سألوه بعد نهاية المعركة، لماذا لم تنسحب وأنتم محاصرين. فقال مكلف أنا بالحماية فكيف أنسحب!، فسألوه وإلى متى كنت تريد البقاء بموقعك، فقال إلى الموت.
من أرضنا، من السعودية الغالية، من جبالها والسهول، من تهامتها وسرواتها، من صحاريها العظيمة، من سواحلها الشرقية والغربية، من وسطها العظيم وشمالها الأشم، ومن جنوبها الغالي، سعوديين مقاتلين خاضوا جميع المعارك العربية لأجل فلسطين. دفاعاً عن غور الأردن، وسيناء مصر ، وجولان سوريا، وحرية لبنان. رموز وطنية. نجوم لا تغيب في سماء المجد تتلألأ. مجاهدين، مقاتلين، فدائيين. بأمر قيادتهم العليا لا يتأخرون للحظة واحدة حينما يطلب الأخ والجار نجدتهم ووقوفهم بجانبه، سريعاً ينضمون لقوات الأشقاء، وفوراً يشتبكون مع العدو دفاعاً عن الحق. النصر هدفهم، والجهاد في سبيل الله غايتهم. ولاءهم لله تعالى، ثم للملك الذي عاهدوه على السمع والطاعة، والوفاء بالعهد والقسم على القرآن العظيم بتحقيق النصر أو الشهادة. وقد فعلوا. ولا يزالون في رباط للدفاع عن المملكة ومقدساتها. وصدق الله العظيم القائل:
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)الأحزاب.
رحمك الله معلمنا الجندي السابق، البطل المقاتل الرامي، رئيس الرقباء ابراهيم بن أحمد آل مشعل العسيري، الذي غادرت حياتنا بتاريخ 1446/2/10هـ بعد جهاد طويل ..
خلال حروب الإستنزاف التي شنتها إسرائيل على كافة الجبهات العربية وقفت المملكة بجيشها مع دول الطوق. طلب الملك حسين بن طلال من الملك فيصل بن عبدالعزيز الدعم لمواجهة عدوان إسرائيل، فاصدر الفيصل أمره للقوات السعودية بالتوجه فوراً للاردن والإنضواء تحت أمرة الجيش العربي الأردني، وضمن القوات السعودية كان الجندي العسيري مكلفاً بحماية الوحدة في معركة غور الصافي، ومهمته كانت حماية الوحدة، رامياً على منظومة الرشاش عيار 50 ، يقول رحمه الله، خلال الليل هاجمهنا العدو الإسرائيلي وحاصر موقعنا، وجاء الأمر بتغيير الموقع لخطورة الموقف. لكن المقاتل العسيري البطل أصر على البقاء في موقعه مدافعاً عن مسؤوليته. واستمرت المعركة لأكثر من عشرين ساعة، انتصر فيها الجيش الاردني الشقيق. معركة الكرامة . معركة غور الصافي .
في كلية الدفاع الوطنية الملكية الأردنية، عام 2012م، في القاعة الهاشمية قال الجنرال الأردني المعلم ظاهر محمد الطراونة أمامنا نحن الدارسين، لقد أختلطت دماء السعوديين مع أشقاءهم الأردنيين في مشهد عظيم لن يزوال من أذهاننا ومن سجلات التاريخ العسكري.
وقبل يومين تذكرت كلام معلمنا الجنرال أبو محمد الطراونة، حينما أخبرني مشكوراً ،الرائد مظلي صاعقة علي بن محمد عايض آل كدم برحيل أحد أبطالنا، المقاتل الشهم الوفي ابراهيم أحمد العسيري رحمه الله.. الذي كتب عنه مشيداً ببطولته قائده الأردني العقيد الركن محمد سعيد جمهور 1969م، ونشرت عنه حينذاك الصحف الأردنية وعن شجاعته ودوره العظيم في المعركة. أتصل الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي سائلاً عن الجندي وأمر بترقيته.
وداعاً أبا أحمد. ما أروعك وزملاءك..