في زوايا الحرف اليدوية حيث تمتزج أنفاس الخشب برائحة الإبداع، تبرز قصة امرأة لم تتعلم فقط فن النجارة بل جعلت منها أداة لتغيير واقع اجتماعي بأكمله. لم يكن عشقها للأثاث مجرد هواية طفولية، بل بذرة نمت بين أناملها الصغيرة لتصبح شجرة وارفة، تظلل بأغصانها طموحات النساء الراغبات في تحقيق آمالهن في مجتمعاتنا. من هناك، من الورشة البسيطة التي كانت تراقب فيها والدها، إلى تأسيس مبادرات مجتمعية شملت قرى نائية، وفتحت أبواب الأمل للفتيات العاطلات. إنها ليست مجرد قصة تصميم أثاث، بل حكاية طموح لا يعرف الحدود، ويد تمتد لتصنع تغييرًا لا يُمحى من الذاكرة.
-. بدايةً، أخبرينا عن نفسكِ، كيف بدأتِ رحلتكِ في مجال التصميم وتصنيع الأثاث؟ وما الذي دفعكِ لاختيار هذا المجال بالتحديد؟
البداية كانت من الطفولة حيث كنت أحب أن أشاهد والدي في وقت فراغه والذي كان يعمل في القطاع العسكري ويصنع بعض قطع الاثاث ويتعامل مع الخشب بكل خفه وإبداع فتعلمت منه هذه المهنة الجميلة وكنت أترقب عدم وجوده للعب بأدوات النجارة خلسه لأنه كان يخاف على من التعامل مع الخشب والأدوات حتى لا أؤذي نفسي واتعرض للعقاب على ذلك لكني كنت أصر على اللعب وجمع الخشب من كل مكان لأصنع قطع خشبيه وأثاث.
واخترت هذا المجال بغض النظر انها موهبة لدي تحمل ذكريات غالية على قلبي كذلك لأنها تعتبر من اجمل المهن وأكثرها ابداعاً وفرص وظيفية عالية ومتعددة لذا فإنه إذا تم إعطاء الفرصة لكوادرنا الوطنية من الجنسين للعمل بهذا المجال ففرص القضاء على البطالة كبيره بدخول كوادرنا إلى هذا المجال الرائع والمبدع والمتميز.
-. ما هي الفكرة الرئيسية وراء تأسيس مركز التأهيل والتدريب الحرفي؟ وكيف ساهمت تجربتك الشخصية في تشكيل هذه الفكرة؟
انطلقت بفكرة “مركز ابداع المرأة السعودية ” من خلال ما رايته من حاجة بعض بناتنا والأسر الاشد حاجةً للعمل خصوصا عندما تقدمت لي احدى الفتيات تطلب مساعدة او وظيفة وتشكو شظف العيش فقررت ان أسخر نفسي لكل دعم وتشجيع فأطلقت المبادرة وذهبت للقرى النائية افتتح في دور التحفيظ والجمعيات مراكز لتدريب السيدات والفتيات الأشد حاجة على صناعة الاثاث مجانا وتعرضت لبعض الصعوبات ومنها عدم تقبل المجتمع لمبادرتي لتدريب النساء على صناعة الاثاث وجدت أمامي بعض العقبات إلى ان صدر قرار سمو امير المنطقة بدعمه الكريم للاستمرار في هذه المبادرة مما أعطاني التشجيع والقوة للانطلاق والاستمرار وهذا يدل على تشجيع قيادتنا لكل ما يخدم مجتمعنا ووطننا وانطلقت بعدها إلى قرى جازان النائية إلى ان وصل عدد الذين دربتهم 500 حرفية وتم تكريمهم والاحتفال بهم برعاية سمو امير المنطقة ونائبه حفظهما الله.
-. كثير من الأشخاص يرون التصميم وصناعة الأثاث كجزء من الفنون الجميلة، كيف ترين العلاقة بين الإبداع الفني والجانب الحرفي في مجالك؟
أستطيع ان اقول ان صناعة الاثاث هي من المجالات التي تحوي الابداع بجميع تفاصيله وتكويناته تجمع جمال الديكور وجمال العمل الفني وجمال المكان .
-. عندما أنشأتِ مركزكِ، ما هو التحدي الأكبر الذي واجهتِه في البداية؟ وكيف تغلبتِ عليه لتصلي إلى ما أنتِ عليه اليوم؟
واجهت عدم الاقتناع أنه من الممكن للمرأة العمل في مجال النجارة والتنجيد لان هذا المجال عرف عند الشباب فكيف لسيدات وفتيات أن يعملن بهذا المجال الصعب والمنهك لذا وجدت عدم التشجيع من بعض الأفراد او من بعض الجهات واستطعت بفضل من الله ثم إيماني برسالتي ان أتغلب على كل الصعوبات وان تجد كل السيدات والفتيات فرصتها للعمل وتغيير واقعها للأفضل لذا اصبح لمبادرة “مركز إبداع المرآة السعودية ” القبول والتشجيع .
-. حصلتِ على العديد من الجوائز في مجالكِ، كيف أثرت هذه الجوائز على مسيرتكِ المهنية؟ وهل كانت حافزًا إضافيًا لتطوير قدراتكِ ومشاريعكِ؟
من المؤكد بأن الجوائز تشكل زخم كبير وتشجيع عظيم لدي للاستمرار بشكل أكبر وأقوى لذا تطورت أفكاري وتعددت مساراتي والدليل أن جهودي أصبحت من مجرد مبادرة ومشروع إلى جهود رسمية ومرخصة وجمعيات خيرية يعم خيرها جميع المحتاجين والأشد حاجة في كل مكان من وطننا الحبيب.
-. وسط كل التحديات التي تواجهينها، ما هو الشيء الذي يشعل بداخلكِ الدافع للاستمرار والتطوير في هذا المجال الحرفي؟
تغيير واقع الأسر المحتاجة وخصوصا الفتيات العاطلات والسيدات من المطلقات واليتيمات والأرامل إلى واقع افضل وأجمل وانتقلوا من الحاجة والاحتياج إلى الانتاج والتمكين .
-. الإبداع في التصميم الحرفي هو نتاج خبرات فنية وإنسانية. من أين تستمدين إلهامكِ؟ وهل هناك تجربة شخصية غيرت مسار رؤيتكِ في التصنيع؟
تجربتي تكونت منذ الصغر عندما كانت ظروفي صعبة بعض الشي وكنت أتمنى ان اصنع أثاث منزلنا بيدي الصغيرتين فكبرت واصبحت اشعر بمعاناة المحتاجين والعاطلين لذا سخرت جهودي وأفكاري لهذه الفئات التي يكسرها الحاجة ولا تجد من يمسح عنها حزنها وينتشل عنهم همومهم فمن هنا بدأت وانطلقت وفي اتجاهات ومجالات المشاريع والبرامج التنموية المجتمعية تجدوني استمتع وأسعد عند مساعدتي لكل محتاج وعاطل.
-. ماذا تعني لكِ الجوائز التي حصلتِ عليها؟ هل ترينها انعكاساً للتحديات التي تغلبتِ عليها أم تكريماً لإبداعاتكِ وجهودكِ؟
من المؤكد ان الجوائز تترك في النفس السعادة و الطاقة والتحفيز لكن بالأساس تعطيني القوة للاستمرار وان أعطي لكل محتاج فرصته وحقه بأن نجد له الفرص والدعم والصقل والتمكين .
-. العديد من الحرفيات الشابات ينظرن إليكِ كنموذج يحتذى به، كيف ترين دوركِ في تشكيل جيل جديد من المبدعات في هذا المجال؟
أتمنى ان اكون نموذج يستفيد من تجربته جميع الفتيات والسيدات وأكون قدمت ولو جزء بسيط من الواجب الذي علي لمجتمعي و وطني وأتمنى أن أمسك بيد كل سيدة وفتاة وأن أعطيها كل ما تحتاجه من التوجيه والتشجيع والفرص.
-. ما هو حلمكِ الأكبر لمركزكِ في السنوات القادمة؟ هل ترين أن هناك فرصة لتوسيع نشاطاتكِ إلى مجالات أخرى ترتبط بالإبداع والحرفية؟
ولله الحمد وفضله استطعت ان يتطور العمل وجهودي من مجرد مبادرة شخصية إلى عمل مؤسسي مع افراد محبين للعمل الخيري ومساندين مكونين مجالس إدارة لعدة جمعيات خيرية حيث أسست وكونت جمعية -الأنامل المبدعة للحرف وألمهن – هذه الجمعية اعتبرها ابن من أبنائي من حبي لها لأنها كانت الأساس الأول والانطلاقة الحقيقية وبعد ذلك أصبحت -رئيسة لجمعية التكافل الخيرية -وأسست- جمعية عطاء ونماء لتنمية مساكن -التي تهتم بتوفير برامج الإسكان والتنمية المجتمعية.
-. أطلقتِ العديد من المبادرات التي تدعم تطوير المهارات الحرفية، ما هي المبادرة التي تشعرين أنها كانت الأكثر تأثيراً؟ وكيف تتخيلين تطوير هذه المبادرات مستقبلاً؟
تم إطلاق العديد والعديد من المبادرات المجتمعية لكن مشروع ” مصنع بصمة للملابس العسكرية” التابع لجمعية الانامل المبدعة تحقق حلمي من خلاله ان أجد كل محتاج يجد فرصته للعمل وخصوصا السجناء المفرج عنهم وأسرهم الذين احتضنتهم ودربتهم ومن ثم تم توظيفهم بالمصنع.
-. كيف تتعاملين مع المزج بين الحرفية التقليدية وأحدث التقنيات في التصميم؟ وهل ترين أن الحفاظ على التراث الحرفي أمر ممكن في ظل التقدم التكنولوجي السريع؟
نعم سبق ان أطلقت معارض تحوي في فكرتها صناعة أثاث بدمج الماضي في الحاضر وكانت قطع الاثاث التي تُعرض بصناعة كوادرنا الوطنية من الفتيات الشغوفات بصناعة الاثاث.
-. ما هي الرسالة التي توجهينها للشباب الذين يفكرون في دخول هذا المجال؟ وكيف يمكنهم تحويل شغفهم إلى نجاح ملموس مثلما فعلتِ؟
عدم اليأس والاستسلام للإحباطات والتعثرات التي لابد ان يواجهها كل صاحب مبادرة ومشروع فلابد ان يتخطاها بكل هدوء وأن يحاول ان يستشير من حوله من اصحاب الثقة والرأي السديد ليتخطى السلبيات بسهولة وتمكن واحتراف.
-. هل هناك مجموعة حصرية أو تصاميم جديدة تعملين على تقديمها قريبًا؟ وما الذي يمكن أن نتوقعه من هذه الإصدارات الجديدة في عالم التصميم وصناعة الأثاث؟
أتطلع واتمنى انشاء مصنع لصناعة الاثاث وان أقوم بتوظيف أبنائي وبناتي المحتاجين للعمل حيث يتم تدريبهم وصقلهم ومن ثم توظيفهم ليتم إطلاق كوادر وطنية محترفة ومتميزة وكذلك منتج وطني نفخر فيه في جميع الأسواق المحلية والإقليمية.
-. أخيرًا، إذا كان بإمكانكِ العودة إلى اللحظة التي بدأتِ فيها هذا الرحلة، ما هي النصيحة التي كنتِ ستقدمينها لنفسكِ في تلك المرحلة ؟
أتوقع أن كل مرحلة لها تميزها وجمالها وصعوباتها وما تم في تلك الفترة مازال عالقا لدي وأحنّ إليه لأنه يحوي جماليات وصعوبات حقيقية كافحت إلى أن وصلنا إلى ما نحن إليه اليوم لذلك أشكر تلك الظروف التي أوصلتنا لمرحلة اليوم من الفهم والمعرفة والتطور والاحترافية والوعي.