جالساً بشموخ أرضٍ قدم منها لم يكن يتأمل وجوه العابرين بل يتفرسها ما جعل فضولي يستوقفني لأستوعب حجم هذا الرجل الذي حمل على عاتقه أجيالاً و كان لطلابه الجبل الذي يعتصمون اليه..
حتى في ظهوره الإعلامي الذي لا يرغبه وجدته دقيقاً مرعباً وكأنني وقعت في فخٍ لم أتخيله، بطّن لي شعور ألا رغبة له في التحدث مسبقاً وأظهر خلاف ذلك بسؤال:
جهزتي الأسئلة؟
لم أكن قد دونت شيء عدا سؤالين كانا حبل نجاة لي
وسؤالي الثاني الذي يعيده للخلف إلى أن التقط أنفاسي وأباغته بأخرى وفعلاً هذا ماحدث..نجوت
جعل المدرسة من هيكل بناء جامد إلى فضاء منتج يَحتضن مخاوف ابناءه، يرممهم فِكْراً وأخلاقاً بإيمان أن المعلم هو العنصر الفاعل والركيزة الأساسية في العملية التعليمية برمتها..
كان لطلابه الأب الداعم ولهذا هم لايرونه معلماً فقط بل الأب الثاني والحقيقي لهم، الأمان الحضن البيت.
فلا وجود لبيئة اجتماعية بلا أفراد ذوو ذهنية حاضرة تعي حجم تأثيرها وتتمتع بامتيازات أخلاقية واعية، قادرة على تحويل المدارس من مصدر معرفة تقليدي ثابت بقالب واحد إلى هيكلة فاعلة لتغيير الطلاب وحمايتهم من بيئة معاشة جاؤوا منها منهكين فاستقبلهم الأستاذ الشملاني مؤكداً أهمية كل طالب فيهم مُشكلاً باحتواءه لهم هوية معنى وجوده الإنساني أولاً ومدى حاجة المجتمع لهم وجدواهم الذي يراهن عليه ثانياً..
لم يكن كباقي المعلمين الذين ينظرون للتلاميذ كقوالب جاهزة لم يؤذهم بأحكام مسبقةٍ ظالمة، بل مستوعباً للابعاد النفسية والمفضية لخنق الذات العميقة في كل طالب، حاول إبراز نقاط الخلل معالجتها وتصحيحها ..
وتحويلهم من الكمون والضعف إلى التمتع بقدرات كاملة انتزع كل مايعيقهم عن التعليم ساندهم، وتكفل بالطلاب الأيتام والمتأخرين دراسياً كان إلى جانبهم حتى جعلهم من خيرة الطلاب ومصاف المتفوقين، حفزهم للانتاج المستمر بوعي متناه وصبر لم يعد موجوداً بأولياء الأمور الآن..
نتكلم هنا عن الأستاذ سطام الشملاني والذي تم تكريمه من خلال برنامج ” كفو” المهتم بالشخصيات المؤثرة والذي انتشر مقطع تكريمه في مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة، وصف المشهد المتداول بالمؤثر والجميل وذلك تقديراً لدوره وبذله ونظير عطاءه الذي لم يتوقف ليست مبالغة بل هي حقيقة هذا الرجل، كلام الطلاب وأهاليهم اللذين يشهدون لاستحقاقه هذه الكلمة وهذا الاحتفاء..
-ويبقى السؤال عن هذا الرجل المحتفى به من هو؟ كيف كان شعوره وخطة استدراجه للتكريم، حدثنا عن هذا أستاذ سطام؟
في البداية شكرا لك أستاذه أريج هذا اللقاء والذي أتمنى من الله أن أقدم فيه ما يفيد، أنا معلم محترم أحاول أن أحقق بطلابي ما لم يتحقق بي، أعمل معلم في مدارس الهيئة الملكية بالجبيل منذ عام 2003 وإلى الآن، كان تنسيق فريق الإعداد في البرنامج قائم على أنهم في طور تأليف كتاب اسمه ( شخصيات ملهمة ) وأنهم اختاروا اسمي من ضمن تلك الشخصيات وبناء على ذلك أخبروني بأنه سوف يكون هنالك جزء من هذا الكتاب يتحدث عني وعلى هذا الأساس طلبوا مني أرقام من هم حولي سواء من الأسرة أو الصحاب أو الزملاء وأيضا أولياء الأمور ليشتركوا في كتابة بعض المعلومات عني وزدتهم بتلك المعلومات وبعد فترة شهر تقريبا أخبروني بموعد اجتماع لوضع اللمسات الأخيرة على الكتاب وحضرت في الموعد وكانت المفاجأة بتكريمي كما ظهر لكم بطريقة جميلة جدا.
– شحذ همم الطلاب يسهم في الارتقاء بالعملية التعليمية وتنعكس على الطلاب وأخص هنا فئة المراهقين لابد أنك واجهت من هو صعب المراس كلمني عن الالية المتعبة من جهتك؟
تكمن الصعوبة في التعامل مع بعض الطلاب والجهد الأكبر يكون بكسر حدود العلاقة بين المعلم والطالب فذلك الجمود الذي يكون عليه الطلاب هو أهم المعوقات التي تقف أمام نجاح كل معلم ومع هذا فقد نجح مع الجميع ولله الحمد
– مرحلة انتقالية في حياتك صقلت لنا هذا الرجل الذي نراه الآن؟
المسؤولية بإمكانها صقل الشخصية وإدخالك في معترك الحياة العملية الحقيقية والتي تقف فيها على المحك فإما أن تتجاوز تلك الصعوبات وإما أن يكون الفشل مصيرك وبما أني محب للنجاح نجحت بعد توفيق الله
– أصعب حالة مررت بها مع أحد طلابك ؟ وما كانت نتائجها!
جميع الحالات التي تعاملت معها كانت صعبة للأمانة وتم تجاوزها ولله الحمد لأني أجيد صناعة الإنسان لاسيما على صعيد الشخصية ناهيك عن الجانب التحصيلي
– هل لديك أبعاد في كتابة ما تواجهون كمعلمين من تجارب يستفاد منها، قصص، أحداث العنف الدراجة في المدارس، خبرة كل ما مررت به وتوظيفه؟
للأمانة أتمنى أن يكون هنالك عمل مكتوب يشتمل على كل ما يمس ميدان التعليم وما نواجهه من إشكاليات تجاه بعض الحالات والتي تمت معالجتها ولله الحمد فالميدان التعليمي مليء بقصص النجاح التي تستحق أن ترى النور .
– سبب رفضك للظهور الاعلامي ألا تحب أن يكافئك الله لما عملت وغرست من عمل صالح ، سعيت جاهداً لإخفائه لكن الله أظهره؟
مهنتة التعليم ربما هي المهنة التي لا ينتظر المعلم أو المعلمة من ورائها الظهور أو الوصول لأنها تتعامل مع الأشخاص بشكل مباشر وهي شاملة لجميع جوانب الشخصية سواء الجانب التحصيلي أو التربوي أو السلوكي ومن ينغمس في هذه المهنة لاينتظر بل لا يسعى للظهور لأنه يعمل على تقوية الرابط بينه وبين الله سبحانه وتعالى من خلال مراعاته في تنمية هذا النشء .
– ما الذي تغير في حياة الأستاذ سطام بعد تكريمه من برنامج ” كفو “؟ إيجابية هذه النقلة أخذتك إلى أين؟
هذا البرنامج أتى كالسيل الذي لا يُصد للأمانة وقد أظهر لي أن الخير قائم بين الناس فالكثير تواصوا معي وأظهروا فرحتهم وسررت كثيرا بدعواتهم الطيبة ناهيك عن تكريمي من قبل القيادات في المنطقة أو في التعليم وهذا الأمر جعل على عاتقي مسؤولية ما سوف أقدمه وهذا لا فضل لي فيه بل هو واجب علي تجاه هذا الوطن الذي قدم لنا الكثير ويستحق منا الأكثر .
– أمور تتمنى تغييرها في المؤسسة التعليمية أو تحديثها وتطويرها ؟
العملية التعليمية في المؤسسات التعليمية ولله الحمد متكاملة ولا ينقصها شيء
– يقولون أن فاقد الشيء لا يعطيه وأنا أخالف هذا المثل، ما الذي فقدت وجعلك بكل هذا العطاء!
فاقد الشيء قد يعطيه وبأعلى مستوى خصوصا فيما يتعلق بالجوانب الإنسانية والتي حث عليها ديننا الحنيف كالابتسامة مثلا والتطوع وتقديم المساعدة والاحتواء وغيرها مما يمكن للإنسان تقديمها وإعطائها حتى وإن كان يفتقد البعض منها .
– معلم لن تنساه خلق فيك بصمة وصنع الأثر؟
للأمانة الكثير ممن تتلمذت على أيديهم لهم الفضل بعد الله ولكني لا أنسى الأستاذ مصلح العنزي والأستاذ زعل العنزي فلهم بعد الله الفضل في صقل الشخصية لدي خصوصا فيما يخص طريقة التعامل بين المعلم والطالب
– تكلمت عن الواسطات في إحدى تغريداتك ما أثار اعجاب الكثير، هل لمست تغيراً في هذا المشهد؟
في الحقيقة باب الشفاعة أو ما يسمى بالواسطة يكون مفيد وفي جوانب الخير ما لم يمس أحدا ولم يكن سببا في منح الفرص لغير مستحقيها
– كلمة أخيرة ترغب في توجيهها، حلم أو أمنية على نطاق إنساني و تعليمي أو أي نطاقات أخرى ؟
المعلم هو فرد من أفراد الأسرة ولايختلف دوره عن دور الوالدين لاسيما فيما يخص التربية وتعديل السلوك ناهيك عن الجانب التحصيلي للطالب أو الطالبة وكلما قويت العلاقة بين البيت والمدرسة كلما كانت النتائج جيدة سواء في الجانب التحصيلي أو السلوكي
وختاما أقول أننا في هذه الحياة مجرد أسماء وأجساد فالدنيا ممر عبور لذا فلنحرص على الأثر الذي نغرسه في كل شيء فهذا الأثر هو الذي سوف يبقى بعدنا ففي النهاية نحن سنزول ويبقى الأثر. أشكر صحيفة الرأي على هذا اللقاء .