
في مبنى يلف زواياه الحجر وتعلو سقفه أغصان الأثل وجريد النخيل ويكسوه لون الطين وتعبق به رائحة السنين.
وفي زاوية لا تبعد كثيرا عن سكان محافظة طريب قرر أحد أبناء المحافظة بعد 57 عاما أن يزور مدرسته التي كانت أول مدرسة بالمحافظة حينها وأن يوثق لحظات زيارته بكل تفاصيلها في محاولة لاسترجاع الذكريات الجميلة والوقوف المتأمل على جزء من الماضي الذي لا ينسى .
الأستاذ عبيد بن محمد بن عائض بن كدم القحطاني من أهالي طريب ولد بقرية مشروفة عام 1375هـ.
وكان الطالب الأول الذي دخل أول مدرسة تم افتتاحها في المحافظة ذلك الحين والان يقف على أعتاب الذكريات ساردا قصة عمرها 57 عاما تخللها الكثير من التغيرات وتحولات الزمن والأشخاص والأماكن.
في بداية حديثه قال : ثمة شيئان لا زالت عالقة بذهني من ذلك الزمن وشكلت لي صدمة حضارية أولها ركوب السيارة حيث كنا كأطفال نسمع صوت السيارات فنهرب حتى تختفي اعتقادا منا أنها ستأكلنا بعقلياتنا الطفولية وتفكيرنا البدائي، والأمر الاخر هو ارتداء اللبس “الافرنجي” كما كنا نسميه وهي البدل في الوقت الحالي فلم نرى في محيطنا من يرتديها حتى رأيناها للمرة الأولى وقد ارتداها معلمنا عادل حواتمه وهو من جنسية عربية.
ويستطرد ساردا تفاصيل اليوم الأول للدراسة “ذهبنا باكرا إلى غرب الوادي حيث الطريق الذي تمر به السيارات متأملين في ايجاد سيارة تذهب بنا إلى المدرسة وقاد القدر إلينا صهريج مياه موديل 54 قادم من مركز المضة فركبنا به وتوجهنا نحو المدرسة.
وكنا مجموعة من الراغبين في الالتحاق بالمدرسة بينما أعمارنا متفاوتة حيث لم يوجد حينها سن معين للطلاب المستجدين فكان منا من قد تجاوز العشرين و 16 و18 عاما وكذلك منا من هو دون السابعة.
واصطففنا للطابور الصباحي وكنا بصحبة آبائنا لأنه اليوم الأول ولكم أن تتخيلوا كيف كانت صدمتنا بمشاهدة شخص يرتدي البنطال والقميص والقبعة أمامنا للمرة الأولى في حياتنا وهو معلمنا حيث لم نرى سوى ملابسنا التقليدية على بعضنا البعض طيلة أيامنا الماضية ولم نكن نمتلك وسيلة اتصال ولا مواصلات أو اطلاع بالعالم الخارجي.
ويضيف “دخلنا الفصل الحجري والذي يخلو من أبسط مقومات الفصل الدراسي كالطاولة والكرسي و الفرش فكنا نجلس على الأرض وينتصف الحائط المواجه لنا سبورة صغيرة.
مر اليوم الأول ومابعده وكنا نواجه صعوبة في الوصول إلى المدرسة حيث نركب الدواب تارة أو نسير على أقدامنا تارة أخرى.
ولازلت أتذكر تفاصيل كثيرة حدثت في هذا المكان فبعد أسبوع من بداية الدراسة ضرب معلمنا أحد الطلاب لانشغاله عن الاستماع للدرس فهربنا جميعا من المدرسة ورفضنا العودة إليها، بينما أتى بنا أبائنا في اليوم التالي رغما عنا حيث كان الحزم الذي نفتقده الآن هو ديدنهم في التربية.
واستمر متنقلا بين ردهات المدرسة التي قد طبع الزمان بصمته على زواياها وحوائطها حتى وصل إلى غرفة المعلمين الذين كانوا ثلاثة فقط.
وأضاف “بعد 47 عاما علمت عن طريق الصدفة بتواجد أحد المعلمين وهو جمعة أبو سعده في نجران وذهبت إليه والتقيته وعرفته بنفسي والذي لم يتمالك نفسه حتى انهارت عينيه بالدموع.
وفي المقطع نفسه الذي وثق به ابن كدم زيارته للمدرسة تحدث المعلم أبو سعده قائلا” قدمت إلى المملكة عام 1385هـ وقضيت 9 سنوات في محافظة طريب وكان لي بها أجمل الذكريات التي قضيتها في المملكة حيث غمرني أهالي طريب بحسن معاملتهم وبكرم أخلاقهم ما جعلني لا أستطيع نسيان تلك الفترة التي عشتها بينهم مهما طالت بي السنين.
وفي ختام زيارة ابن كدم للمدرسة قال “نعيش في نعم عظيمة ونشهد تغيرات وقفزات كبيرة على كل المستويات وأكبر دليل الفرق بين الماضي والحاضر في كل الاتجاهات والتفاصيل، ونحمد الله على هذه النعم ونشد على أيدي قادتنا في كل خطواتهم راجين من الله أن يحفط بلادنا من كل سوء وأن يديم علينا نعمه.
شاهد الفيديو:
التعليقات 1
1 pings
عايض عوض ال معيض
24/02/2017 في 1:30 م[3] رابط التعليق
شكرا للشبخ/عبيد بن محمد بن كدم على توثيقه لحقبة زمنية مضى عليها نصف قرن …..
ورحم الله أبائنا ومعلمينا الذين وافاهم الأجل
ومتع الله بالصحة والعافية كل من لا زال على قيد الحياة