[JUSTIFY]
لَمْ يَكُنْ لها الخِيار يوماً، فقد وافق أهلها على تزويجها دون حتى أن يستشيروا أفئدتهم، وهي مراهقةً خَجْلَى تتحفز للارتقاء على مشارفِ سلالم الأمل، والعريس قناص تناسى أنها صديقةٌ لبناتهِ.
وارتضتْ بنصفِ الزوجِ، رغم جلافته وشُحه، وصارعتْ ولادات مُتعسرة، وحملت بين يديِها رُضَعاً لم تكن تعرف كيف تُسكتهم، فبكتْ معهم، وسهِرت، واعتنت في ظروفِ ضنكٍ وقلة حيلة.
تعليمها المتدني، لمْ يسمح لها بفتحِ كتابٍ، ولم يكن لديها فرصةً لتعمل، فانغمستْ في معاناةِ نفسية، وحياةٍ منزلية مرهِقة كانت فيها كالجِنّ بلا كيانٍ ولا حُقوق، خصوصاً عندما أضحى رصيد زوجها من الزوجاتِ مُتبدلٍ.
وبمشاعرها المَفْطُومةِ، وعقلها القانعِ، تجرعتْ بؤسَ ما كانت تقاسيه، وأبدعت في تسييرِ حياتها فطبختْ وكنست وغسلت وخاطت، وسهرت، وسخّرتْ جسدها وروحها لراحةِ زوجٍ لم يكن يبصرها، رغم أهميتها، وتفانيها، وحضورها على مدى الساعة.
لقد كانت تحافظ على مقتنياتِ هذا الزوج الأناني، وتنميها، وتسديه النُصح، وتربِطُ على بطنِ حاجاتها في سبيلِ أن يصلَ، ويحقق ذاته.
ونجح الزوجُ، وأمسى بفضل من الله، ثم بفضلِ حرصِها وزهدها ممن يُشارُ إليهم بالبنانِ، وممن يمتلكون كثيراً من العقاراتِ، والأرصدةِ، والأسهمِ.
وظلت هي بثوبِها القشيبِ، تراقب أبناءها وهم يكبرون، وينزحون إلى بيوتٍ مستأجرةٍ هروباً من شُحِ والدهم، وتسلطه.
فمدتْ أيادي مشاعرها، وتوَّجَت أدوار حياتها بتربيةِ أبناء زوجاته المتجدداتِ.
وبعد أن بلغت من العُمرِ عتياً يكافئها الزوج الهُمام بالطلاقِ، كونها تشغرُ مكاناَ لزوجةٍ كاعِب، يستطيع أن يتنعمَ معها في توالي عُمره.
وتلفها أَحْبَال الخوف، وتندبُ سوء حالها، فهي لا تُحسن أن تخطو بمفردها خارج هذا البيت، وهي لا تتخيل أن تعود لمنازلِ إخوتها بعد هذا العُمر لتصارع زوجاتهم. وهي تعرف إمكانيات أبنائها البسيطة، وتُقدر أن سُكناها معهم سيزيد حياتهم ضنكاً وتقتيراً.
الزوج طلقها بالشرعِ، والشرع يقول إن المُطلقة لا حُقوق لها البتة!
منزل الزوج، الذي ساعدته في بنائهِ، ليس لها فيه طُوبةٍ، ممتلكاته لا مِلك لها فيها، وحتى الإرثِ منه لن يكون لها فيه حسنةٍ!
ريشة في مهبِ الريحِ هامت، تتقاذفها المحاكم، ولا أحد يملكُ أن يردَ لها ثمن عُمرها المسروق.
نصحها بعضهم – بعد هذا العمر- أن تتجه للضمان الاجتماعي، ورضيت بالهمِ ومدت يدها، ولكن الهمَ اكتشف أن لها أبناءً يعملون، فكف يده!
من هي؟ إنها إحدى الإنْسِيات، ممن جنت عليهن الظروف، وسلبتهن العزة والكرامة والمواطنة، فلم تجد من يقف معها. طلقة تعسفية من يمينِ زوج مُتصابٍ، أفقدتها كل كينونتها.
بعل الإِنْسِيّة حَكَمَ عليها بأنها جِنِّيَّة لا وجود لها ولا كينونة «في بيتها». والحكومة أيدته بأنها فعلاً جِنِّيَّة لا كيان لها، ولا حقوق «في وطنها»؟
وكلنا أمل أن يُسن قانوناً يحمي المُطلقة، وحبذا لو يتبناه مجلس الشورى، نظراً لوجودِ عددٍ من الإِنْسِيّاتِ ضمن أعضائه.
[LEFT]د. شاهر النهاري[/LEFT]
[/B][/SIZE][/JUSTIFY]