إن مفهوم الكذب المنتشر غالباً بين الناس مُصنف حسب لونه، فلو افترضنا جدلاً أن الكذبة البيضاء تحمل راية السلام لتخدم مصلحة الفرد، فإن الكذبة السوداء تحمل راية الكراهية لتدمر الناس وقلوبهم وتفرق بينهم.. إذن هل نستنتج من هذا أن هناك ألوان أخرى للكذب أم أنه أنواع، وهل المُجاملة تندرج تحت أنواعه؟!! لنأتي على تعريف الكذب أولاً ومعرفة أنواعه، ثم نرى ماهي أضراره وما الذي يؤدي إليه؟
الكذب هو تبديل الحقيقة أو حذف أو تحريف جزء منها لدفع ضررٍ أو جلب منفعة ظناً منه أنه يستطيع حماية نفسه من أي ضرر أو يجلب لنفسه مصلحة ما، متناسياً أن الكذب مُرتبط ارتباطاً وثيقا بالعقيدة. عقيدة أن النافع الضار هو الله وحده عز وجل. يكون الكذب في الأقوال، والأفعال كأن يفعل الإنسان فعلا يُوهم به غيره حدوث شيء لم يحدث وهو أكثرُ تأثيرا من كذب الأقوال، وكذبٌ في نوايا الأقوال والأفعال قال الله تعالى” قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله” وقال صل الله عليه وسلم” وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي الىالفجور وإن الفجور يهدي الى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا”.
والفجور معناه ارتكاب المعاصي وعدم الاكتراث لها والكاذب يؤذيك بكلامه فقط بينما الفاجر يؤذيك بكلامه وتصرفاته فهو يرتكب افعال مشينة تؤذي الأخرين ويرتكب الجريمة والعنف ولا يتأثر بحدوثها امامه ذلك أن الفجور اصبح أمرا مقبولاً من الدماغ وكما روى البخاري وابن مسعود رضي الله عنه قال” إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا”.. يتضح لنا أن المؤمن قد يكون سارق، مغتاب، كسول ولكنه لا يكون كاذبا أبدا.. بينما الإنسان الصادق يظل حساساً تجاه الخطأ فدماغه لم يتأثر بالكذب بعد ومازال على الفطرةِ التي خُلقنا عليها قال صل الله عليه وسلم” كل مولودٌ يولد على الفطرة “.. نتفق جميعا أن الكذب يُصنف من الأخلاق المذمومة وأن الصدق فضيلة ويُعد من مكارم الأخلاق فإذا خالف الفرد هذه الفطرة تغيرت كيمياء الجسم كله ليصبح عرضه للأمراض النفسية التي تُنقص من تقديره لذاته وثقته بنفسه ويشعر صاحبه بالخوف من قول الحقيقة فيواجه الحياة بتوتر ويعيش في دائرة الكذب المتتالي ومن أنواعه الكذب الخيالي، الإدعائي، الدفاعي، العنادي، الإنتقامي، والكذب المرضي أو المزمن ومن الأمراض الجسدية التي غالبا ما ترجع الى اسباب نفسية الصداع، الضغط العالي، الإجهاد والألم والتي غالباً ما تكون بدون سبب عضوي واضح.
نتهرب كثيرا من قول الحقيقة فبعض الأسئلة شخصية مثل كم عمرك؟ كم راتبك؟ لماذا لم تتزوج حتى الأن؟ لماذا لم تنجب بعد؟ وغيرها الكثير من الأسئلة المحرجة والمقلقة ومهما حاولنا تزييف الحقائق إلا أن السؤال يتكرر بشكل مُزعج ومُحرج.. ولأن الكذب يتطلب الكثير من العمل العقلي نجد أننا بطيئين في الإجابة فما السبب في ذلك وكيف يضر الكذب بالكاذب نفسه في حين أن المستفيد هو نفسه؟!!!
ما توصل إليه العلماء في هذا الصدد خطير.. إن عملية الكذب تتم في أعلى ومقدمة الدماغ ( الناصية ) وهي مركز القيادة والتوجيه والإبداع والوعي والإدراك وتقييم العواطف والمدارك الحسية والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق واتخاذ القرارات عند الإنسان.
هي بمثابة البوصلة الأخلاقية، وقد تبين أنه عندما يكذب المرء تضعف هذه المنطقة وتضعف وظائفها فينتج عنها اللامبالاة والبلادة العاطفية وكلما استمر المرء في الكذب يفقد المبادرة والتمييز ويعاني من تناقص في القدرات العقلية وهبوط في المعايير الأخلاقية.. لذلك لم يرخص الإسلام الكذب إلا في ثلاث مواضع وهي الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها ويقصد به الكذب في المشاعر فقط وليس الأفعال.
وأخيراً إذا أردت أن تسلم لك ناصيتك فاتق الله فيها وكن من الصادقين قال تعالى” إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذاب “.
التعليقات 7
7 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
yahya dosh
27/04/2019 في 8:06 م[3] رابط التعليق
بدون مجاملة كلام ??
(0)
(0)
إبراهيم جعيدي
27/04/2019 في 8:17 م[3] رابط التعليق
مقالة جميلة يااستاذة سميحة… سلمت يدك وقلمك
(0)
(0)
حنان عادل
27/04/2019 في 8:50 م[3] رابط التعليق
ومن يتق الله يجعل له مخرجا
(0)
(0)
مبادره
27/04/2019 في 8:58 م[3] رابط التعليق
أسلوب جميل
شمل الموضوع سلوك الكذب من ناحية عقدية وعلمية.
(0)
(0)
shaooo3
28/04/2019 في 1:45 ص[3] رابط التعليق
اشكرك على هذا المقال الرائع و لكن اريد ان الفت النظر الى ان المجاملة احيانا لا تعتبر كذبا لاننا في حياتنا نحتاج لان نقدم بعض المجاملات للآخرين ليس بهدف الكذب او الوصول و لكن بهدف رفع معنوياتهم وائجابيات من نتعامل معهم او نصلح سلوكهم ببعض العبارات الراقيه وتعليمهم فن التحاور والكلام و هذا لا يعتبر كذب من وجهة نظري الشخصيه في كثير من التعاملات بين أفراد المجتمع
وتوضيحا اسم المقال مقتبس من قصة فلم مشهوره وروايات عديده لكاتب معروف بالوطن العربي بنفس الاسم انا لا اكذب ولكن اتجمل؟؟ فهل هيا مصدفه ام توارد خيال لكاتب لنفس الموضوع والمعنى ولكي اجمل تحياتي وبتوفيق?
(0)
(0)
هيفاء ابراهيم فقيه
28/04/2019 في 4:57 م[3] رابط التعليق
كلام جميل استاذه سميحة اضافة الى انه واجب وشرع ديني الصدق في. القول وتجنب الكذب والاخلاص والامانة في العمل وكل ما فيه تهذيب للنفس فقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم جاء بكل ما يرفع وينفع الفرد المسلم .. أحسن الله إليك وبارك في قلمك ?
(0)
(0)
فاطمة الجباري
01/05/2019 في 7:41 ص[3] رابط التعليق
مقال هادف يحمل قيم ومبادئ أخلاقية ومناهج عقائدية التعامل مع الآخرين والعلاقات منشائها الثقة والثقة تتطلب قيم واخلاق رفيعة منها الصدق
ولا لفقدت الثقة بين الناس..
سلم الفكر والبنان أستاذة سميحه طرح راقي دام نبض قلمك
(0)
(0)