يتوقف الكثير من المسافرين عند مساجد الطرق لتأدية الصلاة فيها، إلا أن هذه المساجد تحمل الصورة المحزنة من الإهمال، بل وصل الأمر إلى عدم الاهتمام بنظافتها، حتى أصبحت في كثير من الأوقات مرتعاً للأوساخ والغبار. وحمَّل عدد من الأئمة والدعاة والمشايخ وزارة الشؤون الإسلامية المسؤولية كاملة تجاه إهمال هذه المساجد، وطالبوا بأن يكون هناك علاج سريع يكفل الاهتمام بها.
يقول القاضي الشيخ «خالد الداود» إمام وخطيب جامع الأميرة هيا بنت عبد العزيز: لاشك أن المساجد من شعائر الله، وذلك في قوله «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»، ومن هذا المنطلق يجب العناية بمساجد وبيوت الله، فوزارة الشئون الإسلامية والقائمون عليها لهم جهود طيبة فيما يخص المساجد والجوامع، ولكنا نأمل أن يمتد ذلك الاهتمام إلى مساجد الطرق؛ لأنها من الملاحظ مني ومن الحجاج والمسافرين والسواح بأنها مهملة إهمالاً لا يقبله مسلم، مضيفاً أن تلك المساجد يوجد بها السجاد القديم، وتتراكم بداخله الغبار والأتربة، والبعض الآخر توجد فيها المصاحف الممزقة والتكييف شبه منعدم، أما دورات المياه فتتجمع بها الأوساخ والقاذورات، بل إن قضاء الحاجة في البر والخلاء أفضل من قضائه فيها، حتى وصل الحال إلى أن الكثير من الحجاج يقضون حاجاتهم في الخلاء عند محطات الوقود، وذلك يلحظه كل من يمر بالقرب منهم، وذلك لعدم وجود النظافة في المساجد، حتى أن بعض دورات المياه فيها الروائح والمخلفات ما لا يستطيع أن يتحملها بشر، وربما لا يوجد الماء، وذلك كله عائد إلى عدم وجود المتابعة والمراقبة من الجهة المختصة، مشيراً إلى أن وزارة الشئون الإسلامية تتحمل تلك المسؤولية، لأنها مناطة بها، ولكن ذلك لا يعني بأن الكثير من المواطنين لا يسهمون في نشر الأوساخ وعدم النظافة في المساجد، فمنهم من يرمي المناديل داخل المسجد ودورات المياه حتى يشعر من يدخل المكان، بأنه ليس من بيوت لله، مؤكداً أنه من المناسب أن أشير للحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة كانت تقوم بالمسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له: «أنها ماتت»، فقال: «هلا آذنتموني فأتى قبرها فصلى عليها»، وفي رواية أخرى «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتها في الجنة»، مما يدلل على وجوب صيانة المساجد وأن في ذلك من الأجر والثواب ما هو عظيم من واسع العطايا.
ويرى «مسعود الغامدي» الداعية الإسلامية أن الحل الجذري لمثل هذه الإشكالية يتمثل في الخطوة الأولى، فحينما تقام هذه المساجد لابد أن تبلغ الجهات المعنية القريبة من المنطقة التي يتبعها هذا الطريق الذي يضم المسجد، شأنه في ذلك شأن الاهتمام بالناحية المرورية والأمنية، فتلك المساجد لابد أن تكون من مسؤوليات فرع الشؤون الإسلامية في المنطقة التي يتبع لها هذا الطريق، حتى تعطى حقها في العناية، متأسفاً على إهمال هذه المساجد؛ بسبب عدم وجود جهة مسؤولة عنها، فالمتبرع بإقامة ذلك المسجد لا يستطيع أن يتابعه وهو بعيد بمئات الكيلومترات، مضيفاً أن هذا لا يعفي وزارة الشئون الإسلامية من المسؤولية بإلحاقها بالإدارة القريبة منها في منطقة ما، لافتاً إلى أن ثقافة الاهتمام بالمرافق العامة مغيبة لدى الكثيرين من الناس ليس فقط من خلال المساجد بل كذلك من خلال المرافق العامة، فالناس تهمل تلك الثقافة ولا تحرص عليها، على الرغم من أن ذلك القصور في الاهتمام غير مبرر ولم تتضح أسبابه بعد، فهناك من يتناسى أن الدين الإسلامي هو دين النظافة والعناية والإيثار، ومع ذلك أكثر الإهمال الموجود بسبب عدم الالتزام بتعاليم الدين، مشدداً على أهمية الدور التوعوي لوسائل الإعلام في توعية وتبصير الناس بأهمية النظافة، خاصة في مساجد الطرق والتي تتعرض لعوامل كثيرة تفاقم من إهمالها وتلفها، من أهمها أن تلك المساجد معرضة للرياح والعواصف والتلف والغبار.
ويقول الشيخ «د.محمد العلي» عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة: إن مساجد الطرق تمثل صورة مزرية من عدم العناية، خاصة حينما يكون الرجل برفقته نساء وأطفال فيحتاج إلى دورات المياه والتي تعتبر سيئة جداً بشكل يصعب قبولها في تلك المحطات، مما يعطي صورة غير جيدة لهذا الوطن لدى المسافرين من غير أبنائه، موضحاً أن إحدى الشركات قد طرحت مشروعاً لتبني مثل هذه المساجد إلا أنه لا يعرف ماذا حصل بعد ذلك؟، مشيراً إلى أن المسألة مهمة جداً وتحتاج إلى علاج سريع وجاد، خاصةً أن هناك العديد من الحلول، من أهمها أن يهدد صاحب المحطة بوضع الغرامات والجزاءات في حال لم يلتزم بنظافة المساجد، وفي حالة المخالفة يدفع تلك الغرامة المالية، أو أن تعمل دورات المياه بنظام الرسوم البسيطة يدفعها المرتاد شريطة أن يكون هناك مكان نظيف، مؤكداً أن الجميع يتحمل مسؤولية نظافة مساجد الطرق بدءًا من وزارة الشئون الإسلامية، وكذلك وزارة النقل، وانتهاء من الجمهور العام والمصلين ومدى ثقافتهم في الحفاظ على المرافق العامة.
ويؤكد الشيخ «أحمد الهاشم» رئيس الشئون الإسلامية والدعوة والأوقاف بفرع الأحساء، أن ثقافة مساجد الطريق والاهتمام بها ترجع في المقام الأول إلى ثقافة المرتادين، وكذلك اهتمام أصحاب الشأن، فالكثير من مساجد الطريق تتبع لمحطات الوقود وبعض الاستراحات التي تدر أرباحاً كبيرة، فيهتمون بغرف تلك الاستراحات وبالمحطات وب»السوبر ماركت» في حين تهمل المساجد، فالنظام يفرض عليهم الاهتمام بها، مضيفاً أن إدارة الأوقاف شكلت لجنة لذلك وكذلك البلديات المسؤولة عن التراخيص والتجارة والتي تتضمن ألا تجدد تلك التراخيص حتى يتم الاعتناء بتلك المساجد من حيث النظافة وتكون في أفضل صورة، خاصةً أن المساجد مكان العبادة والمجتمع الإسلامي ولابد من الاعتناء بها، موضحاً أنه لابد على كل مسلم أن يعلم أن صيانة المساجد والحفاظ عليها من مسئولياته أكثر من اهتمامه بمسكنه الخاص، مؤكداً أن إدارة الأوقاف لا تستطيع وضع مراقبة دائمة على إدارات تلك الاستراحات والمحطات، ولكن الحل في الوعي الذي لابد أن يرتفع لدى أصحاب المحطات ومرتاديها، مستبعداً أن يكون لوزارة النقل علاقة بالاهتمام بمساجد الطرق، فالمسؤولية لابد أن تكون مسؤولية البلدية وإدارات الأوقاف والمساجد.
ويوضح الشيخ «د.طارق الحواس» عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن هناك إهمال كبير وغير مقبول في مساجد الطرق، حيث لا يرقى التعامل معها مع ما يجب عليه من التعامل مع بيوت الله والتي هي من أعظم الأماكن وأحبها إليه سبحانه، مشدداً على أنه لابد أن تكون محل اهتمام المسلمين ورعايتهم، فتلك المسئولية لابد أن تكون مشتركة ما بين أصحاب المحطات التي تكون على الطريق، وبين وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف، مضيفاً: «أصحاب المحطات لابد أن يخصصوا عاملين وموظفين يتابعون وضع المسجد، والوزارة تقوم بدور الإشراف والمراقبة كما هو الحال في سائر المساجد»، فالمحطات تلك بما تحوي من مساجد تمثل مظهراً من مظاهر البلد التي لابد أن يهتم بها، لأنها تمثل الصورة العاكسة لثقافة الوطن لمن يزورها وذلك غير واضح للجميع.
( الرياض )