شخصيات وطنية مؤثرة ومعروفة في مجتمعنا السعودي لكنها مبتعدةً عن الأضواء ومظاهر البروز الإجتماعي المفتعل. أحد هذه الشخصيات هو معالي الفريق الأول فيصل بن عبدالعزيز بن لبدة. ولحسن الحظ لن أجد صعوبة في معرفة تفكير ونهج ومبادىء هذا المواطن والقائد الحكيم بطبيعته. عرفته منذ دراستي بالصف الثاني المتوسط زميلاً لإبنه الصديق المحترم عُمر بمتوسطة حي الشفاء بالرياض وحينها كان والده الفريق نقيباً بالحرس الوطني. هذا الرجل بصدق وحيادية يُعتبر مدرسة في المحافظة على المبادىء العربية والإسلامية ويمتلك حس وطني معروف، وولاء مطلق لقيادته العليا بشكل يثير الإعجاب والثقة، ومن يعرفه يلمس ذلك ويرى تأثيره على محيطه من الناس وعلى زملاءه ومرؤوسيه، وبحق هو خلال مسيرته العملية والإجتماعية يعتبر قدوة للرجال والموظفين والشباب بالأقوال التي تصدقها الأفعال في ميدان العمل العسكري والأمني وفي الحياة العامة بوسط مجتمعنا الكبير المترابط.
هو من عائلة معروفة وفيها مشيخة أحد أكبر القبائل السعودية وهي قبيلة آل سعد القحطانية، حيث كان والده المعروف عبدالعزيز أميراً لها ثم إبنه الشيخ نايف بن عبدالعزيز والآن الشيخ بندر بن عبدالعزيز بن لبده.
أبو حمود “الفريق” شخصية واثقة منذ نشأته، شق طريقه بشهامة وعصامية وبعمل جاد. صحيح أنه لا يحب المديح ولا الحديث عن أعماله ومواقفه كجندي خدم وطنه منذ نعومة أظفاره، ولم يفاخر يوماً بمكانته لدى قيادته ولا عن حجم الثقة الملكية والإحترام التي نالها وهو أهل لها، لكن نحن اليوم أمام أجيال من الشباب الحديث وفي زمن مختلف ويحتاجون لمعرفة شيء من سيرة رجال بلادههم وصفاتهم وتضحياتهم التي قدموها خدمة لبلادهم ودينهم وقادتهم ولأجل مستقبل أجيالهم.
صحيح أن صروف الأيام ومتغيرات الحياة تؤثر أحياناً في سلوك ومفاهيم البعض وفي تعاملاتهم وعلاقاتهم مع الغير، لكن هذا الرجل تضيف له سنوات العمر ومتغيرات الحياة مزيداً من الثبات والمصداقية والتواضع، لم يتغير ولم ينسلخ عن ماضيه ولم يتنكر أبداً لما يؤمن به كإنسان وكمقاتل، وكأب لعائلة وكجزء من مجتمع تحكمه قواعد إجتماعية وعادات قبلية تحتاج للحكمة والتوازن وبعد النظر. لم يجامل يوماً أحداً على حساب سمعة وأمن بلاده وقادته ولم يضع نفسه في غير مكانها الصحيح المفترض. لا يؤمن بالعلاقات العامة والخاصة ولا بالقبلية التي تسودها المظاهر والمبالغات والتزييف أو الخروج عن قِيم العرب الأصيلة ومبادىء الدين الحنيف وعن المنطق الإنساني المعتدل. يقدم مصلحة العمل على أي جانب دنيوي، شديد الإحترام للوقت والأنظمة والقوانين، ينام مبكراً ويصحو مبكراً، وطوال خدمته العسكرية وهو يباشر عمله قبل بداية ساعته الأولى.
تعلمت منه كغيري تواضع القوي وحكمة الصمت وكيف تكون الشجاعة العاقلة سلاح فعّال في المواقف الصعبة، أما الوفاء فهو مبدأ في كيان وشخصية معالي الفريق وفي إخوانه وعائلتهم، وهنا نموذج وفاء قديم وفريد يتجدد، حيث بدأت علاقات الصداقة الوثيقة ثم الإنصهار والتكامل بين عائلتنا وهذه العائلة المحترمة في عام 1379هـ تقريباً، عندما التقى عميد أسرتنا العم الكريم علي بن عبدالله العابسي “سلمه الله” مصادفة بوالد معالي الفريق، وهو الشيخ عبدالعزيز وابنه الشيخ نايف بن عبدالعزيز بن لبده في الرياض، ومنذ تلك اللحظة ونحن عائلة واحدة ذات روابط متشعبة وراسخة، لم تغيرها المؤثرات ولا طول المسافات ولا تباعد الزمن ولا حتى تقدم الأعمار، الجميع يتشارك بكل شيء ممكن ويقف مع الآخر في كل الأحوال من منطلق الوفاء، ولا شيء آخر غير هذا الوفاء.
سمعت أبو حمود مراراً عبر عقود من الزمن وهو يوجه من حوله بالإخلاص في العمل ووحدة الكلمة خلف قيادة المملكة والبعد عن كل مايخدش قيمة الإنسان ومروءته ووطنيته، رأيته يتجاهل وينصرف عن أي موضوع سلبي وكأنه لم يسمعه.
شكراً لمعاليه ولكل من خدم قيادتنا وبلادنا وأفنى عمره وفاءً للقسم العظيم ولسيرة ألآباء والأجداد.
شقيقه الأكبر الشيخ الجليل المعروف نايف بن لبده “عافاه الله” يقول عن أخيه الفريق البطل:
ياجعل يسلم من جلى عني ألهم
لا كادني حملٍ يشيله ونا أرتاح
أبو حمود اللي لنا جعل يسلم
ماحسَّب اللي جاه من كثر الأرباح
ماحاش بين يديه يقول لي سم
ماهو بمفلول على خوه شحاح.
تحية اعتزاز للمواطن الوفي والقائد الشجاع المتواضع أبو حمود، الذي لا يزال واقفاً بشموخ الرجال وصلابة الجبال، وحفظ الله قيادتنا السعودية العليا المباركة التي منحته وزملاءه الأوفياء الثقة وشرف المكانه وصنعتهم لخدمة دولتهم وشعبهم الوفي.