في حي صلاح الدين بين محلات الإنارة والأثاث ومع صخب مطاعم تبحث عن أصوات بطوناً جائعة تطمح لإسكاتها، تشنف الآذان موسيقى “عمر خيرت” القادم من مكتبة “سلوى” التي تترقب من يدخل بابها الخشبي ذو اللون الأزرق من زبائن معتادين أو مثقفين أو طلاب جدد أو من عشاق الفكر والمعرفة المولعون بالورق وقبل الدخول إلى المكتبة ستقع عيناك على هذه العربة.
عربة بيضاء محملة بكتب مختلفة وضعها زوار مروا هنا، بفكرة مفادها خذ ما أردت من الكتب وضع بدله كتاباً آخر، مطابقةً لمقولة ” أن القارئ لايسرق “.. قاومت هذه المكتبة واقع تحولات على مدى ثلاث عقود متتالية تكبدت فيها قساوة ظروف جعلتها تقاوم ببسالة كي تصل لما هي عليه الآن من تسيدٍ وحضور في المشهد..
واقع مرير وعوامل تجارية لم تنج منها مكتبات أخرى كانت بحجم أهمية ” سلوى” الاطروحة سابقاً لم يكتب لها النجاة أو التجدد ..
فمن يتجول في الشارع يمكنه أن يلاحظ عدد اللذين يتوجهون نحو المطاعم والمقاهي المجاورة ويقارن عدد الداخلين إلى المكتبة.
تعرض مكتبة “سلوى” كتباً بلغات عدة في الرواية والأدب والفكر والفلسفة والسياسة والدين ومجموعة كتب نادرة ضخمة تهم الدارسين والباحثين.
استرجعت أحاديث كثيرة مع مدير مكتبة سلوى الأستاذ أحمد الخلف وتساءلت عن تاريخ وجود المتجر مروراً بأحاديث عن أهمية المكتبة، وأنواع زبائن دخلوا المحل كغيرهم لكنهم لم يخرجوا من الباب إلا وهم أصحاب هذا المكان وأعني هنا الأستاذة سلوى المنصور ..
والتي كانت لها اسهامات تستحق أن تروى وجهداً دؤوباً لإعادة إحياء المكتبة وانعاشها وهذا مافعلته حقاً حتى صار مادة جميلة تستقطب الجمهور من وسائل التواصل الاجتماعي عبر “تويتر” و ” التيك توك” و ” الانستقرام” أيضاً..
وهذه هي النماذج التي يحتاجها المجتمع للنهوض به و يراهن عليه ومن يجعل للمكتبات عمر بقاء آمن مستدام ..
٣٣ عاماً من الوجود
تعتبر مكتبة “سلوى” مكاناً ارتبط بأجيال متعاقبة بين طلاب وباحثين وكتَّاب مروا بها، إذ يعود تاريخ وجودها إلى عام 1990 ميلادي..
خاضت فيها المكتبة تحديات جمة وأزمات كانت ستنهي وجودها أو تؤول بسبب الظروف لمطعم وجبات سريعة على أقل تقدير أو مكان يمارس فيه أي نشاط آخر إلا الثقافة..
كواقع مكتبات عريقة اضطرت لذلك وأغلقت تماماً أمام الزوار أمثال مكتبة “العبيكان” و “دار السلام” في الرياض، بالإضافة لمكتبة ” المؤيد والثقافة” في الطائف و ” المأمون” بجدة على سبيل المثال لا الحصر
حيث أصبح واضحاً للجميع أن المكتبات هي من يدفع الثمن أولاً إزاء أي تغير اجتماعي أو اقتصادي، وكأنها الحلقة الأضعف في مجتمعاتنا العربية..
جدير بالذكر عدم إغفال الجهود التي بذلتها وزارة الثقافة من خطط لمبادرات تعزز دور المكتبات لكن الواقع له رأي آخر مؤكد في كل مجهود يبذل أن المردود الفعلي ضئيل لأسباب نعلم بعضها ونجهل الآخر..
فالمواطن السعودي رغم تطور معيشة يشهدها ورقي ثقافي لا زال فاقداً لشهية القراءة زاهداً بالمطالعة غير آبهٍ لكسله المعرفيّ
في وقت تحولت فيه القراءة إلى أمرٍ ترفيهي أكثر من تعليمي، أمام منطق ربحي يفرض نفسه وجيلاً جديداً يفضل التصفح الالكتروني أكثر من القراءة الجادة ، حيث يقع اختيار الكتب عشوائياً إن اكتسب شهرة رغم تفاهته ما أثر في المقروئية و المشهد الثقافي برمته، يعتقد الناس أن أصحاب المكتبات هم من يقرر التوقف عن النشاط أو أنهم يسعدون لنسف محالهم ضاربين برغبة العملاء ومريدوا المكان عرض الحائط، متناسين الظروف والمعطيات التي يكابدونها غير مدركين أن لهذا المكان تكاليف مادية من ثمن تأجير المكان وشراء الكتب ثم بيعها وتسويقها..
بالتالي فإن دوامها يظل مرتبطاً بشراء الكتب ولذا من الواجب أن نكون مدركين أهمية هذا الأمر..
في حقيقة الأمر كنت اتساءل عن كيفية تعامل دول أوروبا و أمريكا واليابان مع ثورة الكتب الرقمية؟
ما لذي جعل المكتبات عندهم تصمد ولا تنتهي أو يتم تشييعها وإغلاقها مثلنا؟
بل أن المكتبات هناك لها ثبات تستمده من المجتمع وثقة يصعب انتزاعها وشعبية جعلتها تتواجد في كل المراكز التجارية، تقف بثقة إلى جانب أفخم المطاعم و أشهر محلات الملابس لأنها لا تقل أهمية، تتواجد أيضاً في كل مركز تجاري داخل ألمانيا، خلاف وضع المكتبات في بلداننا العربية، فإغلاقها ليس علامة تقدم وتطور بأننا أصبحنا نستخدم الشبكة العنكبوتية لجلب الكتب، بل مرحلة تدق نواقيس الخطر لمرحلة ما بعد احتضار المكتبات وموتها ؟!
بقلم✍🏻أريج الشمري