كل المناطق والقرى بها حصون ومنازل قديمة تحمل نفس الطابع العمراني ومتقاربة في التصميم والشكل وفي المواد المستخدمة بعمارتها. لكن هذا الحصن الصغير بمساحته مختلف عن اقرانه بطريب بل ويعتبر شاذ عنها في شكله الخارجي وفي تكوينه ومواد بناءه. ومنذ عقود من الزمن ونحن نشاهد هذا المبنى عن بعد ونعرفه بإسم حصن (سهله) وعلى الأقل عندي انا، ولم تتاح للكثير من غير اهله وجيرانه القدماء رؤيته عن قرب من الداخل لعدة اسباب اهمها عدم اهتمامنا بالتراث وبالبحث والدراسة ولو من خلال النقاش المشترك في أي مجلس او اجتماع. وقبل اكثر من عام تفضل الأستاذ علي بن سعد ال غثيث واقترح أن ندخله ونقف على مكوناته المتبقية ففعلنا بعد صلاة الظهر، وكان هو من يتقدم المسير وانا خلفه آملاً ان لا ارى شيء من الزواحف. وقد بدأ لي ان الأخ علي يعرفه مسبقاً، وذُهلت ونحن نتنقل بين غرفه المتنوعة ومخازنه الصغيرة وفتحاتها العجيبة. رأيت به اثار دهانات زينة زيتيه تحمل علامات فنية جميلة في الألوان وطريقة الرسم. ويتضح للعارف ببيوت الطين ماهو الفرق بين غرف الجلوس وغرف النوم وغرف تخزين المواد وزاويا الحفظ السرية للأغراض الخاصة. وبشكل عام فإن وضع البيت متهالك جداً وهو الى السقوط آيل في أي موسم امطاره قوية ولن يصمد. واهم ما خرجت به هو ان الأستاذ علي ال غثيث طرح إستنتاج مهم للغاية وهو يشرح مكونات السقوف الخشبية حيث يقول ان اختلافها عن بعضها وغرابتها يعتبر نقطة تحول بطريب فتلك الأخشاب والأعواد مختلفة جداً وليست نوع واحد كبقية بيوت طريب، واختلافها يأتي من حيث التنوع والمنشأ والجودة، ويؤكد ال غثيث وهو من عائلة ممتهنة لبناء قصور الطين والسدود والآبار أن تلك الأخشاب ليست من طريب ولا توجد به، ويتابع وهذا يعطي دليل على أن زمن بناء المنزل لم يكن في طريب مزارع واشجار كالأثل وعسيب النخيل لكي تستخدم في بناء السقوف والأبواب, وأعتقد بصحة هذا التحليل بناء على مارأيته، ويؤيده كذلك أن الطين المستخدم ضعيف التكوين وغير زراعي مما جعلهم يلجؤون لوضع شرائح الحجر (النطف) كمدرجات خارجية للحماية من تأثير الأمطار والتعرية وهو مالم يستخدم بعد ذلك في كل مساكن وادي طريب.
وبعد ذلك بادر مشكوراً الأخ حسين بن جبران بن حسين ال عادي وزودني بمعلومات تعتبر مهمة جداً حيال تاريخ هذا القصر وهي بحق تحمل اهمية يجب ان تكون مجال للدراسة والنقاش حول تحديد تاريخ الحضارة والبناء والاستيطان والزراعة بطريب. ولا اقصد هنا لمن كانت تعود ملكية طريب ومنهم ساكنيه أن وجدوا قبل عمارته واستيطانه فهذا مجال آخر اتركه لمن يمتلك المعلومة وقد سمعت عنها الكثير. يقول الأخ حسين ال عادي أن القصر اسمه قصر غثير فوضعت العنوان بناء على ذلك، ويذكر أنه تم تشييده في الفترة مابين 1160هـ - 1170هـ تقريبا في قرية سهله وقد بناه شفلوت بن عادي، على ضفة الوادي من الغرب مستخدماً الطين والحجر، وعدد طوابقه اربعة وبكل طابق 3 غرف وبإحداها نقش عمره حوالي 200 عام بحسب قوله، ومدخل البيت الرئيس من جهة الغرب، ويذكر ان طول محيطه حوالي 32 متر تقريبا واعتقد انا ان ذلك يضم السور الخارجي وحوش الخيل. يضيف الاخ حسين أن عدد الأحجار (النطف) المستخدمة لمقاومة التعرية عددها 2400 قطعة تم جلبها من جبال السروات. وقال ان المسجد الذي بجواره هو جامع الجماعة والجمعة. ويذكر أن مرابط الخيل كانت بغرب القصر، ويبدو لي من المشاهدة انها كانت بداخل سور بين القصر والبئر (سهلة) وليست مجرد مرابط في مكان مفتوح. وجميع هذه المعلومات التي رواها تعتبر ذات قيمة بغض النظر عن تحقيقها علمياً ولكنها فعلا مهمة خصوصا وأن الأخ حسين وعائلته هم آخر من سكن هذا المنزل وعاشوا به بل أنه هو كان آخر المواليد به عام 1388هـ، بهذا القصر الذي اصبح اخر القلاع الشاهدة على تاريخ طريب في الثلاثمائة عام الأخيرة. وقد ذكر انهم وشركاءهم يرحبون بأن تتظافر الجهود لترميم هذا المبنى تحت رعاية هيئة الاثار والسياحة وتحويله الى رمز لطريب وسكانه جميعا بعيد أي تحزب او استئثار.
اتمنى دراسة ديموغرافيا طريب وتاريخ استزراعه ومتى تم استصلاحه للحياة انطلاقا من فترة هذا البيت وغيره من القلاع بطريب التي اندثرت، وخاصة من قرى الحدباء وما بعدها بإتجاه الشمال الغربي بحسب مجرى الوادي، فهي ثرية جداً وتحمل اسرار مدفونة لا نعلمها. واتمنى ان يكون ذلك على اساس الانتماء المحمود للمكان كله على طول الوادي القديم وضفتيه بطريب التاريخ والتسامح، وبعيداً عن العصبيات التي لم يكن ينتهجها اولئك القدماء الذين شيدوا طريب وتعايشوا على ارضه اخوة متعاونين ومتحابين.
التعليقات 8
8 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
مسفر قضعان
12/06/2017 في 4:15 ص[3] رابط التعليق
والله ومليون نعم بربعنا آل عادي رأس حربه طريب تاريخهم مشرف اهل خيل وفرسان مايشق لهم غبار يعتبرون بعد الله حماه طريب آل الصقر فمشهود لهم بالشجاعه والفروسيه رحم الله ميتهم وأطال عمر حيهم على طاعته . والله انني عندما أقراء تاريخ ال عادي اني أفتخر انه يجمعني معهم صقر . حفظ الله بلدنا من كل سوء .
(0)
(0)
محمد الجـــــــابري
12/06/2017 في 4:30 ص[3] رابط التعليق
سعد بن غثيث رحمه الله كان مهندسا معماريا من الطراز الاول وخاصة في طي الصخور.. وقصر “سهله” قيمة تراثيه تاريخيه لاهله خاصة واهالي طريب عامه..حسب ما اعلم انه القصر الوحيد المكتسي بـــ”النطف”
اما الاخشاب المنظومه بسقوفه فهي من اشجار تسمى” الغرب ” وكانت موجودة في طريب خاصة بالقرب من فوهات الابار بالقرب من مصب السواني ..اما ماهو تحت الارض من الاثار لامم عاشت وبادت في شمال وشمال غرب الحدباء فقد سمعت الشيخ عبد الهادي بن عبد الله الجضعي الفهري رحمه الله وهو يسامر الدكتورغازي القصيبي عن كيفية الكشف عن اثار هذه المساحه بما فيها املاكه في نفس الموقع.. الا ان الله اختارهما لجواره ولم يتحقق ايا مم تسامرا فيه رحمهما الله … طريب بشكل عام كان مركز حضاري وزراعي في عصور مضت لكن لم توثق حقب ازدهاره من متخصصين علما ان ابناء طريب اليوم لديهم من العلم والقدره الماليه ما يوجب وضع طريب الخير في مكانه اللائق ضمن مدن مملكتنا التاريخيه.!!!
تحياتي
(0)
(0)
سعيد جابر
12/06/2017 في 2:41 م[3] رابط التعليق
الله يعطيك العافية اخوي عبدالله جهد مشكور التاريخ جميل بجمال اهله ومحبتهم وتكاتفهم ويبقى كذلك بمتابعة الاجيال لماضيهم وكما تفضلت في المقال لا يوجد لدى العامة اهتمام بالتراث …
فى هذا المكان عمل متقن صمد مئات السنين رحم الله من شيده ومن سكنه ورحم الله السابقين من من سكن طريب وبارك في ذرياتهم انه سميع مجيب ….
والشكر موصول للاخ علي بن غثيث والاخ حسين بن جبران .
(0)
(0)
سعيد عبيد ال مقبل
13/06/2017 في 1:09 ص[3] رابط التعليق
الاخ ابو منصور السلام عليكم انت وجميع متابعي صحيفة الراي ومواضيعك كلها شيقه وجديره بالمتابعه ومفيده اشكرك عليها واذا سمحت لي انت ومحرر الصحيفه ان ألقبك بفارس الراي والكلمه. اما ما تطرقت له في موضوع القصر فقد اثرت حب الماضي التليد واهله الأبطال رحمهم الله وهذا القصر ومن قام على بناءه يعد تاريخ لعصر مجيد ويجب على الجميع المحافظه عليه لانه يعتبر كنز تراث لايقدر بثمن فله وصاحبه وامثالهم من من سطروا المجد الحق علينا ان نقر ونحفظ لهم المعروف واجدادنا رحمهم الله قاموا بواجبهم وزياده وفِي كل القبائل خير وبركه ويعجبني في الطرح التجرد من القبليه والكلام عن الشخص من صنع المجد وتمجيده والترحم عليه ومن قام واسدى معروف في وقته ومستقبل الأجيال من بعده كانت كلمات لها وقع في نفسي اشكرك عليها واشكر الاخ حسين والأخ علي لمشاركتهم الفاعله في بناء هذا المقال ومدهم إياك بالمعلومات وهذا ديدن الرجال تعاون على الجميل والبر والتقوى والسلام عليكم
(0)
(0)
د علي سعيد آل جمان
13/06/2017 في 2:39 ص[3] رابط التعليق
التراث يعبر عن هوية المنطقة ومن خلال زياراتي لبعض القرى الأثرية لاحظت أن أصحاب البيوت يعيدون ترميمها لتصبح مزار تاريخي ‘‘‘أما بالنسبة لتمميز القصر بالنطف(صخور تحمي بيوت الطين من تأثير الأمطار) من بين القصور الأثرية فقد يكون لتأثر المنطقة بالمناطق المجاورة مثل سراة عبيدة وأبها أو أن طريب كانت تنزل عليها الأمطار بكثرة في ذلك الزمن ونتيجة للتحول الجغرافي وقلة الأمطار لاحقا لم يستخدم النطف في البيوت اللاحقة سيما أن الفاصل الزمني بين القصر والقصور اللاحقة طويل حسب ماورد في التعليقات السابقة
(0)
(0)
عبدالله القحطاني
13/06/2017 في 8:38 م[3] رابط التعليق
من المؤسف ان يتم اهمال هذا المبنى التاريخي والمتفرد في عدد من الخصائص يندر وجودها في غيره وهي وجود قصر مطوي بالحجر ويحيط به مربط للخيل وقليل جدا من يمتلك مربطا للخيل العربية الاصيلة اذا يحتاج ذلك لوجود عصبة قويه لحماية الخيل وامكانات مادية لتربيتها وتغذيتهاوالعناية بها وتدريبها والتدريب على ركوبها ومسجد اسفل القصر اصبح فيما بعد جامعا للجمعه وكذلك بئر قديمه وبساتين مجاوره للقصر وارض زراعيه على ضفاف الوادي ممايدل على شأن ومكانة صاحبه شفلوت بن عادي رحمه الله ،، وللحقيقه كل مكونات هذا القصر لها سيره وتاريخ فالقصر له تاريخ وطريقة بناء مختلفه وكذلك مربط الخيل له تاريخ وسيرة حافله في الفروسيه وانتاج سلالات خيل اصيله والحمايه ايضا والبئروالمزرعة المجاورة لها قصة في طريقة تملكها من قبل شفلوت بن عادي وذهابه للدرعيه هو وبن جمان رحمهم الله جميعا وورد كل ذلك في كتاب طريب للاستاذ الباحث محمد ال كدم وفي الماضي بالكاد يستطيع الشخص بناء بيت من الطين فقط ،، ولكننا هنا امام قصر وجامع ومربط للخيل وبئر مياه وبساتين مجاوره وارض زراعيه ،، مما يدل على فطنة ورؤية الكاتب وانفراده المتميز في اظهار تاريخ هذا القصر ،،،والعتب الكبير على اصحاب ذلك المجمع التراثي لاهمالهم وعدم العناية بترميمه ،، صور مؤلمه لحالة القصر من الداخل ،، التنسيق مع هيئة السياحه والاثار مطلب ضروري .. بحيث تصبح مسجله في قائمة التراث الوطني وتصبح معلما سياحيا وتراثيا للمحافظة ،، الشكر لله ثم لسعادة اللواء ابو منصور اللذي ساهم في ابراز هذا المعلم لنا وللجيل الشاب وكذلك للمنبر الاعلامي الرائع صحيفة الراي .. وقد يكون هناك اثار اخرى في المحافظة والامل منوط بأهلها بالمحافظة عليها ،، وارى اهتمام المحافظات المجاورة كالسراة وتندحه وظهران الجنوب اكثر اهتماما وعناية بالمنشآت التراثية القديمه ..
(0)
(0)
سفر بن سيف آل عادي
13/06/2017 في 11:05 م[3] رابط التعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل الشكر والتقدير لكم جميعا كفيتو ووفيتو وبيض الله وجيهكم
اللهم اغفر لمن بنا هذا القصر ولمن سكنه وزاره واهل طريب وجمبع المسلمين
اللهم بارك في الاحياء ومن بعدهم الى يوم الدين وولف بين قلوبهم واصلح شانهم
الاخ الكريم مسفر ابن قضعان احبك الله الذي احببت آل عادي فيه ونحن كذلك نحبك ونعتز ونفتخر بك وقبيلتك الكريمه
حفظ الله مملكتنا الحبيبه وسائر بلاد المسلمين من كل سوء
(0)
(0)
سعد بن خاطر
11/02/2018 في 8:54 م[3] رابط التعليق
اشهد ان به تاريخ جعل عظامهم في جنات النعيم
واقول طال عمرك :
افخر واماري في خوالي هل الطيب
صبيان ابن عادي كعام المعادي
اهل المواقف هم ذرا شُمّخ النيب
كم شيخ قومٍ لزّموه الزنادي
اهل الخيول الدهم زبن المصاويب
حربة طريب اهل الحكم والشدادي
تاريخهم ترويه بيض المكاتيب
امن الجنوب اليين نجد ابن هادي
الحق نور وهاظم الحق كِذِّيب
مارث خوالي في رفيع المبادي
زبن الدخيل مكرمين الاجانيب
منصا الغريب اللي حدته الحوادي
ما احدٍ عن التاريخ يلقا مجانيب
لا صار في التاريخ مثل ابن عادي
ابنكم الشاعر
#سعد بن محمد بن خاطر#
(0)
(0)