من أن يبدأ الثلث الأخير من شهر ديسمبر معلناً دخول فصل الشتاء ، ومع تمايل الأجواء الى البرودة شيئاً فشيئاً ، حتى يصل في في مربعانيته الى الصقيع ، يحرص أهالي وادي الدواسر كغيرهم من ابناء المملكة على شبة النار التي هي جزء من موروثهم الشعبي الذي يحافظون عليه ، حيث يستقبلون ضيوفهم ، ويحيون ليالي السمر ، يستعيدون عليها الذكريات ، وتلتهب قرائح الشعراء منهم ، ويتبادلون الأخبار المجتمعية ، واحوال الطقس بما فيها الحديث عن الأمطار ، وهم يحتسون القهوة ، والمشروبات الساخنة الأخرى ومن اهمها الشاي ، والزنجبيل ، والكرك .
يؤكد لنا الشيخ تركي الدوسري أن شبة النار أرث مهم حولها يجتمع أفراد الأسر ، والأصدقاء والمعارف ، ويستقبل صاحب الدار ضيوفه حولها كرمز من رموز الضيافة العربية الأصيلة ، حيث يعمد كثير من الناس الى إعداد القهوة عليها ، وتقديم الطيب من على جمرها ، ويشير الى أن شبة النار هي متعة الشتاء ، ويستذكر المثل الشعبي المعروف ” النار فاكهة الشتاء ” .
فيما أوضح محمد آل ملحان الى انهم حتى الثلث الأخير من شهر مارس لاتنطفئ النار لديهم كل مساء ، بل وحتى في الصباح خلال اجازة نهاية الاسبوع ، ويجهزون حالهم مبكراً لهذه الفترة من خلال تجهيز المشب وتوفير الحطب والفحم ، ويبين أن الحطب الذي يستخدمونه في الغالب من شجر السمر .
ويذكر لنا الشاب مبارك اللويمي انه واصحابه يسعدون بهذه الفترة الموسمية ، وأنهم يجتمعون ليلياً على شبة النار حيث يأنسون بها والحديث حولها ، ويحتسون القهوة والشاي والزنجبيل ، كما يعمدون الى اعداد الكستناء والذرة على جمرها خاصة وأن تلك النبتتين تتوفر بكثرة في فصل الشتاء كما يقول .
ويؤكد لنا غانم الدوسري أن النار في الشتاء خاصة في فترة السعود ( سعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الخبايا ) لاغنى لهم عنها ، كونها بداية من المسلمات في التدفئة ، ولما تمثله من أهمية لأبناء المملكة من صورة نمطية للكرم والضيافة خاصة حينما تصحبها قرقعة فناجيل القهوة ، واصوات دق النجر ، ورائحة العود الأزرق .
ويوضح الشاب محمد آل مهنا أن شبة النار مظهر من مظاهر التقدير للضيوف خاصة اذا وضع عليها كمية الحطب المناسبة مع الاهتمام بالاحجام ونوعية الحطب ، الذي يجب ان يكون يابساً جديداً لاتنبعث منه الادخنة والروائح الغير طيبة ، مشيراً الى ان ابناء المحافظة في السابق كما يذكر له كبار السن كانوا يستخدمون حطب الغضا الذي كان متوفراً بالمحافظة ، , وهناك اناس تستخدم حطب الأرطاء وآخرون يستخدمون القرض ، والغالبية كما يقول يستخدمون حطب السمر ، الذي بين أن الجيد منه يجب ان تكون قشرته يابسة ونظيفة من النخور ، والا يكون رطباً ولا أخضراً ، وكلما كان العود مستديراً كان لهب النار اسرع في الايقاد ، واقل دخاناً ، فيما الحطب الذي به نخور او خروق ، أو يظهر منه مايشبه البودرة والذي عادة تكون اكلته الارض ، او الدود الابيض ، او دودة الحطب يكثر دخانه ، ولايبقى له لالهب ولا جمر جيد .