في الملتقى الثاني لمديري الدفاع المدني بالمملكة الذي عقد بتبوك في ١٠ أبريل ٢٠١٩م توقعت أن يكون الجهد الرئيس مخصص لإبراز ادوار ونجاحات الدفاع المدني مع توضيح أو تبرير للجوانب التي يرى المراقب انها قصور او إخفاق بعينه، لكن هذا الملتقى والقائمين عليه خالفوا التوقع فكان الجهاز بقائده وضباطه ومتخصصيه هم المستمعين لمن حضر من الضيوف من داخل وخارج المملكة بمختلف تخصصاتهم واهتماماتهم.
وبكل وضوح قال معالي مدير عام الدفاع المدني الفريق سليمان العمرو نحن نرحب ونتقبل النقد الهادف ونهتم بما يُقال سعياً للتطوير ولا نريد غير معرفة واقعنا كما هو دون زيادة او نقصان.
هذا الجهاز الوطني الذي ارتبط بمفهوم الدفاع عن حياة الإنسان وسلامة ممتلكاته له تاريخ طويل وسجلاته مليئة بالتجارب المختلفة التي تحوي الكثير من النجاحات وبطبيعة الحال هناك اخفاقات لا يخلو منها أي جهاز يقاتل ويضحي بكل مايمتلك لينعم المجتمع بالحياة. وهو بحق جهاز معاركه لا تتوقف بل تبدأ ولا تنتهي.
وفي هذه المرحلة الدقيقة أمنياً ليس مجدياً أن نمتدح او ننتقد الدفاع المدني فقد اصبح هذا الأسلوب معروفاً لدى قادة الجهاز مكرراً ومفهوماً بكافة ابعاده وهو جزء من حديث المنتقدين البعيدين عن معرفة بيئة العمل ومخاطر العمليات الحقيقية وعن معرفة عدد الشهداء الذين يقدمهم الدفاع المدني، وحجم المخاطر الصحية والإعاقات التي يتعرض لها مقاتلي الدفاع المدني لإنقاذ حياة المواطن السعودي والوافد الكريم.
ومع اهمية الرأي والنقد الواقعي لعمليات الدفاع المدني من خلال المثقفين والآكاديميين المتخصصين والاعلاميين او من عامة الناس، لكن الحقيقة ان مايوجد من معطيات وحقائق ومعلومات وسياسات وظروف ميدانية وإنسانية ومعاناة تتجدد في كل يوم لدى هذا الجهاز هي جميعها وغيرها بعيدة كل البعد عن ادراك الناس ومعرفتهم وعن تصوراتهم، وليس بالإمكان في نظري إطلاع المجتمع عليها بتفاصيلها فهذا شأن يحتاج إلى تخصيص جهد وطاقة بشرية ووقت وهذا اعتقد انه غير وارد في حسبان الدفاع المدني الذي هدفه الأكبر ينصب على الإنقاذ والحماية والسلامة ومايتطلبه ذلك من عمليات تدريب شاق وتأهيل مستمر في دولة بحجم قارة هي السعودية الغالية إضافة الى تحدٍ لا يمكن التغلب عليه بسهولة وهو التوسع المتسارع في إنشأ مراكز دفاع جديدة سمعت انها قد تصل إلى (٥٠٠٠) خمسة الآف مركز إضافي يطالب المواطن الكريم بإيجادها في نواحي الوطن وهذا بخلاف المراكز المتوفرة العاملة حالياً!.
وقد كان ملفت للنظر خلال هذا الملتقى بتبوك هو أن اغلب المحاضرين والمتحدثين من خارج الدفاع المدني يرون ان هناك قصور اعلامي من الدفاع المدني نفسه في ابراز جهوده وانجازاته وفي الرد على مايقال من احاديث غير دقيقة، وهنا اطرح رأياً شخصياً بمثابة التحذير بعدم الإنشغال بأي عمل اعلامي لهذا الهدف فهو ليس ضمن مهمة الدفاع المدني وليس ضمن تخصصاته المهنية وبرامجه التدريبية، وقد حاول غيرهم ان يفعل ذلك ولم ينجحوا لأن هذه مهمة الإعلام الوطني الرسمي السعودي الذي ضمن واجباته ابراز جهود الدولة بشكل عام ونقل انجازاتها للوطن وخارجه، فهو إعلام شامل ولديه امكانات عالية لوجستية وفنية، وبإمكانه الحصول على المعلومات والمواد والإحصاءات من الدفاع المدني وغيره مباشرة بل ويستطيع توفير مقاعد تنسيقية لديه يشغلها ضابط من كل جهة ذات عمليات دائمة كالدفاع المدني. وعلى هذا الإعلام الرسمي تغطية عمليات رجالنا في كل مكان يقفون عليه مدافعين عن الوطن والمواطن. وهناك إعلام خارج الوطن يغطي بعض عمليات الدفاع المدني في بلدانه ويبرز ملامحها الإنسانية والإحترافية الإنقاذية والوقائية مما يجعل المواطن العادي يقترب ويتعاون مع هذا الجهاز ويصغي لتحذيراته ويستمع لإرشاداته.
اخيراً فإن الفكر القيادي العسكري المتميز بأي قوة، الذي يُوجه ويسيطر على سلوك القيادة الموحدة للتخطيط وعلى القيادات الميدانية الفرعية لتصبح جميعها ذات آداء ناجح وفعال وقادرة على الوصول بعمليات الدفاع الى اعلى مستوى من الإنتاجية، إذا ما توفرت على هذا النحو فإن القوة الحقيقة والتمكن من النجاح نتيجة لذلك هو ليس الذي تراه الأعين وخاصة الناقدة بل هو التدريب القوي والفكر القيادي والإداري المتقدم والحس الوطني الكامن في نفوس المنسوبين ونسيان كل شئ عدا تقديم الغوث والنجدة وإنقاذ حياة الإنسان تنفيذاً لسياسات الدولة وتوجيهات القيادة العليا ويكفي ان نراقب تلك الجهود في موسم الحج، وهذا الفكر الذي أشرت اليه آنفاً هو بكل أمانة متوفر بفضل من الله تعالى ثم بتوجيه قيادتنا الرشيدة في قيادة الدفاع المدني يُسندها جهود الرجال المخططين والاداريين والمقاتلين الشجعان في تشكيلات الدفاع المدني السعودي الساهر ضمن رجال الوطن بمختلف الجيوش السعودية المدافعة عن أمن الحدود وعن حرية الأشقاء وعن الأمن الشامل بالوطن السعودي العظيم.
وبالمناسبة الدفاع المدني شريك فاعل ومتواجد في مراكز عمليات القوات المسلحة، وهو ذو دور كبير في جميع هيئآت ادارة الكوارث والأزمات في وقت السلم والحرب وهذا كله بخلاف عملياته القائمة الخاصة به على مدار الساعة.
ملاحظة: التوقيت بالثانية وجزء منها ثابت في صلب عمليات وتدريبات قواتنا الجوية الملكية السعودية الجسورة، والدفاع المدني كما فهمت يتعامل في تقييمه وتنفيذه لعملياته بحساب الثواني وهذا مُشرف لنا جميعاً. ولكن على رجل الدفاع المدني أن يتفهم اننا لن نقتنع بأي مستوى مُشرف يصل اليه لأن ثقتنا به ليس لها حدود ولأن حجم المخاطر في تعاظم وازدياد حتى ونحن نائمين أو متنزهين في الوديان والجبال والدفاع المدني هو الراصد الساهر المنقذ بعون الله وتوفيقه.