في زمن كورونا ذهنيا نحن في مأزق ، مأزق ازلي متجدد في تصور ابعاد الخط الرفيع الفاصل بين الحقيقة والوهم ، لأن القدرة على صناعة الوهم تطورت بشكل مخيف في وقت تعقدت مفاهيم استيعاب الواقع ، المفاهيم والنظريات العلمية إذا لم تنفذ على ارض الواقع ستصبح أدوات تضليل ، مثل الأدوية التي يبشرونا بها ولا نراها توقف الموت الكوروني الزاحف في جهات العالم الأربع…
البشر في صراع فكري أزلي لفصل الحقيقة عن الوهم ، انطلاقا من اندامجنا التام في موقع التواصل الاجتماعي الافتراضية لساعات طويلة حتى اكتشاف كوكب يقع خارج المجرة يبعد عنا الالاف من السنوات الضوئية ، العالم الافتراضي وهم يرسم ملامح الواقع والكوكب المكتشف واقع ينظر له حتى الان على انه وهم ، وذلك لأن الواقع يرتبط بالقدرة علي وصفه وعندما يستحيل ذلك لا يمكن فهمه بشكل كامل لذا يقترب ذهنيًا من مفهوم الوهم ، في الحقيقة لا يوجد جواب لسؤال ماهية الواقع…؟
فإذا كان الواقع كل ما هو موجود بصرف النظر عن امكانية او عدم امكانية رؤيته او اكتشافه بالحواس البشرية ، فحسم موضوع حقيقة وجوده يحتاج الى قدرة ذهنية سليمة تمكننا من التمييز بين انواع الواقع وكذلك بين فهم الواقع والواقع ذاته ولنا في جدلية الخداع البصري مثال واضح فليس كل ما نراه حقيقة…
في العالم المنظور المحدود على الانسان ان يتكيف مع ذلك العالم في صراع ازلي مع المجهول ، المجهول الذي قد يكون عبارة عن فيروس كورونا الذي هزم العلم والعالم في الشوط الاول من مباراة الحياة وغير شكل العالم وسيغير السياسة والاقتصاد والرياضة وكذلك الفن والتواصل الانساني الي الابد ، وكلنا امل ان تنجح البشرية في هزيمته في الشوط الثاني او حتى في الركلات الترجيحية بدواء حقيقي وليس وهمي..!
اعتقد ان كورونا الفيروس واقع لكن آلية التعامل معه وتسويق المخاوف القهرية والتكهنات حول آلية صنعه أو وجوده وهم معرقل لضرورة مقارعته…
التفكير العاطفي المتحيز وحدود الادراك البشري الناتج عن نوعية التعليم واكتساب المعرفة كلها تؤدي الى الاوهام التي يمكن تصورها على انها حقائق ، الاوهام احيانا توفر راحة نفسية لمن يعيش واقعا متعبا لكنها يمكن ايضا ان تؤدي الى عدم الرغبة لرؤية الاشياء كما هي بلا اوهام مستقبلا وهذه معضلة اخرى…
الوهم قد يكون جزئيا لكنه مدمر مثل تعريف الواقع بشكل وهمي ، مثلا مسي لاعب كرة قدم نادر لن يتكرر ، وجود مسي واقع وموضوع عدم تكراره وهم ، التعصب الكروي الذي يصيب عشاق الاندية وهم رغم ان نتائج المباريات واقع ، الفرق تفوز بتسجيل الأهداف وهذا واقع لكن هدف في الدوري الاسباني لا يساوي هدف في دوري النيجر وهذا هو الوهم المصنوع بالمال ، تقمص المطربين لحالة ومشاعر كلمات اغانيهم وهم رغم ان اصواتهم الجميلة والحانهم العذبة واقع ، ارتباط البشر بنجومهم في الفن والرياضة والسياسة وهم رغم ان وجود اولئك النجوم واقع وهم يصنعون ثرواتهم من وهم معجبيهم…
الانسان كان منذ الازل يصارع للتمييز بين الاوهام والحقيقة ، منذ ان اكتشف النار واعتقد انها اداة تدمير والواقع ان طريقة استخدامها هي المعيار للحكم عليها…
أما الان فقد استسلم الانسان للاوهام او استسلم للتقيم الوهمي للحقائق ، هناك حدود بشرية للادراك وهي تقف عائقا اما الفهم الكامل للحقيقة ، لذا تكون الحقيقة المتصورة ذهنيا عبارة عن نسيج معقد مع اوهام اكتشاف المحيط وتفسيره..!
العقل الانساني محدد بقدرات الدماغ كما اعتقد ، وهناك قيود ربانية على حواس الانسان التي يستعملها ليتصور الجزء المنظور من الواقع ، مثل حدة النظر والسمع والشم والتذوق واللمس وكذلك القدرة على وصف الواقع المنظور ، هناك من يصف الواقع بشكل وهمي متعمدا او بسبب جهله ، وهناك من يصور الوهم على انه واقع ، وهناك من يهرب من الواقع الى الوهم لتنفيذ ما لا يمكن تنفيذه بالواقع حتى ولو بالخيال….
وبما ان دماغ الانسان يقتصر على عالم بثلاثة أبعاد فقط وان فهمه ايضا مقيد بذلك ، رغم وجود عالم الرياضيات الذي يوفر تمددا فكريا الى ما وراء الحدود الطبيعية ، غير ان الدماغ غير قادر على تصور الاشياء وراء حدود المنطق…
حواس الانسان محدودة لذلك تفشل في اكتشاف حدود العالم المنظور فكيف بالعالم غير المنظور ، مثل عالم الفايروسات القاتلة والتي تهز امبرطوريات البشر رغم انها اجسام غير حية علميا….
الانسان ادمن الخلط بين الواقع و المظهر ، والمظاهر خداعة في كل شيء ، زهرة جميلة قاتلة وشوكة مؤلمة تستخدم كدواء….
النظريات العلمية يمكنها فقط ان تقدم خارطة محدودة للواقع لتولد المفاهيم من رحم النظريات ، غير ان المفاهيم والنظريات تخلق ايضا انطباعات زائفة ومتفاوته للفهم بالنسبة للمتلقي وأحيانًا المرسل ، مما يجعل من الصعب التمييز بين الوهم والحقيقة….
المفاهيم بشكل عام حبيسة الفكر الانساني ، المفارقة هنا ان المرء ليعيش سليما فكريا يجب ان يطور المفاهيم ويشك بها او بتأثيرها في وقت واحد…
كم اكره مثلث فيثاغورس ولا اعتقد بحتمية صحة النظريات المرتبطة به….
اما مفهوم الزمن فهو ام الجدليات ورغم انه لا غنى عنه في تجارب الانسان لأنه يعرّف الحياة ويعطيها معنى ، لكن الزمن غير حقيقي بالمعنى الدقيق ، ما هو حقيقي فعلا انه قياس للتغيير مثل الحركة او التقدم في العمر مقابل مقاييس متفق عليها مثل حركة الكواكب او تعاقب الايام ولا اعرف هل الاتفاق عليها يمنحها الواقعية ، ولأن الزمن متناهي بالنسبة لإنسان فاني ، فانه يصبح الصفة الثمينة جدا للحياة ، فالوقت كما يقولون من ذهب ، حتى هذا المثل لا ينسجم مع الفكرة فالزمن يختلف عن الوقت …!
لأن الوقت جزء من الزمن ، والزمن مطلق لا يمكن التحكم به بينما الوقت يمكن التحكم به والاستفادة منه ، ومفهوم الحرية الذي تقاتل الشعوب من اجل الحصول عليها مصطلح مخادع اخر ، لأن الانسان ليس حرا في عمل خيارات مستقلة عن العوامل الخارجية لأن حرية الفرد مقيدة بالقوانين الطبيعية وبالمحددات الفيزيائية والفكرية بالإضافة الى عوامل السياسة والاقتصاد التي تتحكم بدورها بنا اجتماعيا وتتجاوز قدرات وقابليات البشر…
ان عدم المقدرة على كشف المجهول ، والحاجة لمسايرة الواقع والتكيف مع قوى الطبيعة ، يجعل هنالك سببا منطقيا مقنعا لمفهوم وجود الخالق العظيم المسير والمسيطر على كل شيء ..
لذا الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن انكارها هو عظمة الخالق العظيم ثم وحدانيته ، أما دون ذلك فهي نظريات يمكن تفنيدها غدا او بعد غد..
كل الجهود الانسانية للإمساك بالواقع ذهبت وستذهب سدى ، وان الانسانية ستختفي بنفس الكيفية التي ولدت فيها بقدرة قادر ،
قال تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)
التعليقات 3
3 pings
محمد الحذيفي
13/04/2020 في 2:16 ص[3] رابط التعليق
مبدع ورجل عربي اصيل والعروبه عنوانك
وفقك الله
(0)
(0)
سعد العلياني
14/04/2020 في 9:43 ص[3] رابط التعليق
أفكار تدور وتغرد خارج الصندوق .. ارتباط الأفكار بعظمة الرب سبحانه يجعلك تخرج من الأوهام وتسلم الأمر لرب الأرباب ..
شكرا أيها العربي
(0)
(0)
عبدالله
15/04/2020 في 7:13 م[3] رابط التعليق
كلمات رائعة
اتوقع ان العالم البشري سيواجه احداث ربانية قادمة ستفصل الحق عن الباطل ومع ذلك يتجه البشر الى المزيد من الضلال حتى لايبقى على وجه الارض الا شرار الخلق وفيهم تقوم الساعة .. الله يثبتنا على طاعته
(0)
(0)