بعد انتشار القوات السعودية ضمن قوات التحالف في العاصمة عدن أصبحت المناطق الجنوبية أمام مرحلة جديدة وواقع مختلف سيؤثر مباشرة على القضية اليمنية والمنطقة إجمالاً، نسأل الله ان يكون تأثيراً إيجابياً كما خُطط له. هذا الإنتشار الذي سبق عملياً التوقيع النهائي يأتي في ظل متغيرات محلية وإقليمية مؤثرة. وهو يسعى آنياً الى تواجد الحكومة على الأرض في عدن وتأمين مؤسسات الدولة وإعادة تشغيلها والإشراف على تنفيذ اتفاق الرياض الذي تم توقيعه يوم الثلاثاء 5 /11 / 2019م، أما الهدف الاستراتيجي للإتفاق فهو إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والإدارية والعسكرية والحد من أوجه الفساد المستشري واستبعاد الفاسدين استعداداً لمواجهة ميليشيات الحوثي الإنقلابية بمفهوم موحد، وتهيئة البيئة المحلية لقيام التنمية التي تعيد للإنسان كرامته وللأطفال حقوقهم في التعليم والحياة الطبيعية آلآمنة والمستقرة.
وفي المقابل فإن الحوثي ومن يقفون خلفه من الأعداء وفي مقدمتهم ثورة ايران وأذرعها خاصة تنظيم الحمدين القطري وحزب الله اللبناني، بالتوازي مع دور الرئيس التركي رجب اوردقان وحزبه المعادي للاستقرار بالمنطقة العربية، إضافة إلى بقية التنظيمات الإرهابية، جميع هؤلاء يدركون جيداً أن هذا التوافق بين الطرفين الحكومي والمجلس الإنتقالي الجنوبي، وتموضع القوات السعودية بعدن ومحيطها، لها ما بعدها، ويعلمون أنه في حال تم تطبيق بنود الاتفاق بنجاح فإن هزائمهم ستتوالى سياسياً وميدانياً ومعنوياً بالمنطقة في ظل ما تتعرض له ايران من انهيارات داخلية وكذلك خارجياً في تشكيلات اذرعها الإرهابية.
بمعنى أنه في مقابل هذا الاتفاق الكبير سيقوم هؤلاء الأعداء الداعمين للحوثي بكل ما يمكن لتخريبه لأجل نشر الفوضى وغياب الأمن بعدن والمناطق المحررة وإرباك المشهد العام برمته لمصلحة الحوثي وبقية المنظمات الإرهابية الأخرى، فيجب الصمود والتحسب لإعمالهم العدائية وإحباطها ليسلموا بالأمر الواقع وهذا حقيقة يحتاج صرامة وضرب مباشر لمن ينفذ مخططاتهم محلياً.
سيحاولون القيام بعدة اجراءات أولها تبني تخريب الاتفاق بأي وسيلة وثمن. سيوجهون تنظيم قطر الفاشل لضخ ملايين الدولارات في جيوب الدواعش وعناصر القاعدة باليمن لشن هجمات إرهابية ضد عدن والقوات التي تؤمنها. سيسعون بكل الوسائل إلى تحريك اصدقاءهم وحلفاءهم المعروفين باليمن لإختلاق مشاكل سياسية تعرقل تنفيذ الاتفاق. سيوفرون للحوثي استخبارات دقيقة تمكنه من مهاجمة شخصيات ومواقع مهمة عسكرية ومدنية في عدن وفي بقية المناطق الجنوبية. سيحرضون على القيام بعمليات اغتيال لشخصيات من المجلس الانتقالي وأخرى معاكسة تبدو انتقامية ضد شخصيات أخرى لغرض التأزيم والعودة للمربع صفر.
لكن هذه الافتراضات المحتملة لا تحول ابداً دون التفاؤل والإصرار على إنجاح جهود المملكة التي قبل بها الجميع، ولا مناص من تنفيذ هذا الاتفاق التاريخي بين الطرفين لأنه يشكل بارقة أمل حقيقية لإنهاء هذا الاحتقان الطويل والسماح بحل سياسي شامل وقيام التنمية وتعجيل هزيمة الحوثي، كما سيسمح بعودة الثقة لدى الإنسان العادي في جميع المحافظات ورفع معنويات المقاتلين ورجال الأمن.
في ضوء هذا الاتفاق التاريخي لا بد من مضاعفة جهد سلاح الاستخبارات بشكل كبير وغير منقطع، وخاصة عناصر الإستخبارات البشرية في عدن وغيرها. ولا بد من توفير معدات رصد ذات مرونة عالية لاعتراض وسائل المخربين وإفشال عملياتهم. الإستخبارات هنا بعد توفيق الله هي العامل القادر على الرصد والاستطلاع والمراقبة وإصدار الإنذارات الموقوته وإحباط معنويات العدو وقهر ارادته. وأخيراً يجب التذكير بأن هناك ظروف عملياتية حربية وسياسية إستثنائية لا تتفوق أو تنجح بها عمليات الاستخبارات إلاّ من خلال نشر عناصر بشرية كثيفة ويقظة على الأرض وتزويدهم بمعدات خفيفة ومتقدمة تناسب بيئة العمل في مواجهة الإرهابيين والمخربين وهذا ما يتطلبه الموقف في ظل نشاط استخباري معادي شرس على الأرض باليمن وعن بعد ترعاه دول تخريبية شريرة هي إيران وقيادة قطر والرئيس أوردقان وبعض عناصر الأمم المتحدة، لا يجب السماح لهم بأي نجاح بل يجب إفشالهم.
علينا التحسب لموقف بعثة الأمم المتحدة الذين إذا ما تأكدوا من اقتراب هزيمة ميليشيا الحوثي فسيهرعون بتقاريرهم الباكية لمجلس الأمن وهنا يجب إنذارهم مسبقاً وخاصة عناصرهم العاملة بتوافق ورشاوى مع الحوثي. والواقع أن المراقب الدقيق يعلم أن السيد مارتن قرفث لن يكن مسروراً بأي اتفاق ينهي الإنقلاب الحوثي من خلال التحالف، ويبدو أن دعوته لحضور مراسم التوقيع بالرياض كانت رسالة موجهة للأمم المتحدة ومبعوثها وبعثتها،.. نأمل أن لا يتجاهلون ذلك، ونأمل التعامل معهم كموظفين بحزم، مع انه بالإمكان في حالة حرب وصراع استمالتهم أو تحييدهم بعيداً عن تبني مواقف الإنقلاب الحوثي.. فهم بالنهاية لا يعملون مجاناً ولا يخدون بلا ثمن.