“عجوز.. ومقاوم للتغيير”، هو المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الأعلى الحاكم بمصر. وهذا هو تقييم دبلوماسيين أمريكيين بالقاهرة لوزير دفاع الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك كما كشفت عنها وثائق سربها موقع ويكيليكس ونشرتها صحيفة الديلي تلجراف الإربعاء.
تقول الصحيفة إن هذه الوثائق تطرح تساؤلات حول مدى أهلية المشير طنطاوي في الإشراف على عملية الانتقال إلى حكومة منتخبة ديموقراطيا. وتستدل بوثيقة أمريكية أرسلت في آذار/مارس 2008 قبيل قيام المشير بزيارة رسمية لواشنطن.
تقول البرقية “طنطاوي مهموم بشدة بمسألة الوحدة الوطنية وقد عارض مبادرات سياسية كان يرى أنها تشجع الانشقاقات السياسية والدينية في المجتمع المصري”.
تتحدث الوثيقة أيضا عن معارضة المشير للإصلاحات الاقتصادية التي كان مبارك يتبناها، وتقول إن طنطاوي يعتقد أن الإصلاحات الاقتصادية تثير الاضطرابات الاجتماعية وتقلص سلطة الحكومة على الأسعار والإنتاج. كما تقول إنه رفض عقد صفقات لالحصول على معدات عسكرية مقابل تقديم تنازلات في سياسات حقوق الإنسان”.
وتستطرد الديلي تلجراف أن الدبلوماسيين الأمريكيين رأوا أن تقدم سن طنطاوي (76 عاما) جعله أكثر محافظة واصفينه بـ “العجوز ومقاوم التغيير”، وأنه ومبارك كانا يركزان على استقرار النظام والإبقاء على الوضع الراهن حتى نهاية عهدهما، فهما ببساطة ليس لديهم الطاقة أو الميل أو الرؤية العالمية لفعل شيء مغاير”.
فيما تتحدث برقيات أخرى عن مدى تغلغل نفوذ القوات المسلحة المصرية في أنحاء مصر، وتشرح كيف أن ممارسة هذا النفوذ كان يتجسد في معارضته بعض العقود التجارية “لدواع أمنية”.
وتقول وثيقة أرسلت في أيلول/سبتمبر عام 2008 “أبلغتنا مصادر أن الشركات المملوكة من قبل الجيش وغالبا ما يديرها متقاعدون يحملون رتبة لواء تعمل في صناعات المياه وزيت الزيتون والإسمنت والإعمار والفندقة والوقود”.
كما تشير الوثيقة إلى “مساحات واسعة من الأراضي في دلتا النيل وعلى ساحل البحر الأحمر مملوكة للقوات المسلحة وينظر إليها باعتبارها “مزايا جانبية” يتم الحصول عليها مقابل ضمانها الأمن والاستقرار”.
“على الغرب مساعدة مصر..وإلا”
في صحيفة الفاينانشيال تايمز دعوتان للغرب للمسارعة إلى تقديم المساعدات لمصر وهي تخطو أولى خطواتها على طريق تحقيق الديمقراطية.
الأولى دعوة لتقديم المعونة لمصر حتى لا يتغلغل فيها تنظيم القاعدة الذي يخشى أشد ما يخشى قيام حركة ديمقراطية واعية ومسؤولة، قدمها الكاتب أحمد رشيد خبير الحركات الإسلامية ومؤلف كتاب “الانحدار نحو الفوضى” عن حركة طالبان، في مقال نشرته الصحيفة.
في مقاله يعرض الكاتب للتطرف الإسلامي في مصر ويقول إن جماعة “الإخوان المسلمون” قد جنحت في العقود الأربعة الماضية إلى الممارسات الديمقراطية ورفضت العنف المرتبط بالجهاد، وهذا ما عرضها لتنديد القاعدة بها وباتهامها بممالأة الغرب.
وهنا يؤكد الكاتب بيقين بشديد أنه ما لم يتحقق الاستقرار في البلاد فستبدأ بلا شك حملات اغتيال ضد “الإخوان المسلمون” لنزع المصداقية عنهم ولالتأكيد على أنهم لا يتحدثون باسم الإسلام، “فهذه أساليب القاعدة التي استخدمتها في 4 دول إسلامية” ـ كما يقول الكاتب ـ وكذلك “لنزع المصداقية عن النظام من خلال اغتيال قيادات حكومية وعسكرية كبرى”.
المساعدة الأخرى التي يدعو رشيد الغرب لتقديمها هي “حث إسرائيل بقوة على العودة إلى عملية السلام مع الفلسطينيين وبالتالي عدم عدم السماح للمتطرفين بالاستفادة أكثر من الانقسامات الإسرائيلية الفلسطينية”.
أما الدعوة الثانية للغرب لمساعدة مصر فهي من الكاتب في الصحيفة مارتن وولف الذي كتب تحت عنوان “مصر…التاريخ في صفها” يستعرض تطور نشأة الديمقراطية في العالم منذ ما قبل الميلاد ليقرر حقيقة أن استقرار الديمقراطية ملازم للتقدم الاقتصادي، وحقيقة أن مصر بلد فقير نسبيا، بالأمية تتفشى في نسبة عالية من مواطنيها.
يقول الكاتب “إن الغرب قد ارتكب أخطاء لا تعد في العالم العربي، وارتكب ما هو أسوا من الأخطاء. وهذه فرصة سانحة بأن يوفر لمصر ما تحتاجه في طريقها نحو تحقيق مستقبل ديمقراطي. وعلى أقل تقدير بإمكان الغرب إثناء الجيش في مصر عن أي ميل لتجديد دورة الحكم العسكري، وتشجيع الجيش في نفس الوقت على حماية الديمقراطية من أي محاولات قمع يمكن ان يمارسها اي من المشاركين الجدد في السياسات الجديدة.
وفيما يجادل الكاتب بضرورة التقدم الاقتصادي لاستقرار الديمقراطية إلا أنه يؤكد على انه ليس من السذاجة بحيث لا يدرك أن انتصار الديمقراطية في العالم أو في مصر محتوم. “ففيما يخلق الاقتصاد الجديد فرصا لبدايات جديدة فإنه يضع في يد الدولة أساليب أشد للقمع ليقول إن الديمقراطية قد ازدهرت لكن انتصارها غير محقق”.
ويختم مارتن وولف ليقول إن الناس قد يتقبلون لفترة حكم الفرد مقابل الاستقرار والرخاء، إلا أن البشر يريدون أن يعاملوا بكرامة. وآمل ألا تكون مصر أخر دولة ينجح أهلها في تحقيق ذلك.
في صحيفة الإندبندنت يودع مراسلها رويرت فيسك القاهرة بعد 3 أسابيع غطى فيها أحداث الثورة المصرية بمقالة يعقد فيها مقارنة ـ أو على الأصح تماثلا ـ بين أساليب “القمع التي تستخدمها أجهزة أمن الدولة في الدول العربية لإخماد الثورة التي تفجرت في تونس ومصر وتمتد إلى اليمن والبحرين والجزائر”.
يكتب فيسك “تماما كما تعلمت الملايين المسالمة في القاهرة من قناة الجزيرة ومن أقرانها في تونس .. إلى حد تلقي الرسائل الإلكترونية المرسلة من تونس والتي تحث المصريين على قطع حبات الليمون وتناولها لتفادي آثار قنابل الغاز المسيلة للدموع، فإن بلطجية أمن الدولة في مصر الذين من المفترض أنهم يشاهدون نفس البرامج قد استخدموا نفس أساليب البطش ضد الحشود كتلك التي استخدمها زملاؤهم في تونس”.
ويردف فيسك بنبرة ساخرة “أما وقد حظيت بشرف الوقوف بجوار ثلاثة من مقاتلي أمن الدولة في شوارع القاهرة فإن بإمكاني ان أدلي بشهادتي حول أساليبهم عن خبرة شخصية”.
“في البداية واجه رجال الشرطة المتظاهرين ثم انقسموا في صفين لتمكين البلطجية “وهم من رجال الشرطة السابقين ومدمني المخدرات وخريجي سجون للاندفاع إلى الأمام وضرب المتظاهرين بالعصي وهراوات الشرطة والقضبان الحديدية، ثم تراجع المجرمون قليلا فيما كان رجال الشرطة يرشون المتظاهرين بآلاف القنابل المسيلة للدموع (وهذه أيضا ..مصنوعة في الولايات المتحدة). وفي النهاية شاهدت ـ وانا أشعر برضا بالغ ـ كيف تغلب المتظاهرون على رجال أمن الدولة والمافيا التابعة له”.
بعد ذلك يصف فيسك كيف أنه يشاهد على شاشة التليفزيون نفس الأساليب ونفس النهايات لمطاردات الشرطة للمتظاهرين في كل من اليمن والبحرين والجزائر، ليستنتج أنه لا غرابة في ذلك.
“فقياداتهم تتبادل المعلومات منذ سنين، فالمصريون تعلموا كيفية استخدام الكهرباء في سجونهم الصحراوية بقوة أكبر بعد زيارة ودية قاموا بها لأولئك القابعين في مركز شرطة شتونوف في الجزائر والمتخصصين في ضخ الماء في جسد الشخص حتى يتفجر جسمه بمعنى الكلمة”.
“وحين كنت في الجزائر في كانون الأول/ديسمبر الماضي كان قائد أمن الدولة التونسي يقوم بزيارة أخوية لها. تماما كما زار الجزائريون سوريا عام 1994 ليروا كيف تعامل حافظ الأسد مع الانتفاضة الإسلامية في حماة: ببساطة أذبح الناس، فجر المدينة، ودع جثث الأبرياء والمذنبين على حد سواء ليراها الناجون. وهذا ما فعلوه في الإسلاميين المسلحين والشرسين وفي شعبه أيضا”.
ويعلق الكاتب بأن هذه الدول تستخدم نفس الأساليب التي خذلت بن علي ومبارك (رئيس تونس ومصر المخلوعين) ليختم بالقول “إن هذا يثبت أن طغاة الشرق الأوسط هم أشد غباء وشراسة واحتفاء بالنفس وغطرسة وغرابة بكثير مما يتخيله شعوبهم فيهم”.