يحتاج الشعر لعبقرية فذة، وجهداً ذهنياً نافذاً لصياغة الفكرة المنشودة تمكنان الشاعر من الدخول لممراتنا الشعورية ولمس الجرح مباشرة وهذا ماتفوَّق به شاعرنا لهذا اليوم..
فهو متحالف مع مايمجده الشعر من قيم متالف مع الحكمة والموضوعية مختلفاً عن البقية بتفرد اسلوبه وجزالته حتى توّج بالتميّز في وقتٍ كثر فيه الشعراء وقلَّ الشعر..
معنا اليوم في ضيف الرأي الشاعر :
” عوض بن شفلوت “..
س/ الجنوب ومحافظة سراة عبيدة تحديداً بطبيعة جغرافيتها الجمالية والثقافية والتاريخية أيضاً بماذا صبغت شعرك؟
ج: لا شك أن الخلفية الجغرافية والثقافية لها انعكاسها على شاعرية أي شاعر ، ولكنها ليست الوحيدة ، فالموهبة والثقافة المكتسبة أيضاً لها اليد الطولى في نضوج التجربة الشعرية ..
س/ الإعلام والشهرة يكوّنان نجماً يشع بمقدار الضوء الذي يستمده من منصات التواصل الاجتماعي .. هل ترى أن هذا الأمر يكفي أن يصنع شاعراً خالداً..؟
ج: لا يخلد الشاعر شيء سوى شعره وتجديده في معانيه ، واختيار المفردات التي تخدم أفكاره، أما وسائل التواصل فليست سوى سبيل للنشر مثلها مثل وسائل النشر السابقة وإن كانت أكثر خدمة للشاعر وأكثر حيادية حيث لا تخضع لمزاج الناشر.
س/ قيل أن الرمز الشعري أو الغطو بأنواعه الدرسعي والريحاني والأبجدي ابن شرعي لظروف القمع الاجتماعي ففي مجتمعنا السعودي ولظروف خاصة لا يمكن للشاعر أن يفصح عن اسم محبوبته مثلاً أو عن أفكاره بشكل مباشر وصريح فيلجأ لإخفاء المعنى بما يقدمه الرمز من تكثيف للفكرة المنشودة وإيصالها بصورة أقوى للقارىء تجنباً للاحتقار والنبذ أو النقد ..؟ تعليقك على هذا..؟
ج: الرمزية أسلوب من أساليب الشعر ، والشعراء فيها ما بين مقلّ ومستكثر، وتخضع لطريقة الشاعر في طرقها، فهناك من يستخدمها في حدود، حيث لا تؤثر على ترابط القصيدة أو تتوّه المتلقي وهذه رمزية محمودة، ويقابلها طريقة بعض الشعراء الذين يسرفون فيها حتى يتوه المتلقي عن المعنى المراد ويتشوه نسق القصيدة وتتحوّل إلى شعوذة لفظية ..
س/ القصيدة رسالة مفتوحة للناس، وأنت تكتب هل تُفكر في القارئ؟
ج: أنا اكتب للقارئ، لأني أنال من خلاله الحكم على نجاح القصيدة، نعم احترم جداً عقل القارئ واربأ به عن عبثيات الشعر سواء في اللفظ أو المعنى.
س/ في نسيج حديثنا اليومي ثمة روح شعرية مبعثرة حين تتسلل المجازات في نقاشاتنا من حيث لانشعر فتدخل الاستعارات سماء التعبير كما حدث مع حسان بن ثابت وابنه حين وصف لأبيه شكل دبور لسعه قائلاً :
“كأنه مُلتف في بُردَي حِبَرَة” فقال حسان بن ثابت : “قال ابني الشعر وربِّ الكعبة” نحن حسيون في الغالب هل نجد في هذا معياراً كافياً بين الذهن المتهيء للشعر وغير المتهيء..؟ أم أن الموضوع متشعب ومعقد أكثر من ذلك..؟
ج: المواطن العربي شاعر بفطرته، واللغة العربية واسعة الميدان لمن أراد التعبير لكثرت جذورها ومشتقاتها، وكثير من تراكيب الشعر نأخذها من ألسن الناس ومن الكلام الدارج لا لشيء إلا لإيصال الشعر في أبسط صورة وأعمق معنى وهذا هو السهل الممتنع.
س/ ما هو الجانب الذي تفتحه لك القصيدة سريعًا عند لقائك بها في منعطف اللغة..! جانب الحنين، الدهشة، الفقد أو المكان أو الأمل..؟
ج: أغراض الشعر هي أغراض الحياة، والشاعر الحق .. هو من يشعر بجوانب الحياة فتستخرج من شعره صورة جامعة لكل شيء، فاذا أردت أن تعرف فلسفته للحياة وجدت في شعره ما يدل على نظرته وفهمه للحياة، أما من لم تكن لديه هذه الصورة الجامعة فهو ممن يلعبون على حبال الوزن والقافية ليس إلا !!.
س/ لحظة الكتابة كيف لك أن تتّق خشونة المصافحة الأولى مع النص..! شرّه و شراسته..؟
ج: الموهبة تتكفل بكل ذلك ..
– ومن الذي يكون في ضيافة الآخر الشاعر أم القصيدة؟..
ج: اعتقد أن القصيدة هي من تفرض نفسها على الشاعر، فهو المستضيف وإن كان كريماً أحسن الضيافة وذهب عنه الضيف حامداً شاكراً.
س/ هناك “تمرُّد ” وهناك “إنقياد” هناك “عظمةٌ” وهناك “تذلُّل” هي مسميات تُعرف بأضدادها..
وهي اللغة حين تقوم بوظائفها في فرز المواقف من حيث نتائجها على أرض الواقع .. لكن ماضد الشعر؟..
ج: لا شيء ضد الشعر إلا بعض المستشعرين الذين اتخذوه بضاعة مزجاة.
س/ يحتاج الشاعر إلى التنوع في قصائده لتقريبها من البسيط والعام والنخبوي فتجده مهتماً باختلاف ذائقة الجمهور وتباينه..هل تجد في هذا الأمر ضرورة؟ أم تعود لرؤيته ورغبته؟ ومتى تكون مواكبة الدارج والنزول للذوق العام سقطه في تاريخ الشاعر..؟
ج: الشاعر يكتب للناس، ولابد أن يراعي إختلاف الثقافات وتباين الفهم والذوق، وهذا ليس سقوط، ولكن السقوط في عدم مراعاة ذلك.
س/ غاية المدارس الشعرية إضفاء الجمال والمتعة لا النزاع الذي يشبه حروب المذاهب والأيديولوجيا..
فالشعر في مضمونه انحيازٌ جمالي للغة خارج اجتذاب الأشكال ومعترك القوالب.. هل نخلص لفكرةِ ألاَّ شكلاً ناجزاً في الشعر..؟!
ج: الشعر فرع من فروع الأدب الإبداعي والأخلاقي.
س/ يهدف النقد لتَضْوِئَة الأعمال الابداعية والشعرية، كيف ترى العلاقة القائمة بين القصيدة والنقد في المشهد الشعريّ الراهن..؟
ج: هناك ارتفاع ملحوظ في الوعي على مستوى التذوق الشعري بين الجمهور وهذا شيء يحسب لوسائل التواصل .. أما النقد الحقيقي في شعرنا الشعبي فـ شبه معدوم، وهناك بعض من يصنفون أنفسهم نقاداً وهم في الحقيقة طلاب للأضواء لأنهم لا ينطلقون من أسس واضحة ولأن خلفيتهم الفكرية والثقافية لا تساندهم.
س/ حركة الشعر العربي في خليجنا اليوم، هل تراها امتداد للحراك الشعري العالمي..؟ أم أنها صنعت لنفسها خارطة شعرية مغايرة اكتفت بالعالم الداخلي للذات الشاعرة بعيداً عن معطيات الخارج؟
ج: الشعر العربي الشعبي قائم بذاته وقواعده مستقلة ولا يتأثر بغيره، نعم هناك شعر التفعيلة المفتعل ليواكب شعر بعض الأمم، ولكن لا يعد شعراً لأنه تحرر من الوزن والقافية وهما الركنان الأساسيان الذي يقوم عليهما الشعر العربي وهذه قضية قديمة بدأت في الشعر الفصيح وانسحبت على الشعر الشعبي وأنا أراه شعر متحرر من الشعر.
س/ في إحدى مشاركات العقاد بمهرجان الشعر قال:
لاحظت في شعرهن شيء خاص ينسب إلى الجنس فهو الميل إلى المحافظة في أصول الشعر على عروض لايجوز فيها إهمال الوزن والقافية ..إلى قول : “أن المرأة أقرب إلى المحافظة على سنة الجماعة”.. هل ترى أن الشاعرات اليوم لا زلن يسبحن في السطح أو هن أقرب لسواحل جرداء يدفعهن أنا التغلب على السطوة الذكورية في الساحة الشعرية واقتتالهن فيه أكثر من أي شيء آخر وكأنهن في حرب اثبات وجود بعد تهميشٍ وقمع مورس بشكل منهجي في السابق لقيود ثقافية إجتماعية أجبرت بعض شاعرات النبط على التوقف بدل التمرد والخلق..؟
ج: هناك شعر نسائي جيد، لكنه لا يرقى لمرتبة الإبداع .. ولو ابتعدوا عما قلتي لربما كان لهم رسوخ أكثر في ذائقة المتلقي.
س/ قيل أن الخروج عن الأصول قديم حيث وجدت نصوصاً شعرية خارجة عن أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي لفحول شعر كما وجد في بعض أبيات أمية بن أبي الصلت والمرقش الأكبر وكما ورد أيضاً في بائية عبيد بن الأبرص و لامية إمرىء بن القيس وغيرهم..
صنفت من باب الشاذ و المختل والمضطرب وهي لفطاحلة شعر..!! أليس هذا عذراً كافياً لأرباب الشعر الحر والمرسل ..! عن أحقية الحداثيين من هذا..؟
ج: نعم، صنفت في باب الشاذ والمختل والمضطرب ولو كانت لفحول الشعراء، لأنها خروج كما أسلفنا عن ما اتفق العرب عليه في ركني الشعر .. الوزن والقافية.
س/ السواد الأعظم من الشعراء امسكوا بخطام الحظ والنجاح لكنهم رغم كثرتهم لا يملكون المعجم اللغوي الذي تملكه..؟ كيف تفسّر ذلك..؟
ج: ربما يتفوقون في ترسيخ صورهم الإعلامية خارج حدود الشعر وهذا حق مشروع للجميع، فالثقافية الإعلامية مطلوبة لكنها تبقى تقافة مصنوعة لا يمكن أن تطغى على الشاعرية المطبوعة.
س/ لو سألناك ما الذي لاتستطيعه في شعرك ..؟
ج: بفضل الله أستطيع ماهو مليح وأبرأ إلى الله من كل قبيح.
س/ في ختام اللقاء نريد بيتين حصرية لقراء صحيفة الرأي؟
رجاحة العقل تفرض حجة المنطق
وانا تمنطقت فيك وشفتك لحالك
اعرف مرامي كلامك قبل ما تنطق
حتى لو انك ذكيّ وشايف حالك
التعليقات 1
1 pings
د.أحمد بن ملداح
03/10/2023 في 2:32 م[3] رابط التعليق
يستاهل الشاعر عوض بن شفلوت كل خير وتشكرون على استضافته وتقبلوا وافر التحية والتقدير
(0)
(0)