يتعرض الشعب الفلسطيني لشتى أنواع العذاب، أعلاها القتل وأقلها التجويع بعد فشل التهجير خارج الوطن. شعب فلسطين هو الوحيد بالعالم الذي لا يزال تحت الاحتلال والحصار. ومع أن المحتل يمتلك القوة والحديد والنار والسيطرة لكن هذا الشعب يمتلك قوة الإرادة والإيمان العميق بأن فلسطين هي أرضه وأنه سيستعيد حريته وكرامته.
الدول العربية بذلت ما يمكنها لمساعدة الفلسطينيين ضد الاحتلال بشتى الطرق، بالحرب وبالمقاطعة وبالمؤتمرات والعلاقات وبالصلح مع إسرائيل لكن الهدف لم يتحقق. فالسلاح الذي يراد به مواجهة الإحتلال هو سلاح تنتجه مصانع الدول التي زرعت اسرائيل والأخرى المتعهدة بحمايتها وضمان تفوقها، ورافق ذلك تخريب وحدة الموقف العربي بفعل الأنظمة العربية المنهارة في سوريا والعراق وليبيا والمنظمات اليسارية والإخوانية والإيرانية العميلة لهم.
مصر والأردن يقيمون علاقات مع إسرائيل، والفارق أن المصريين والاردنيين استعادوا أراضيهم وحولوا الجهد والاهتمام للبناء بالداخل. وحينما قررت دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين قيام علاقات كاملة مع إسرائيل لمصالحهما الوطنية وربما الوجودية فهذا شأن سيادي ولن يغير شيء من التوازن الاستراتيجي السياسي والعسكري مع إسرائيل. بل سنرى أن أبو ظبي والمنامة أصدق لقضية فلسطين من فصائل فلسطينية وميليشيا إيرانية تدَّعي المقاومة.
أما أن تنبري قيادات فلسطينية لإدانة دولة الامارات ومملكة البحرين وتنتقص من مكانة شعوب دول مجلس التعاون الخليجي فهذا سقوط وجهل عميق وتنمر عبثي لم نراه ضد إيران ومخلبها القطري والحوثي!. وهذه المواقف الفلسطينية الطائشة لم تترك مجالاً للقائلين كالعادة اعذروا اخوتنا لأنهم تحت الإحتلال وغضوا الطرف عن انفعالاتهم ولا تعتبوا عليهم فهم “يمونون” علينا في الخليج دون غيرنا. أين الحكمة ياقيادات فلسطين!.
والحقيقة التي يعرفها الأصدقاء والأعداء أننا شعوب دول مجلس التعاون الخليجي لسنا كغيرنا من العرب المحترمين الآخرين وجميعهم محترمين. فلسنا من يبيع ابن عمه تحت أي إغراء أو تهديد. هوجمت الكويت واحتلت -لاحاجة للتفصيل- فوقف قادة وشعوب الخليج العربي موقف الشرفاء وكانت النساء قبل الرجال في الميدان. إستعنّا بالله أولاً ثم بكل مخلوقات الأرض من الجن والإنس لتحرير شعبنا الكويتي وارضه. هذا هو شعب الخليج وحكمة قادته.
غيرنا لا يعترفون بحكوماتهم ولا بأوطانهم ولا بشرعية قياداتهم، بعكس وعينا الوطني ومواقفنا الشرعية والمبدئية شعوباً وقادة على ضفاف الخليج. غيرنا يبيع أرضه وعرضه وجيرانه ودينه وكرامته وعروبته. ونحن “الخلايجة!” نموت ولا نسرق، ونعطي اخوتنا برضى وشهامة وبلا ثمن. وحينما غزت إيران اليمن واحتلت صنعاء كنًّا على قلب رجل واحد ووقفنا مع اليمن ولا نزال وسنحرره. وحتى قضية تحرير الجزائر في الستينات الميلادية نحن من أوصلها “السعودية” للأمم المتحدة ومن دعمها بكل شيء حين كنا فقراء وغيرنا من العرب كانوا الأغنياء. أما مواقفنا من قضية فلسطين فاستعراضها يستحيل وليس بإمكان دول الخليج إحصاء ما ضحوا به لهذه القضية. وبخلاف الآف المفقودين رحمهم الله فقد سالت دماء الشهداء من السعوديين على ثرى سيناء والجولان وغور الصافي وهضاب القدس وصحراء غزة وفي معركة الكرامة، ولا فرق فإنسان الجزيرة العربية يمثل بعضه وله امتداد في كل بيت خليجي من الكويت الى عدن.
لن ننساق خلف المجانين ومؤجري البنادق وعملاء التيارات الإخوانية والصفوية والعصمنلية والموساد الذيم يتدثرون بشعار القدس، ولا يجب ذلك، ولسنا أولئك، ولن نكون شتًّامين، فقد اعزنا الله ووحدنا وجمع كلمتنا. وعلينا شعوب مجلس التعاون الخليجي مسؤوليات يحملها قادتنا المخلصين، ونحن على دين ملوكنا ولن نهبط لمستوى الغوغاء، وعلينا أن نشكر لله تعالى الذي وهبنا الخيرات والأمن والحرية والقيادات العادلة الحكيمة المتواضعة لله ثم لنا.
شعب الخليج علينا محاكاة قادتنا حكمةً وارتقاءً، وهذا بالنتيجة يتطلب تقدير موقف إخوة لنا وجيران يعانون عذابات الاحتلال الإسرائيلي، ولم يجدوا من يعولون عليه بعد الله غيرنا. لنلتمس لهم الف عذر مرة أخرى، فأرضهم محتلة وحظهم رديء وخلافاتهم عميقة وكلمتهم مشتتة واستراتيجيتهم غريبة متكلسة ولا يمكنها أن تحقق دولة!. معكم كل الحق شعب الخليج الأوفياء، ونعم هناك الخائن كحماس التي لاتعترف بوطن وفيهم المتاجر بدماء شعبه كتلك الفصائل التي لا نعرفها إلا حين تطل برؤوسها كالشياطين لتوجيه الشتائم لنا نحن العرب أهل الجزيرة العربية، لكن هؤلاء لا يمثلون الشعب الفلسطيني ولا بيت المقدس. وشعب فلسطين وقيادته الشرعية يعرفون مواقفنا وتأثيرنا ولا تنقصهم مصيبة جديدة لكي نساير سفهاء منهم هدفهم تعميق الفجوة وإشعال الفتنة. والمسؤولية لا يحملها أصحاب الشعارات بل يتحملها أصحاب المواقف والمبادئ والأصالة كما نحن دول وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي.
مرة أخرى لا يجب أن ننساق خلف بعض الحاقدين والكارهين تاريخاً لأرض وإنسان الجزيرة العربية لمجرد أنها العمق العربي وصاحبة القول والفصل. وهنا همسة اقولها على مضض في أذن كل عربي خليجي: “الجميع يكرهونك لأن الله رفعك وأعزك فأحذر أن تقلدهم وتحمل نفس أمراضهم فيصيبك ما اصابهم”. ومن حقك أن تقيم علاقات مع من تشاء بما يخدم مصالحك ويحقق أمنك الإستراتيجي. لا تصغي لأصوات من يؤذونك اليوم كما بالأمس بل تجاهل بذاءاتهم وحماقاتهم فجميعهم الى زوال كسابقيهم من الثورجية أصحاب الشعارات.
بكل أسف، لا يوجد استراتيجية فلسطينية مقنعة وفاعلة لزوال الإحتلال وقيام دولة ولله الأمر من قبل ومن بعد. وخلال السنوات القادمة سنرى انقلاباً وتحولاً شاملاً في الفكر السياسي الفلسطيني ينسف الماضي بأكمله ويتجاوز كل مفاهيم العلاقات بين العرب وبين إسرائيل العنصرية. مسألة وقت لكن بعد ماذا! وماذا بعد؟!.
عبدالله غانم القحطاني
لواء طيار ركن متقاعد / باحث دراسات أمنية واستراتيجية.