثقة!.
فأن تسمع غير أن ترى بأم عينك حقيقة السيرك، الذي نخاطر بالسير فيه على الحبال، مع عدم وجود شبكات تحمينا عند السقوط.
فنحن كشعب نعاني على معظم الأصعدة، ويظهر لي أن الأمر أكبر بكثير من مجرد قوانين مرورية منتهكة:
1. شوارعنا داخل وخارج المدن في أسوأ حالات التردي من جراء الجرح والتعديل، والنقر والبقر، وعدم الاستواء والتحويلات والمطبات الصناعية، مما يجعلنا أكثر الشعوب في سرعة تلف واستهلاك السيارات.
2. شوارعنا الطويلة بين المدن والقرى، مقاصل للبشر، بتردي حالتها الإنشائية، وتأخر أعمال الصيانة فيها، وقلة خدماتها، والبدائل لها عزيزة إن وجدت.
3. أعداد رجال المرور، وأمن الطرق، والدوريات أقل بكثير مما هو مطلوب لحفظ النظام، ولزرع الهيبة في أنفس السائقين المتهاونين، كما أن الكسل هو العلامة الفارقة لغالبيتهم، فكأنهم يذهبون لأعمالهم مغصوبين، وكأنهم يغضون الطرف عما لا يقع تحت أعينهم.
4. لكأن مواطنينا يتلذذون بكسر النظام في العلن، ويتفاخرون بما يفعلون، فالكثير يستكبر من لبس الحزام، والكثير يرفض أن ينتظم بالسير فيخرج عن مساره في المشوار الواحد عشرات المرات، مهما بلغت سرعته، ويضايق السائقين، ولا يترك بينه وبين من أمامه مسافة مأمونة، ويفرط باستخدام الزمامير، والفلاشات، ويستميت للوصول قبل الآخرين، حتى ولو قفز فوق الأرصفة، وكأنه من العار عليه أن لا يكون الأول والمتفرد في كل شيء!.
5. كثير من سياراتنا تلوث البيئة، وتفتقد لأساسيات عوامل السلامة، وكأن الفحص الدوري مجرد روتين لتحصيل الرسوم.
6. كثرة المتهورين والمفحطين بيننا، فيخرج الإنسان منا من بيته وهو يقرأ المعوذات، مغبة أن يقابل أحدهم في طريقه.
7. كثرة السائقين الأجانب ممن يأتون للسعودية للتدرب في خضم شوارعها المهرجانية، بسيارات رثة، وحركات غثة، وكيفما اتفق.
8. كثرة المخالفين لنظام ساهر، بوضع مواد حاجبة على لوحات سياراتهم، وهم يتحركون بها نهاراً جهاراً أمام أعين الجميع، ولا يبدو أن أحداً يستوقفهم.
وانظر ماذا كانت النتائج المريعة، فالإحصائيات تقول:
1. إن «خسائر الناتج الوطني للمملكة من الحوادث تتراوح بين 3.5 و5%، فيما أنها في بقية دول العالم لا تتجاوز 1.5%»!. والله يعلم كم يستطيع هذا الفارق أن يبني ويصنع ويوفر لنا من رخاء.
2. ثبت أن المملكة الأعلى في معدل الوفيات عالمياً بسبب الحوادث بمتوسط بلغ 23 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة. فكأن قيمة الإنسان السعودي متدنية، حينما لا يكون ذلك الموضوع الجلل من أهم أولويات مباحثاتنا الحكومية، وتفاعل وزاراتنا ومجالسنا، وجامعاتنا، وإعلامنا، ومنابرنا، ومشاركة شعبنا، وعلى وجه من السرعة والإصرار.
3. بلغ عدد الحوادث بين عامي 1391 و1432 هجرية 8 ملايين و182 ألف حادث، نتج عنها مليون و14 ألف إصابة، و149 ألفاً و802 حالة وفاة. فيال هول ذلك، وكأنما بلدنا تخوض حرباً شعواء مستمرة لا أحد يتمكن من إطفاء فتيلها؟.
4. 73% من مجمل الوفيات المسجلة دون سن الأربعين. وبالطبع فأغلبيتهم من الذكور، وهذا مؤشر اجتماعي خطير يؤدي لتدني نسبة أعداد الشباب الذكور في البلد، بما لذلك من أضرار في تشكيل التركيبة الاجتماعية، وما يتبعها من عنوسة لشريحة كبيرة من الفتيات.
5. 30% من أسرِّة المستشفيات مشغولة بمصابين جراء حوادث مرورية. وهذا يزيد من تدني القدرة العلاجية للأمراض الأخرى، والتي تعجز المستشفيات الحكومية عن استيعابها، أو تضطر لمعالجة أصحابها من منازلهم!.
6. نسبة المصابين في الحوادث 75%. وكل حالة وفاة في حادث مروري يقابلها 20 حالة إعاقة مؤقتة، وثلاث حالات إعاقة دائمة، وهذا يزيد من أعداد المعاقين، والمرضى المزمنين، زيادة على تصاعد المصروفات المترتبة على معالجتهم، وإعادة تأهيلهم.
7. 37% من المستشفيات لا تملك طاقماً طبياً متخصصاً لمباشرة مصابي الحوادث. وهذا بحد ذاته «بلى أبوك يا عقاب»!.
وحتى لا يقال إني أهول بمقالي هذا، وأضخم المشكلة بدون رصد حلول عملية لها، أقول إن الوضع يحتاج إلى عمل حكومي إنساني شامل متقن سريع تترأسه وزارة الداخلية، ويكون لها مساعدون من كل الوزارات ذات العلاقة، مثل وزارة النقل، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة الاقتصاد والتخطيط، وجميع الجهات، التي من حقها نبش الشوارع وردمها، ولا مانع من جلب الخبراء من دول متقدمة سبقتنا في تيسير المرور، ليكون العمل متقناً، ومبنياً على تجارب موثقة.
والعمل سيكون منصباً على كيفية تحسين:
1. الشوارع، والأرصفة، وممرات المشاة.
2. جهاز المرور، وأمن الطرق، تشكيلهما، ومهامهما، وصلاحياتهما، وقدراتهما.
3. الإنسان عموماً، بداية من مدرسته، وقبل نزوله للشارع محارب.
كل تلك الجهات مجتمعة، يجب أن تقوم بما هو مطلوب منها، من دراسة وتخطيط وتهيئة وتنفيذ، وبمحبة لهذا الثرى، وحرص على المواطن، الذي من أجله كان ويكون وسيكون الوطن.
[/JUSTIFY]
21/11/2013
مُرُورٌ لا يُمرَّر
لا يوجد وسوم


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/11912.htm