قال السفير السعودي السابق في لبنان، علي عواض عسيري، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، إن حزب الله لم يعد قوة رئيسية في الساحة اللبنانية، مشيراً إلى أن الأزمة الأخيرة أبرزت التضامن الوطني بين الطوائف المختلفة
وفي حديث مفصل حول الأزمة اللبنانية المعقدة، تحدث السفير آل عواض عن الأزمات الراهنة التي تواجه لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بدور “حزب الله” وتصاعد التوترات مع إسرائيل. عسيري أكد أن “حزب الله” اليوم يواجه تحديات كبيرة بعد خسارة العديد من قياداته في الحرب الأخيرة. مشدداً على ضرورة أن يعيد الحزب النظر في أولوياته وسياساته لمصلحة استقرار لبنان واستعادة أمنه الداخلي.
ومن المفارقات أن اتفاق الطائف الذي أرسى قواعد الوفاق اللبناني (ولو شكلياً) على النحو القائم اليوم بعد الحرب الأهلية؛ عادت الأطراف المعادية له أخيراً ترى فيه ولو من طرف خفي “طوق النجاة”، هو والاتجاه العربي الأشمل الذي كان رجل الدين الشيعي البارز موسى الصدر أحد رموزه، الذين يقال إن أتباعه انحرفوا عن مساره، بالانحياز للمقاربة الإيرانية بدلاً من العربية التي ينادي بها.
و أشار آل عواض إلى أن الحزب، الذي يعد قوة رئيسية في الساحة اللبنانية، بحاجة إلى إعادة تقييم موقفه في ظل الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تكبدها. وقال “لقد خسر حزب الله الكثير من قياداته، ومعاناة اللبنانيين اليوم لم تعد مقتصرة على الصواريخ، بل طاولت آلاف الأبرياء الذين هجروا من ديارهم بسبب هذه الحرب. لقد حان الوقت أن يعيد الحزب النظر في سياساته السابقة، وأن يجعل مصلحة لبنان أولاً وأخيراً.”
وفي هذا السياق، دعا آل عواض الحزب في حديثه مع “اندبندنت عربية” إلى التصالح مع جميع الأطياف اللبنانية، مشيراً إلى أن الأزمة الأخيرة أبرزت التضامن الوطني بين الطوائف المختلفة. وأضاف: “ما شاهدناه خلال الأزمة من احتضان الطوائف اللبنانية لأبناء الجنوب النازحين وإيوائهم في منازلهم، هو رسالة واضحة للحزب ومؤيديه بأن اللحمة الوطنية لا تزال قوية، وأن الوقت قد حان لإعادة بناء جسور الثقة بين كل الطوائف اللبنانية.”
وأشار السفير إلى أهمية فصل المسارين اللبناني والغزاوي في الصراع مع إسرائيل، مشدداً على أن استمرار الربط بينهما قد يطيل أمد الصراع في لبنان. ورجح أن “إسرائيل تسعى لتحقيق منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان، وإذا لم يتم فصل مسار لبنان عن غزة، فإن الحرب قد تستمر لأجل غير مسمى. وقف إطلاق النار وفصل المسارين ضرورة لإعطاء لبنان فرصة للعودة إلى الاستقرار.”
وتحدث السفير عسيري عن أهمية انتخاب رئيس جديد للبنان قادر على إدارة البلد في هذه المرحلة الصعبة. وأوضح: “لبنان بحاجة إلى رئيس يستطيع التواصل مع جميع القوى السياسية وإدارة البلد بحكمة. يجب الدفع باتجاه انتخاب رئيس جديد فوراً، رئيس يتفوق في الكاريزما والحنكة السياسية، بخاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان.”
وشدد عسيري على ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط، معتبراً أن هذه الحكومة ضرورية “حتى تتمكن من إنقاذ لبنان والعمل على استقراره في هذه المرحلة الصعبة.”
أشار السفير إلى أن تعزيز دور الجيش اللبناني هو من الأساسيات التي يجب تحقيقها لضمان استقرار البلد وتنفيذ القرارات الدولية. “الجيش اللبناني هو المؤسسة التي يؤمن بها جميع اللبنانيين، ولديه القدرة على حماية البلاد إذا تم منحه السلطة الكاملة وتوفير الدعم الدولي اللازم.”
وأكد أن المملكة العربية السعودية والدول الكبرى مثل فرنسا تقف بجانب لبنان لدعمه، مضيفاً: “إذا تم دعم الجيش اللبناني بشكل مناسب، فسوف يتمكن من لعب دور أساسي في حماية الحدود وتنفيذ القرار 1701 بفعالية.”
وأضاف عسيري أن ما تمر به البلاد اليوم يستدعي من “حزب الله” أن يضع مصلحة لبنان فوق أي انتماء آخر. “ما نراه اليوم من تهجير وقتل للأبرياء يضع على الحزب مسؤولية كبيرة للتفكير في مصالح لبنان واللبنانيين، بعيداً من أي أجندات خارجية.”
أين السعودية مما يجري؟
أكد السفير أن الرياض كانت ولا تزال حريصة على دعم لبنان في كل مراحله، مشيراً إلى أن المملكة لم تميز يوماً بين اللبنانيين بناءً على طائفتهم أو انتماءاتهم السياسية. “المملكة ساعدت في إعادة إعمار لبنان بعد حرب 2006، وبنت 36 ألف منزل في الجنوب، معظمهم من الطائفة الشيعية. لا تنظر المملكة إلى لبنان من منظور طائفي، بل تراه وطناً وشعباً واحداً.”
وفي ختام حديثه، وجه عسيري رسالة واضحة إلى “حزب الله”، داعياً إياه للعودة إلى لبنان ومصالحه. “حان الوقت لحزب الله أن يعيد التفكير في دوره وأن يتصالح مع أبناء وطنه. على الحزب أن يكون جزءاً من الحل وليس من المشكلة، والعمل لمصلحة لبنان ككل.”
وختم السفير قائلاً: “إذا لم يتحقق ذلك، فإن الوضع في لبنان سيظل صعباً ومعقداً، وقد يستمر النزاع إلى ما لا نهاية. لكنني متفائل بقدرة اللبنانيين على التوصل إلى تسوية وطنية تعيد الاستقرار إلى البلاد وتفتح صفحة جديدة في العلاقات بين جميع الأطراف.”
وفي ضوء حديث السفير علي عسيري، يبرز دور نبيه بري كعامل مهم في توازن القوى السياسية حيث أن بري بحنكته السياسية الطويلة، يلعب دور الوسيط بين مختلف الأطراف اللبنانية وتعويض فراغ “حزب الله”، خصوصاً في مرحلة الانقسام الشديد. ويعتبر بري داعماً للاستقرار عبر مساعيه لتقريب وجهات النظر، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات تتعلق بإعادة هيكلة العملية السياسية ضمن إطار الحلول الوطنية.
ويشير السفير آل عواض إلى أن بري بإمكانه أن يكون حجر الزاوية في عملية انتخاب رئيس جديد للبنان، بالنظر إلى نفوذه الواسع في البرلمان، مما يجعله شخصية رئيسية لتحقيق التوافق بين القوى السياسية.