[JUSTIFY]من منا لم يعرف في طفولته من كان يستلذ بالألم، ويستسهل نزول قطرات الدم من جسدهِ، ويتصبر وهو يكوي ساعده بالجمر عنوة، ويدخل في عراك جسدي بسبب أو من دون سبب؟!
إنهم نوعية من البشر يقل لديهم مستوى الشعور بالألم عن الآخرين، فينبذون التعاطف، ويستهزئون بمن يتوجع، ويحتقرون من تدمع عينه، ويعادون الضعيف، ويستغلونه، ويستهوون تعذيب الطيور والحيوانات.
هؤلاء تقل لديهم المشاعر، ويستخفون بالعواطف الإنسانية، وقد يسخَرون من مرض أو عجز أحد أقاربهم، بل ربما يقفون في مرات عديدة بصلادة، يتبسمون هازئين أمام موت أحد ذويهم، لأنهم ببساطة يمثلون ضحايا الحرمان العاطفي.
إن كنتم عرفتموهم، فدعونا نغوص بعض الشيء في مغبة تنامي عنفهم عندما يصِلون لسنِ المراهقة، وما هو أمَرُّ وأدهى لو وقع أحدهم في شباك مجموعة تنتهج التطرف، فهم أفضل العينات للانخراط في مثل تلك الجماعات، وهم أكثر من يُخلص في التنفيذ، بل إنهم يكونون عادة وبقليل من التشجيع، أول من يرمون بأنفسهم للتهلكة.
هذه النوعية من البشر افتقدوا الحُضن، والرحمة، والثقة، والمشاركة، لذلك فإنهم يسعون لإثبات تميزهم عن الآخرين، وينقمون على المنافس، ويَفْجُرون في خصومتهم، مما يُسهل تحفيزهم، وتأليبهم بكلمات الإطراء، وإظهار الاهتمام. وبعملية غسيل مخ بسيطة يمكن تحريكهم كالآلات للأهداف المنشودة، وهم في غاية النشوة والثبات.
وتصوروا، كيف أن عيون الجماعات الإرهابية تتقصى أحوالهم، وتستدنيهم، وتبدع في استحلاب مشاعرهم، وتقنعهم بأن كل ما في الحياة عبثي عديم الفائدة، وأنهم يعيشون في ظهراني مجتمع فاسد لافظ لهم، ولمزاياهم، ومقدراتهم العقلية، والنفسية، والجسدية. وبالحيلة يمدون بينهم جسوراً من الثقة، والمشاركة، التي لم يتعودوا عليها من أقرب الناس إليهم، باعتبار أن عنفهم كان يشكل عائقاً، يحول دون ذلك.
مثل هؤلاء يسهل على مرشدي الجماعات الإرهابية إقناعهم بعقوق والديهم، وهجر أوطانهم، وفي النهاية إشراكهم في معسكرات شبابية، يتم من خلالها تفريغ شحنات العنف، التي يحملونها في أنفسهم، بالتدريب والتصارع الجسدي العنيف، والشعور بعظمة حمل السلاح، ومبايعة الشريك، ومعاداة المخالف، وتسخيرهم بتولي أصعب المهام، وأخطرها، وأكثرها سرية، ومن ثم يتم بالتدريج تحفيزهم لأداء أدوارهم في تطهير محيطهم من الرجس المزعوم، وإقناعهم بأن الحياة ستار عِهْن زائف يزيحونه، للوصول إلى السعادة الأبدية، التي يجدون فيها جميع ما حرموا منه، فيمتشقون الأحزمة الناسفة طواعية.
كلامي هنا ليس من قبيل المبالغة، ولا هو توصيف لنبذ أهل تلك الصفات.
ولكني أرمي للأعمق، فبمجرد أن تعرف أن ابنك من هذه النوعية المتعالية على الألم، فعليك استبيان مجال القصور بينكما في المشاعر والعلاقات، والعمل على التقاربِ والمشاركة، وحاول امتصاص غضبه، وأشعره بمحبتك، وحضنك، واستدر عاطفته، واحرص عليه من مرافقة من يمكن أن يغسل دماغه الصغير، وحاول أنت وبقية أسرتك عدم إظهار ما تلاحظونه عليه علناً، ويستحسن استشارة أحد المتخصصين بعلم النفس، فلربما يكون الأمر في بدايته قابلاً للتدارك، والتوجيه السليم.
المسؤولية عظيمة وحرجة على الأهل. والإهمال حتى ينحرف المسار كارثة، وتدمير للأسرة، التي ستفقده يوماً، لفشلها في اكتشاف ميوله.
الجماعات المتطرفة تعرف وتميز وتنتقي، وواجبنا نحن أيضاً أن نعرف، وأن نمنع الكوارث قبل وقوعها لفلذات أكبادنا.
[/JUSTIFY]