شاعرنا لهذا اليوم خص المرأة بمساحة شاسعة من شعره .. فالمرأة عنده هي الأساس الذي يستند عليه، والمحور الذي يدور حوله ويبحر فيه .. وقد أخذت مكاناً عظيماً في قصائده وأشعاره وتكمن صورة المرأة بشعره في عدة نماذج فهي بالنسبة له الأم ،الطفلة ،الحبيبة والوطن.
وُلد في قرية الجفر من مدينة الاحساء صنع من حبات الرمل وكثبان الأرض تضاريس شعره وتعرجات غربته .. وكأن القرية التي أنجبته لم تحمل النخيل والتمر فقط بل الأنثور والورد.
خلق الله الشعراء ليطفئوا عطش الأرض .. ويحرثوا نارها بالريح ..
وشاعرنا هذه المرة له لغة شعرية خاصة حطم من خلالها أنماط التقليد، قيود التكرار وأصنام الدوران الفارغ، بتفرد يجعل المتلقي يعيد نظرته إلى الأشياء كلها بالكمال حتى في الحزن .. صافح صوته أرواحنا بسلام الآتين من سفرٍ فأمطر شعراً على تعب المدينة و القرى.
“ضيف الرأي” اليوم قامة من قامات الشعر العربي إن لم يكن رأس الهرم له وزنه الثقافي والإبداعي والإعلامي.. وتجربةً طويلة في الساحة الشعرية وأهم أعمدة المشهد الثقافي السعودي ..
الشاعر جاسم الصحيّح.
س١/ تجربة التسعينات في مسيرتك تعتبر تجربة فردية ناجحة حيث كانت تلك نقطة التحول الكبيرة في حياة جاسم الصحيح أصبحت وقتها نجم الحفل بلا منازع ماجعل إسمك حاضراً وبقوةٍ في منصات الأمسيات – كلمنا عن هذه الفترة؟!
ج/ لو طلبتِ مني تحقيب تجربتي الشعرية فلن أتردد في القول إنني أنتمي إلى حقبة التسعينات، فقد عدت من أمريكا في بداية عام 1990م بعد أربع سنوات من الدراسة، وانخرطت مباشرة في المشهد الثقافي والإعلامي. في تلك الفترة، كانت القصيدة النثرية قد أخذت زينتها على منابر الشعر وصفحات الجرائد، وكانت القصيدة العمودية حاضرة في مضمونها الكلاسيكي والرومانسي فلم تغامر بعد في أفق الحداثة كما ينبغي، وكان صراع الأشكال الشعرية قائما على سُوقه بضراوة، الأمر الذي أدَّى إلى صناعة الشلليَّات وانشطار المشهد الثقافي عبر انشطار المؤسسات الثقافية والصحف والمجلات، فهذا يطلب المنثور وذاك يطلب المنظوم وهكذا.
بالنسبة لي، كان الإيقاع الموسيقي الظاهر في القصيدة قد تشرَّب في دمي، فلم أستطع أكتب الشعر إلا منظوما رغم إيماني بأنّ الشعر أكبر من الأشكال ومن اللغة ذاتها لذلك، كانت تجربتي إيقاعية منذ بدايتها الخجولة في مرحلة الثمانينات، واستمرت هكذا. وما يميّز تجربتي في التسعينات هو فوزي بجائزة عربية كبيرة عام 1998م وهي جائزة البابطين عن أفضل قصيدة عربية في دورة الأخطل الصغير، وقد أقيمت احتفالية كبيرة بهذه الدورة في بيروت، وقام الشهيد رفيق الحريري بتوزيع الجوائز على الفائزين، فلاقت الجائزة صدى كبيرا على مستوى الوطن العربي، وقدّمتني للمشهد الشعري الكبير. وربما كانت جائزتي تلك فاتحة الجوائز الشعرية لشعراء المملكة في الخارج، حيث فاز أستاذنا الأكبر محمد الثبيتي بنفس الجائزة في الدورة التالية من جائزة البابطين. ولكن هناك فرق كبير بين الفوزَين، حيث إنَّ الجائزة أعطتني حضورا ولمعانا، بينما الأستاذ محمد الثبيتي هو الذي أعطى الجائزة مزيدا من اللمعان والألق.
س٢/ هناك أدباء وشعراء يكتبون بغزارة واستسهال حد الأذى
تجدهم في الرواية وفي الشعر وفي النقد أيضاً مايخلق تمزقاً فنياً لديهم لعدم تحديد الهدف !
هل تجدها برأيك لياقة أدبية و غزارة انتاج..! أو تمرد محتوى يحتاج الى ضبط..؟!
ج/ هذا سؤال مهم جدا لأنه يتعلق بجوهر الكتابة الإبداعية. حسب وجهة نظري، تأتي الكتابة عبر طريقين: الأول هو الحياة، والثاني هو الفن. هذا يعني أنَّ المبدع سواءً كان شاعرا أو روائيا أو غيرهما، دائما ما يكون ممتلئا بالمعرفة ومدججا بالذخيرة الفنية، وعندما يرتطم بمشهد من مشاهد الحياة الواقعية أو يقرأ نصا عميقا لكاتب آخر، تراه يتأثر إلى حد الكتابة ولكن لا توجد كتابة مجَّانيَّة يمكن أن نقول عنها إبداعا لا بدّ أن يتوفر الصدق في الكتابة، وأن ترتبط بالجذور الإنسانية التي تضخّ فيها روح الحقيقة. لذلك، الإنتاج الغزير المتأتِّي عن استسهال الكتابة لا يصمد أمام الزمن لأنه دائما ما يكون إعادة إنتاج لتجارب آخرين بصياغات جديدة، أنا أؤمن تماما أنّ الشخص الذي يعيش حياةً فقيرة على صعيد التجارب الإنسانية، لا يمكن أن يكون ثريًّا في إبداعه.
بناءً على كل ما تقدّم، أعتقد أن الكتابة حق من حقوق الإنسان ولا يمكن أن أحجر على أحد لو أحب يكتب كل يوم رواية، ولكن أنصح المبدع أن لا ينشر إلا النص الإنساني الحقيقي المستوفي شروط الكتابة كي لا يرمي بنفسه ومنجزاته الإبداعية في تهلكة النقَّاد وسلَّة مهملات التاريخ.
س٣/ الخوف من الشعور بالعقم هل ينتاب اباطرة الشعر وفطاحلته..؟
ج/ شخصيا، أعترف بأنه قد تعمّق انتمائي للشعر وإحساسي به بعد أن عاشرتُهُ عشرات السنين، ولا أنكر أنّني أشعر بالعقم على كل الأصعدة حينما أشعر بالاحتباس الشعري. وأعتقد أن هذا الشعور ينتاب الشاعر بمقدار علاقته بالشعر، فالشاعر الذي يرى الشعر ترفًا فائضًا على الحياة، لا يشعر بالخوف من هجران الشعر، ولكن الشاعر الذي يرى في الشعر حياته، لا يمكن إلا أن يشعر بعقم الحياة كلها حينما يهجره الشعر.. وهكذا أنا.
س٤/ خطف الشاعر محمد الثبيتي الأضواء من جميع مجايليه فاعتنى به الجمهور و النقاد حتى بعد موته ؟ ألا تزعجك هذه المقوله..؟ وهل تجد من الشعراء من يسد محل الثبيتي رحمه الله من وجهة نظرك أم أنها نامت القافلة؟
ج/ أبدا أبدا أبدا، لا تزعجني هذه المقولة، وإنما تسعدني لأنّ هذا الثبيتي العظيم لا يتكرر إلا كل ألف عام كما قال عنه الدكتور سعيد السريحي وهو صادق ويؤسفني جدا أنه لم ينل حقه وهو على قيد الحياة، بل على العكس فقد عانى الويلات عبر حرب شرسة شنَّها البعض عليه. ولكننا نرى الإبداع الآن ينتقم لنفسه، ونرى محكمة الأجيال تنتصر للثبيتي وتكرِّس حضوره في التاريخ رائدا من روَّاد التجديد في الشعرية العربية.
أما سؤالك عن إمكانية وجود شاعر يسدّ الفراغ الذي خلَّفه الثبيتي العظيم، فأنا أرى أن جغرافيا الشعر واسعة، ولا يمكن لشاعر أن يسدّ مكان شاعر آخر منذ بداية التاريخ الشعري، ولكن على كل شاعر أن يعمل بجدّ واجتهاد كي يضع له مساحة جديدة على خارطة الأسلاف.. إنها عملية مرهقة تتطلب من هذا الشاعر أن يكون مطَّلعا على كل التاريخ الذي سبقه كي يمكن له أن يتجاوزه، وإلا لو بقي يزاحم الأسلاف فيما قالوه وما نحتوه فلن يستطيع أن يفتح له ثغرة في خرائطهم الثابتة في لوحة الزمن..
س٥/ كيف للناي إلغاء أمسية شعرية في أدبي أبها سنة ٢٠١٧ حدثنا عن هذه التجربة ؟ ..
ج/ لا أتذكر شيئا من هذا القبيل.
س٦/ بعض التعريفات لا تطالها اللغة كتعريف الشعر الذي لازال تعريفاً قاصراً ساذجاً أمام نصوص تنفتح على الانسان بحقيقة التكوين؟ أصل الخلق وصوت الأبد! لو سألناك ما الشعر في تعريفك؟
ج/ كل قصيدة هي عملية بحث عن معنى جديد للشعر، وبالتالي عن معنى جديد للوجود وعلاقتنا بالأشياء من حولنا في هذا الوجود. لذلك، حين تطلب مني تعريف الشعر، سوف أطلب منك: على أي صعيد تريد تعريف الشعر؟ هل تريد تعريفه على الصعيد الإنساني، أم الفني، أم البلاغي، أم الوجداني، أم الكلاسيكي، أم الرومانسي، أم الحداثي، أم.. أم.. أم… إلى ما لا نهاية.
س٧/ ما رأيك فيمن يصف نجوم برامج الشعر بنجوم معلبين ينتهون بانتهاء البرنامج ..؟..هل تجد هذا القول صحيحاً وهل هذه البرامج خدمت الشعر والشعراء والمتلقي؟
ج/ أعود وأؤكد على علاقة الشاعر بالشعر فهي الفيصل في الحكم. إذا كان الشاعر يحمل الشعر على محمل الحياة والموت كما كان (ريلكة)، فلا يمكن تعليبه أبدا، أما الشاعر الذي يبحث في الشعر عن مآرب أخرى غير الشعر فهذا آيل للسقوط والنهاية.
س٨/ قال عنك بعض النقاد أنك فاجأت بركة الشعر بحصاة كبيرة, لتثبت بأن الشعر رسالة عظيمة”
ووصف النقاد نتاجك الشعري بالغزير المتدفق..
من أين تخلّقت نواة جاسم الصحيح الشعرية؟
ج/ البعض يتحدث عن شعري من باب المجاملة بسبب الصداقة أو المحبة، وأنا أقدِّر هذه المشاعر الغالية ولكنني لا أتأثر بها أكثر مما ينبغي. أعتقد أنَّ تجربتي تجربة أفقية وليست عميقة، لكنها قائمة على مساحة كبيرة من الاجتهاد والكدح، أكثر مما هي قائمة على موهبة خالصة. أما من جهة النواة التي تتخلق منها التجربة الشعرية فهي الحياة المتمثلة في البيئة، ثم الفضاء المعرفي القادم من التراث.
س٩/ هل تعتقد أن قصيدتك المنشودة هي التي لم تكتب بعد..؟
ج/ لا توجد نهاية للإبداع الشعري لأنه لا توجد نهاية للمشاعر الإنسانية. لذلك، يبقى الشاعر يتصاعد في فضاء الجمال، وكلما بلغ قمّة في الأعالي، انفرج المدار أمامه عن قمّة أعلى فانطلق في محاولة جديدة للصعود إلى الأعلى.. وهكذا دون شعور بالاكتفاء أو الوصول لأنّ الذات الشعرية متى ما شعرت بأنها قد وصلت وماتت فيها الرغبة للتحليق، ماتت معه الذات.
س١٠/ جاسم الصحيح يمتلك كاريزما خاصة به وحضور لافت على الشاشه لديك كل الأدوات لأن تصبح إعلامياً ألم تفكر في أن تصبح مذيعاً في قنوات الشعر ، أن تكثف حضورك الاعلامي أكثر ؟!!
ج/ يبدو أنك لم تتابعي برنامج (أنتم الناس) الذي قدَّمته على القناة الثقافية. كان برنامجا خالصا عن الشعر، استعرضت فيه تجارب مجموعة من الشعراء السعوديين من جميع الأجيال في لقاءات معهم، وكان على قناة الثقافية. لكن هناك من المتابعين من استنكر عليَّ هذا الظهور الإعلامي، وهناك من المتابعين من استحسن هذا الظهور. على العموم، كانت تجربة إعلامية عابرة ولا أعتقد أنها سوف تتكرر.
س١١/ احجمت معظم دُور النشر العربية عن طباعة الدواوين الشعرية كونها الأقل توزيعًا ومبيعاً ما عاد الجمهور ينتظر ديواناً أو أمسية أو قصيدة ..
بينما كان في سنين سابقة تُنتظر امسياتك وامسيات غازي القصيبي بدر بن عبدالمحسن وغيرهم من الشعراء؟
ج/ أعتقد أن عموم شعراء الشعبي استثناء في علاقتهم بالجماهير، فما بالك بأمراء الشعر الشعبي؟! لذلك، دعينا لا نقارن.
بالنسبة للشعر الفصيح، كان هناك شعراء نجوم يمثلون بقية الرموز الشعرية الفصحوية مثل نزار قباني، محمود درويش، الجواهري، غازي القصيبي وقلّة قليلة، ومعظمهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى. كان هؤلاء الشعراء يمتلكون جماهيرية عالية لعدَّة أسباب، من ضمنها شاعريتهم طبعا، قبل أن تتقدم الرواية على الشعر في حضورها الجماهيري وتنسف الأمسيات الشعرية. لكن في الوقت ذاته، أنا سعيد جدا بأن الشعر الآن عرف الطريق إلى ذاته، وما عاد يأتي إليه أحد إلا الذي يحبه وليس الذي يحب الشاعر. هناك فرق بين أن تذهب إلى الأمسية الشعرية من أجل الشعر والاحتفاء به، وبين أن تذهب من أجل الشاعر الذي هو صديقك أو أخوك أو أبوك.
س١٢/ قال ابو الطيب المتنبي
وزائِرَتي كأنَّ بِها حَياءً فَليسَ تَزورُ إلاّ في الظَلامِ
كناية عن حمى اصابته، وكتب ابن الوردي قصيدة رثاء لنفسه عن الطاعون واصفا هذ المرض ب”الموت الأسود” عندما اجتاح العالم ..حتى الأديب والكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير كتب مجموعة من أفضل أعماله خلال فترة الطاعون الذي ضرب بريطانيا نهاية القرن 16..
راهن كثيرون على أن كورونا ستكون موسم فقر ابداعي لكنها حطمت كل التوقعات فزاد الشعراء والادباء من نتاجهم ! ما جدوى الشعر في زمن الوباء و الفاقة؟
أم أن نفعه يزداد أكثر في الأزمات الكبرى! “و أن ما يبقى يؤسسه الشعراء”.. كما قال هولدرن..؟
ج/ الشعر ليس مرتبطا بالمنافع، فلو أن الشاعر يكتب من أجل منفعة معينة، لانتفى الشعر بانتفاء المنفعة. الشاعر يكتب لأنه يحبُّ الكتابة فقط.. الشعر هو الدافع لكتابة الشعر كما أن الحب هو الدافع الحب وليس الجنس ولا الرغبات الحيوانية.
بناء على ذلك، تكون جدوى الشعر هي الرضا الذاتي وإشباع هذا الشغف الذي لا يمكن أن يشبع. في الوقت ذاته، عندما تنفجر هذه القصيدة من قلب الشغف، فهي تحمل في جيناتها مقاومة الموت والوحشية والظلم والقبح، فكلُّ ذلك جزء من تكوينها الطبيعي.
س١٣/ من نقطة المشاركة الانسانية للشاعر وأولوية أن يكون متفاعلاً مع قضايا المجتمع و ألا يقف موقف المتفرج بل عليه أن يعيش معاناة المجتمع بشتى فصوله وظروفه .. بعيداً عن فلسفة أن تأثيره في مثل هذه القضايا تأثير بطيء..
أين يجد جاسم الصحيح نفسه..! مدافعاً أو متفرج..؟
ج/ الشعر لا يقف على الحياد لأنّ الإنسان والجمال هما القضية في كل ما نكتب. لذلك، حتى عندما نتناول موضوعا يوميا بسيطا، دائما ننحاز للجمال فيه وننتصر للإنسانية. وهذا لا يعني أن ننتصر بالصراخ والإيقاع المدوِّي، لكننا قد نطلق الاحتجاج الهادر في داخلنا عبر لغة إيحائية هامسة تفتح الشعر على رحابة التأويل.
س١٤/ تقتات القصيدة من الأمكنة حيث تبني عبورها من خلفيات تجارب كانت مهلكة للشاعر ومصدر ألم أكثر من كونها إلهاماً وأمل هل بمقدور الشاعر تطويع المكان وترويضه من خلال اللغة؟
ج/ اللغة تمثِّل ظهيرا للإنسان على أقداره القاسية فهي التي تتحمل انكساراته وأوجاعه وآلامه وأوهامه، وتمسح بأناملها الرقيقة على وجه معاناته، وتحتضن شكاواه، وتربِّت على كتف آماله، لعله ينتفض وينزع عنه كفن المأساة، ويعود إلى الحياة واثق الخطوة، شاهق الأحلام.
س١٥/ يهدف النقد لتَضْوِئَة الأعمال الابداعية والشعرية، كيف ترى العلاقة القائمة بين القصيدة والنقد في المشهد الشعريّ الراهن..؟
ج/ النقّاد الكبار والنقاد الموهوبون الجُدد جميعهم حاضرون في الساحة الشعرية، لكن العمل النقدي على الدواوين الشعرية تقلَّص إلى حد كبير، ولم يعد كما كان في الثمانينات والتسعينات للأسف الشديد، وربما يكون السبب هو النقلة النوعية في النقد من النقد الأدبي الخاص إلى النقد الثقافي الأشمل.
لذلك، تصدر الدواوين الشعرية وتختفي دون أن يقاربها النقد إلا لماما. ولكن برزت الدراسات الأكاديمية في الجامعات حيث إنَّ طلبة الدراسات العليا بدأوا يعتنون بالمنجز الشعري المحلي كما يعتنون بالمنجز الروائي في أطروحاتهم لنيل الشهادات العليا. طبعا الدراسة الأكاديمية في الغالب تكون مقصودة لنيل شهادة، وليست مقصودة للعمل الأدبي، لذلك يعتمد نجاح هذه الدراسات على حجم اجتهاد وثقافة الطالب.
س١٦/ الإعلام والشهرة يكوّنان نجماً يشع بمقدار الضوء الذي يستمده من منصات التواصل الاجتماعي .. هل ترى أن هذا الأمر يكفي أن يصنع شاعراً خالداً..؟
ج/ لا يكفي أبدًا ضوء المنابر والمنصات مؤقت جدا، وسرعان ما يتلاشى والشاعر لا يريد أن يصنع من نفسه نجما اجتماعيا، فهناك وسائل إلى صناعة النجوم الاجتماعيين دون الحاجة للشعر.. الشاعر يريد أن يصنع شعرا/نجما يضيء حياته، وهناك اختلاف كبير بين أن تكون جثَّةً شعرية مغلّفة بنجمٍ اجتماعي، وبين أن يكون الشعر نجما حقيقيا في حياتك.
س١٧/ ما الذي لاتستطيعه في الشعر؟
ج/ إذا كانت السياسة هي فنّ الممكن، فالشعر هو فنّ المستحيل، لذلك فهو لا يعترف بالمستحيلات وإنما في محاولة مستمرة لغزو الغيب واكتشاف الأسرار المختبئة وراء الكون، والوصول إلى المعنى.
س١٨/ إذا كان هذا شعر فكلام العرب باطل..
قالها اللغوي المشهور ابن الأعرابيّ في شعر أبي تمام؛
وسُئِل كيف ترى هذا الشعر؟ فقال: « فيه ما استحسنه، وفيه ما لا أعرفه ولم أسمع بمثله. فإما أن يكون هذا الرجل اشعر الناس جميعا، وإما أن يكون جميع الناس أشعر منه»..
في تصحيح الأذواق وإقرار المقاييس..
كيف ترى الساحة الشعرية اليوم..؟
ج/ لا أحب التعميم، فحينما نتحدث عن الساحة كأننا نريد أن نطلق حُكما قيميًّا على جميع الشعراء، بينما الشعراء أصحاب تجارب متنوعة، منهم المتفردون ومنهم المقلدون، ومنهم الواقفون في الوسط لا إلى هؤلاء، ولا إلى أولئك. أنا متفائل بالجيل الجديد من شعراء المملكة لأنهم يكتبون ذواتهم، ويتطرقون إلى مواضيع جديدة، ويحلِّقون إلى آفاق بكر لم تخفق فيها أجنحةٌ قبل أجنحتهم المرهفة.
س١٩/ في ظل ثورة التقنية وسعار الشهرة في تويتر هل ترى أن برامج التواصل الاجتماعي اليوم قد أسقط الصورة الشعرية ؟ كوننا نعيش في عالم متسارع شديد المادية؟ لاسيّما وأن هنالك من يرضيه أن يكون بطلاً للحظة مهم للحظة ومشهوراً للحظة فقط ..!؟
ج/ أمقت استسهال كتابة الشعر إلى درجة أن يصبح وجبات يومية سريعة سرعان ما يتمّ هضمها والتخلص منها. صحيحٌ أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تنتظر أحدا، فهي تمنحك وقتا قصيرا للشهرة، ثم تنساك لتمنح الآخرين الذين لديهم منجزاتهم أيضا، ولكن عندما نأتي للشعر فهو استثناء حيث لا يجب أن نرتجله ارتجالا من أجل النشر فقط، واستعراض مهارة بلاغية لمدة دقائق معدودة. لست من شعراء الحوليَّات، ولكنني أدعو للتريُّث الفاحص، والتأمل العميق، والتفكُّر الثاقب خلال كتابة القصيدة ولو استغرق ذلك شهرا كاملا لتكتب نصًّا عابرا للزمن في مبناه وفي معناه.
س٢٠/ بعد هذه التجربة الطويلة مع الشعر ماذا يعني الشعر بالنسبة لجاسم الصحيح؟
ج/ لستُ مبالغا إذا قلت أن الشعر بالنسبة لي يعني الحياة لأنّ ارتباطي به ارتباطٌ وجوديٌّ، حيث إنني أرى الكون وأقرؤه وأعيه من خلال الشعر، وليس من خلال العلم ولا من خلال الدين.
-انتهى..