انطلق الملتقى الخليجي الخامس للتخطيط الاستراتيجي الذي تنظمه أكت سمارت لاستشارات العلاقات العامة بالتعاون مع مجموعة مراقبة الخليج، في يومه الثاني (الأربعاء) ليحلق في فضاءات الشؤون السياسية والحوارات الاستراتيجية، ويناقش الوضع العربي الراهن عبر ثلاث جلسات حوارية رصينة تهدف الخروج بمرئيات عميقة تسهم في صناعة القرار السياسي الخليجي من بعد نخبوي شعبي. وقد تبين ثقل جلسات الملتقى في جدول أعمال اليوم الثاني من التركيز على نوعية مدراء الجلسات من المختصين في مجالات ذات علاقة مباشرة بصلب النقاش، فضلاً عن المتحدثين.
أدار الجلسة الأولى اللواء ركن طيار متقاعد صابر السويدان – القائد الأسبق للقوة الجوية الكويتية، إذ شارك فيها د. عيسى الغيث – عضو مجلس الشورى السعودي الذي أشار إلى ضرورة التركيز على البعد التخصصي معززاً بشفافية المختصين والخبراء المساهمين والداعمين للقرار السياسي، لافتاً من جهة أخرى إلى أهمية إسقاط قاعدة “إذا أردت أن تجد المجرم فابحث عن المستفيد” على واقع المنطقة منوهاً إلى أن المستفيد في المنطقة من الصراع الدائر ليس إيران وإنما إسرائيل، وما إيران سوى واحدة من الدول المستنزفة شأنها شأن دول الخليج العربي بدرجة ما. وأضاف الغيث إلى أننا بحاجة للوصول إلى حل بعيداً عن الانتماءات الحزبية والوطنية التي تأتي على حساب الأمن العام في المنطقة، مؤكداً على ذلك بقوله “الولاء للوطن مثل الإيمان يزيد وينقص، لكن لا الخيانة الوطنية لا تجوز”.
وجاء في كلمة المتحدث الثاني بالجلسة الأولى د. ظافر محمد العجمي – المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج وعقيد ركن متقاعد من القوات الجوية الكويتية، الذي تناول موضوع قانون “جاستا” في الخليج العربي، “هذا القانون يمكن وصفه بالمجزرة التشريعية، حيث يلفت الانتباه مصفوفة التنديد دولياً بالقانون وكأنه مجزرة أو مذبحة للعلاقات الدولبة وسيادة الدول”، مضيفاً إلى أن “ما أقلقنا هو ضعف ذاكرة من وصف القانون بغير المسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، فالعصر الإمبراطوري الأمريكي مثخن بالتجاوزات التشريعية الأمريكية، فقد سبق أن صدر قانون وضع القوات الأمريكية في الخارج SOFA”. ووقف العجمي على استعراض جملة من الحلول أبرزها ما أشار إليه بقوله “القمة الخليجية القادمة يجب أن ترفع شعار جاستا فخطر الابتزاز يشملنا جميعاً” معللاً ذلك بجملة من الأسئلة لخصها بتساؤله “هل سنصمد وحدنا أمام هذا القانون لو أرادت واشنطن التوسع وجعل مجلس الأمن أداة لتنفيذه؟” وسؤال آخر “لقد قيل إن من فساد فساد القراءة السياسية أن تؤخذ تصريحات ملتبسة من المسؤولين الأمريكيين، فكيف إذا كان عدوانهم القادم بقانون وتشريع لم يستطع أوباما وبيده فيتو هزيل أن يوقفه؟!”.
أما د. فهد العرابي الحارثي – رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، المتحدث الثالث، فقد تناول في كلمته نقاط ثلاث أساسية، تركزت في أمن الخليج العربي ومستقبله، والخلافات الخليجية الظاهرة والمستترة، والصورة الذهنية للخليجيين في العالم. وأشار العرابي إلى أن هذه النقاط الثلاث هي بعض من عناصر الضعف التي يستطيع الخليج العربي تحويلها لعناصر قوة. ولفت العرابي إلى أهمية ألاَ تبقى موضوعات الخليج الهامة حبيسة الخطب الخليجية القيادية تصحبه المانشيتات الإعلامية والسيمفونيات العسكرية الكسولة، بل تتحول إلى مشروع حي للحكومات.
واستطرد النقاش كوكبة أخرى من النخب الثقافية بمجموعة مراقبة الخليج في الجلسة الثانية من جدول أعمال الملتقى، أدارها د. عبدالله الشمري – باحث سياسي مختص بالشأن التركي، ليفتتح الجلسة د. عبدالله الغيلاني – باحث عماني في الشؤون الاستراتيجية بقوله علينا أن نقف بجدية على غياب الإطار المفاهيمي الفلسفي لمجلس التعاون الخليجي وغياب نظرية مشتركة للأمن القومي الإقليمي وتحديد هوية مهددات الأمن الإقليمي في الخلي العربي. تلا ذلك كلمة أ. عبدالعزيز الخميس – باحث وصحفي في شؤون الشرق الأوسط، والذي ركز في كلمته على فلسفة التحالفات والائتلافات مشيراً إلى تداول كلمة تحالف بين النخبة الخليجية ومراكز الأبحاث الخليجية، مشيراً إلى أن كلمة تحالف والتي يرددها الخليج العربي تشي على ضعف المنطقة، فيما أن كلمة ائتلاف -وهي التسمية الأصح لما يحدث في المنطقة- إنما تقوم على مواجهة خطر محدد في وقت محدد كما حدث لإعادة الشرعية في اليمن. وأضاف الخميس نموذجاً للتحالفات التي تتداول الدعوة لإقامتها، باستعراض جملة من الأسئلة على سبيل العصف الذهبي للأفكار بقوله “هل هناك تحالف استراتيجي مع تركيا؟ هل تواجدت تركيا معنا لمواجهة أي مخاطر؟ ما هي مخاطر المنطقة؟ إسرائيل وإيران؟ هل تركيا تقف ضد إسرائيل وإيران؟!!!”.
وفي كلمة له حول العلاقات الخليجية الإيرانية في ظل الأزمات الخليجية أشار أ. خالد طاشكندي – مساعد رئيس التحرير بصحيفة عكاظ السعودي، إلى التباين الحقيقي في الرؤى الخليجية بعد مضي 36 عاماً على تأسيس المجلس، وفي تركيزه على محتوى ورقته أكد طاشكندي على خطورة المهددات الحالية لاسيما في ظل الدأب الإيراني على كسب الرأي العام في الشارع العربي، وهو ما دعا من أجله لوجوب ترتيب الوضع مع إيران للعودة على أسس استراتيجية، معللاً رأيه بأن إيران مقبلة على فرص كبيرة في المنطقة والعالم.
وفي الجلسة الختامية لجدول أعمال اليوم الثاني والتي تناقش الوضع العربي الراهن، أدارتها الإعلامية هالة الناصر قال د. ماجد التركي – رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية-الروسية في كلمته علينا في الخليج العربي بدايةً أن نتجاوز المناكفات وإلغاء الآخر وآرائه، ثم شرع في صلب كلمته حول العلاقات الخليجية الروسية والرؤى الاستراتيجية المتعلقة بها، ووقف على العلاقات الخليجية الروسية ودلالاتها كما تعرض لمقومات دعم التواجد الروسي في الشرق الأوسط والتي أورد منها قيام مشروع روسي لمواجهة الأحادية الأمريكية، وأن المصالح الروسية في الشرق الأوسط تأتي تحت نظرية ملء الفراغ، هذا فضلاً عن الاعتماد الروسي على تأسيس تحالفات جديدة مثل العلاقات مع إيران وسوريا، إذ تنظر روسيا لمحيطها الإقليمي وفق استراتيجية المنافع والمصالح المشتركة. من جهة أخرى حول دعم القرار السياسي شعبياً، لفت التركي إلى وجوب ارتقاء الإدارات التنفيذية والمساندة لمستوى تطلعات القادة، مشيراً إلى أن حركة الاسناد الشعبي لم تقم بمستوى إدراك الدول، ولهذا لن يكون التقارب سهل إيجاد شراكة استراتيجية.
وفي كلمة د. أنور الرواس – أستاذ الإعلام السياسي في جامعة السلطان قابوس، حول الأزمة اليمنية بالمنظور العماني، قال: أن الصراع احتدم بين أبناء البلد الواحد، وهي حرب بالوكالة بين الخليج وإيران، ولن يمكن لليمن السعيد أن يكون سعيداً إلاّ بالتواق الوطني، لن تستطيع دول الخليج فرض هيمنتها على الناس في داخل اليمن وإنما تمهيد طاولة الحوار” مشيراً إلى أن التخبط أصبح سمة أساسية في الأزمة الراهنة وهو ما سيقود اليمن لعواقب وخيمة حسب قوله لاسيما في ظل الحملة التي جاءت لتفكيك هذه المنطقة وإذكاء الطائفية فيها، واستنزاف مواردها المالية. وأشار الرواس إلى عمق العلاقات العمانية اليمنية التي تربطها علاقات جيرة ومصاهرة دائمة. وختم الرواس كلمته بالتأكيد على أن “عمان لا تغرد خارج السرب كما يدّعي البعض ولكنها تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف في كافة الظروف”.
وتناول المتحدث الأخير في جدول أعمال اليوم الثاني من الملتقى د. خالد المزيني موضوع المساعدات الخارجية كسياسة خليجية أسهمت في تعزيز دورها في المنطقة ولكنه استنزف مواردها، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية للدول الخليجية عموماً تقليدية تقوم على التأقلم مع الوضع الراهن في المنطقة، لكن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تحول في سياساتها الخارجية وحصل استنزاف لقواها ومواردها خارج أراضيها.