ليست أمنية بل تحذير قبل أن يكتوي الجميع بنيران حرب متوقعة باليمن سيستغلها الإرهاب وتؤججها التدخلات الخارجية.، إنها حرب الجنوب والشمال الخطيرة المؤجلة.
مرة أخرى ستثبت الأيام القادمة أن الجنوب بمحافظاته القديمة عدن، لحج، أبين، شبوة، حضرموت، المهرة لن يعود مع صنعاء كما كان الوضع قبل الانقلاب الحوثي ضمن وحدة الهروب الكبير من وضع الدولتين اليمنيتين المستقرتين إلى وضع الحروب الداخلية المعروفة وبعثرة الجنوب ومحاولة صهره بالغليان في مرجل الشمال المثقوب العاجز عن إصلاح ثقوبه. فماذا كانت النتيجة؟.
لم تكن وحدة حقيقية نابعة من إرادة صادقة. ولم تُبنى لأهداف وطنية قومية عليا. وليست وحدة أرض وبناء مؤسسات وبسط عدالة اجتماعية وإنسانية، والسبب أن مؤسسيها غير مؤهلين قياديًا ومعرفيًا وسياسيًا وفكرياً لصياغة رؤية وحدوية ناجحة على الورق ناهيك عن تنفيذها على الواقع للنهوض بالوطن والمواطن، وكل ماحققوه كان رفع شعارات وحدوية انحصر اهتمام عرابها في سحب وتبديل الألوية العسكرية مابين الشمال والجنوب لضمان بقاء الصفقة. بالمختصر كانت وحدة حزبية شكلية وُلدت معاقة وبحضور شهود الزور التعساء وفي مقدمتهم معمر القذافي فماذا نتصور؟. وليت الوحدة نجحت وأزدهر اليمن بموجبها وتمكن من حماية نفسه من مجرد شرذمة داخلية إسمها الحوثية.
وحدة الهروب اليمنية كانت في بدايتها مع الفارق الكبير مشابهة لنهاية الهروب الفوضوي العبثي المهين للقوات الإمريكية من كابل بسبب حماقة السياسيين في البيت الأبيض ليسجل التاريخ انهيار المشروع المتسرع الذي كانت بدايته خاطئة ومبرراته سيئة ونهاياته فشل ذريع في عام 2021م، وما الفرق أصلًا بين صنعاء وكابل؟!، لا شيء غير أن واشنطن أو طهران القاسم المشترك. وما الفرق بين جو بايدن وعلي صالح والخامنئي؟!. الفرق نسبيّ يكمن في مستوى الحماقة واتخاذ القرارات الخاطئة وفي أن لدى بايدن مستشارين حزبيين وجنرالات محترفين هم من يضع الخطوط الحمراء للرئيس. والمضحك أن زعيم الوحدة اليمنية الراحل قارنها مرارًا بالوحدة الألمانية، وطالب بعبور جيشه صحراء سيناء لتحرير فلسطين!.
ليس لأحد حق التدخل بشأنه الداخلي غير أهل الأرض من الجيران المحترمين فيما يخص تقرير مصيرهم وبأي شكل يؤول إليه كيانهما السياسي المتنافر، وسواء بقي اليمن بشكله الفوضويّ الوحدويّ الحاليّ المعترف به دوليًا مع بقاء الجنوب بقضيته المعروفة الشائكة والخطيرة إذا لم تُحل سلميًا، أو حتى رغب الجميع الاستمرار تحت علم جمهورية علي صالح اليمنية الخمينية الإخوانية، فهذا شأنهم، لكن وبلا شك أن الخيّرين المحيطين بهم والصادقين معهم يرجون لهم الخير والنماء والاستقرار وقراءة العالم ومتغيراته بعقل وحكمة ونزاهة وواقعية.
إن الأحداث الجارية ونهاياتها المحتملة علاجها ليس بالتغافل بل بالتنبيه والتحذير الصادق. وبألم هناك من المعطيات ما يجعل المرء وجلًا جدًا لمستقبل هو الأسوأ بعد حالة الانقلاب الحوثي ومشاركة الحركة الحوثية بالحكم مع الإخوان وأيتام المؤتمر الشعبي العام. ومن هنا أتمنى على الجنوبيين تحديدًا قراءة وتوقع انعكاسات أي خلاف داخلي جنوبي نتيجة للأطماع الشخصية والنزاعات المناطقية، فالمسألة هنا تتعدى الاستقلال الذي يطالبون به ويعتمد على توحيد موقفهم نحو الهدف، إلى وضع خطير وحروب ستدور رحاها في محافظاتهم حينما يتخندق بعضهم من حيث يدري أو لا يدري أنه خندق الحوثي الخميني والآخر من حيث يَعلم أو لا يَعلم أنه بخندق صديق الحوثي وشريكه تيار الإخوان العالمي الخبيث. وهاذين الخندقين تحت الحفر والإنشاء حاليًا وبتمويل ورغبة أجنبية وعلى القادة والمثقفين الجنوبيين إحباط ذلك بحكمة وبمنطق المسؤولية التاريخية وبتجهيز قيادات متعلمة وواعية من الشباب الواعي.
أما المحترمين في الشمال فليس هناك أيّ احتمال سيء مغاير للواقع القديم المعروف وهو أن لدى الغالبية ضامن مشترك عقدي مذهبي قبلي يوحدهم ضد جيرانهم بمن فيهم الجنوب، ولدى أهم قياداتهم ومشائخهم “مع الاحترام” ثقافة سياسية ثابتة تعتمد على رفض قيام دولة مركزية قوية بمؤسسات وأنظمة حديثة تضبط الدولة وتحكم الجميع بالعدل وتمنع الفساد وتبني المحافظات وتنهض بالمواطن، وهذا أحد أهم أسباب تشبثهم بالجنوب وسبب رفض الجنوبيين لوحدة افقرته. والمُقلق ألّا يستطيع القادة في الشمال وفي الجنوب قراءة المتغيرات جيداً بالداخل والخارج.
الخلاصة: يوجد قادة شرفاء وطنيون وفاعلون كُثر في الجنوب وفي الشمال وباستطاعتهم الجلوس لوحدهم بالرياض أو على ظهر سفينة بعرض البحر منزوعة السلاح حتى الأبيض، لحل جميع قضاياهم بمنطق وشجاعة وبمسؤولية وحكمة، وهذه الحلول في المتناول وقواعدها متوفرة، وإن لم يفعلوا ذلك فستشتغل مدافع الطرفين ربما في عام 2023م لتقضي على الأمل. هذا رأي مواطن سعودي لا يمثل غير رأيه وسبق أن توقع ما يجري هناك حاليًا ويخشى من حرب مختلفة قريبة ما بعد مرحلة الانقلاب الحوثي.
لكم علينا قول الصدق بإخلاص شديد وشفافية متناهية. وعليكم التفكير بمستقبل أجيالكم وأرضكم ودعونا نهتم بالتنمية وبناء المدارس والجامعات ومحطات الكهرباء ولقاحات الأطفال على أرضكم المحتاجة شمالًا وجنوبًا
عبدالله غانم القحطاني
لواء طيار ركن متقاعد / باحث دراسات أمنية واستراتيجية