[JUSTIFY]مارِدُ الْفَقْرَ ظهر بمجتمعاتنا، وهو في تعملق مُطَّرِد، والنيات الحسنة كثيرة لمحاربته، ولكن السهام الهشة تنحرف دوماً عن مساراتها، لتصيب بقدرةِ قادرٍ قلب الفَقِير، وتتحاشى الفَقْر!.
الفَقِير، ذلك الإنسان المنكسر المُحبط، الذي تكالبت عليه الظروف، وتعاظمت في مسيرته الرزايا، و لم يعُد يجِدُ من بين المحبين القادرين من يقف معه وقفة جابر العثرات، ولا من يتعامل معه كإنسان له كامل الحق في أن يعيش على أرضه، ويعشقها، بعنق مُشرئِبّ، وأنفاس يملؤها الفخر، بإدراكه أن وطنه يُصلح مساره، ويُعلي فناره.
نعم، الفَقِير هو المحارب بيننا، وليس الفَقْر، فطُرق تعاطينا مع الفَقِير بها كثير من شديد التطرف، فنبحث عن أصغر عملة في جيوبنا، حين نقابله، ونتساءل بشكٍ: هل هو فقير فعلاً، أم إنه أغنى منا؟!.
فلو كان غنياً متحايلاً، فسنزيده تمادياً، ولو كان فقيراً فعلياً، وأحجمنا عن إعطائهِ الْمَاعُون، فنحن بذلك نحارب الفَقِير الحقيقي، في حسنةٍ شرعها الله له، دون منٍ ولا أذى.
فلماذا نشأت هذه الحيرة في مفهوم مجتمعاتنا، ولماذا أصبحنا نحارب الفقراء، بدلاً من محاربة الفَقْرُ؟.
والجواب على ذلك يكمن في:
1. أن«عين النفاق» تضع الفقير في خانة أقل، مهما كانت إمكاناته الشخصية، فلا يتم توظيفه، ولا معاشرته، ولا معاملته كالأغنياء.
2. خلل منهجية عمل إدارة مكافحة التسول، واكتفاؤها بمطاردات «بوليسية» للمتسولين، ومعاقبتهم، دون محاولة دراسة أوضاعهم، وتبني الحلول الناجعة لمساعدتهم.
3. عدم قيام وزارة الشؤون الاجتماعية بواجباتها في رسمِ الخطط على أرض الواقع لحصر الفقراء الحقيقيين، بحسب شريحة الدخل، ووضع الجداول، والخطط الكريمة لمساعدتهم على تعدي صعوبات مسارات حياتهم، بتسكينهم، وإعادة تأهيلهم، وتوظيفهم، وتعليم أبنائهم، وتقديم العلاج الطبي لهم، والوقوف معهم حتى تنتهي أزماتهم.
4. أن ما يصرف للفقراء من ضمان اجتماعي، ومن «صندوق مكافحة الفقر» لا يتناسب مع أدنى متطلبات الحياة الكريمة، وكثير من الفقراء يعولون أسرا وعجزة، مما يجعل جريهم للحصول على الضمان عَنتا، وجري مَتَاعِيس، أكثر منه غنيمة.
5. عدم تَنَاسُب مُدخلات مؤسسة الزكاة والدخل المهولة، قياساً بشحِ ما يتم تقطيره على الفقراء!.
6. فَقَدَ المواطن الثقة بالجمعيات الخيرية، لما يراه فيها من تبذير، وبذخ على مبانيها، ومجالس إدارتها، واحتفالاتها، ودعاياتها، ومخصصات العاملين بها، مما يجعل ما يصل منها للفقراء الحقيقيين شيئاً لا يُذكر.
7. قيام البلديات بمطاردة الفقراء من أصحاب «بسطات البيع»، ومصادرة بضائعهم، وتوقيفهم، وعدم تمكينهم من البدائل.
8. إهدار قيمة الإنسان الفقير باضطراره للدوران على أبواب الأغنياء، طوال العام، بيد ممدودة، وعنق منكسرة، وكرامة مبعثرة.
9. استخدام كبار الأثرياء لما يتم حول قصورهم من تقطير شحيح لبعض الصدقات كدعاية لأشخاصهم، وتجارتهم، وبثمن بخس.
10. لفوضوية المشهد تنشأ عصابات التسول المحترفة، ممن يسيئون لسمعة الفقير العفيف.
11. كثرة الخفاء في عمليات جمع التبرعات، وتوزيعها عند كثير من أئمة المساجد، فلا تكون لها لجان صادقة أمينة من أهل الحي، للتأكد من أن كامل ما يتم جمعه من تبرعات عينية ونقدية ثمينة تصل للمستهدفين من الفقراء، فكثير من هذه التبرعات تتَقَلَّصَ إلى كومة ملابس رثة، وأكياس حبوب، وعجوة!.
[/JUSTIFY]