في أعالي جبال الحشر بجازان، تقف ساترة مفرح أم وحيد الحريصي، امرأة جمعت بين الحرفة والتراث لتوثق إرث الأجداد وتحفظ قصص الماضي.
متحفها الشخصي ليس مجرد مكان يعرض قطعًا قديمة، بل حكاية وطنية تُجسّد الإصرار على الحفاظ على الهوية الثقافية ونقلها للأجيال القادمة.
البدايات: طفولة متشبثة بالتراث
منذ طفولتها، عاشت ساترة شغوفة بالحرفة. تعلمت من والدتها صناعة الجلود والنحت والسعفيات، وكانت في العاشرة من عمرها عندما بدأت بجمع أولى قطعها التراثية، محتفظة بها في ركن صغير داخل منزلها.
تقول ساترة: في حديثها لصحيفة “الرأي” “الحرفة كانت جزءًا من حياتنا اليومية، أمي علّمتني كيف أصنع من الأشياء البسيطة أدوات تحمل جمال الماضي وقيمته.”
منطقة جديدة وشغف مستمر
بعد زواجها، انتقلت مع زوجها إلى المنطقة الشرقية بسبب طبيعة عمله، ورغم انشغالها بتربية أطفالها، لم تتخل عن شغفها بالحرفة، بل كانت تصنع مشغولات بسيطة في منزلها كلما سنحت لها الفرصة.
تضيف:
“حتى مع تغيير المكان وانشغالي بالأسرة، بقي التراث جزءًا من حياتي. كنت أعود للحرفة كلما شعرت بالحاجة للارتباط بجذوري.”
العودة إلى جبال الحشر وتحقيق الحلم
مع مرور السنوات وكبر أبنائها، عادت ساترة إلى قريتها في جبال الحشر، حيث قررت تحويل شغفها إلى مشروع واقعي، بدأت بجمع القطع التراثية وحفظها بعناية، واستأجرت موقعًا صغيرًا ليكون متحفًا تعرض فيه مقتنياتها. ورغم التحديات المالية التي دفعتها أحيانًا إلى بيع بعض القطع لدفع إيجار الموقع، استمرت بإصرار حتى أصبح متحفها مقصدًا للزوار من مختلف أنحاء المملكة والعالم.
إرث غني وقصص قديمة
يضم متحف أم وحيد مجموعة متنوعة من المقتنيات، أبرزها القطع الجلدية النادرة التي يعود عمر بعضها إلى أكثر من 150 عامًا. توضح ساترة قائلة:
“إحدى القطع المميزة في متحفي هي قطعة جلدية كانت تستخدم لتغطية البيوت الحجرية. كانت هذه القطع رمزًا للثراء في ذلك الوقت، نظرًا لندرتها وأهميتها في حياة الناس.”
رؤية مستقبلية وطموحات عالمية
تطمح ساترة إلى تطوير متحفها ليكون أكثر تنظيمًا وتخصصًا، بحيث يضم أركانًا تُظهر كل نوع من المقتنيات على حدة. كما تسعى إلى نقل تراث جبال الحشر إلى العالم من خلال المشاركة في معارض دولية والتعاون مع جهات مختصة.
تقول:
“هدفي أن يصبح متحفي من أفضل المتاحف في المملكة. أريد أن أنقل تراث منطقتنا إلى دول العالم، ليعرفوا جمال حرفنا اليدوية وقيمتها التاريخية.”
تحديات لم تثنِ العزيمة
تواجه أم وحيد الحريصي تحديات عديدة، منها صعوبة الحفاظ على القطع القديمة من التلف، وحاجتها إلى توفير ترجمات بلغات متعددة للزوار الأجانب. ومع ذلك، تواصل السعي للتغلب على هذه العقبات بمزيد من الجهد.
تضيف:
“كل نجاح له تحدياته، لكنني أؤمن بأن الإرادة تصنع الفرق. أعمل على تحسين المتحف باستمرار ليكون مصدر فخر لكل أبناء المنطقة.”
رسالة إلى محبي التراث
توجه ساترة دعوتها لكل من يعشق وطنه وتراثه قائلة:
“التراث ليس مجرد مقتنيات قديمة، بل هوية وطنية وقصة أجيال يجب أن نحافظ عليها ونعرف قيمتها. أوصي الجميع، وخاصة الشباب، بالاهتمام بتراثنا ونقله للأجيال القادمة.”
متحف ساترة: قصة تراثية بدأت بحلم صغير
في جبال الحشر، يجسد متحف أم وحيد روح الأصالة والعمل الجاد، بجهود شخصية وشغف لا يتوقف، أصبحت هذه المرأة نموذجًا يحتذى به لكل من يسعى للحفاظ على تراثه ونقله إلى العالم. متحفها ليس مجرد مكان، بل رسالة عميقة تعكس حب الأرض والتاريخ.