كل من يهتم بنمو الحضارة الإنسانية والاستقرار العالمي والعدل، ويخشى الفوضى المدمرة للجميع، لا يسرّه هذا الضعف القيادي وهذا المستوى المتراجع للسياسات الأمريكية الخارجية وفقدان الثقة بها من حلفائها وأصدقائها.
يبدو أن أغلب الشعب السعودي فخورًا بمنجزات العلاقات السعودية الأمريكية وما حققته للمملكة ولشعبها ولمستقبل أجيالها من تطور شامل وتنمية فريدة مقارنة بدول عربية لديها ثروات هائلة وعلاقات مع دول صناعية كبرى غير أمريكا.
والمواطن السعودي يعي أن العلاقات القديمة مع واشنطن ليست مصادفة، وليست لأجل عيون أصدقائنا الأمريكان، بل لمصلحة بلادنا ولغرض بناءها وتعزيز قدراتها وتوفير رفاهية وحرية إنسانها بالتعاون الوثيق مع قوة عالمية رائدة كان الملك عبدالعزيز يدرك أنها ستكون الأقوى.
في المقابل وفي مسار العلاقات الثنائية ومنذ بروز دور المملكة وحجم تأثيرها، وهناك مسؤولين وصناع قرارات يتربعون على أهم مواقع التأثير في زوايا البيت الأبيض ولجان الكونجرس وفي المخابرات والأمن القومي، وفي مؤسسات المال، ومراكز إعداد التقارير والدراسات، وفي وسائل الإعلام والشرطة الفيدرالية وحتى القضاء، وجميعهم يكرهون مكانة وأهمية السعودية، وبالنتيجة يحقدون على السعودي، فقط لأنه سعودي ومسلم ومعتدل ولا يقبل التنازل عن مسؤولياته العربية والإسلامية. ولأن رسول الإسلام من قومه وقوميته. ولأن القرآن تنزل على أرضه ويستحيل تغييره أو تحريفه!.
ولأن بلاده هي قبلة المسلمين وفيها الكعبة. ولأن الحرم المكي لا تسمح الدولة السعودية بدخوله لغير المسلمين. ولأن السعودي يتمسك بوحدته الوطنية ويقف مع قيادته السعودية التاريخية ولن يقبل بغيرها ومستعد للموت دفاعاً عنها. ولأن أرض هذا الإنسان السعودي الصحراوي يوجد بها أهم الثروات ومصادر الطاقة المختلفة!.
وبقول أشد وضوحًا، فإن المواطن السعودي العادي يفهم جيدًا أن الكراهية في الحكومة الإمريكية تزداد ضده وضد بلاده لأن الملك السعودي بحكومته يشكل الركن الأهم للعرب للمسلمين والمنطقة. ولأن هذا الملك يدير شؤون بلاده الداخلية بنجاح، وعلاقاتها الخارجية بحكمة وبعد نظر وصبر ليس له حدود، متجاهلًا الضغوط الخفيّة التي تمارسها واشنطن بتوصية من العنصريين في بعض المجالس التشريعية، ولجان ومنظمات حقوقية وبعض الإعلام العنصري الأمريكي.
هذه جملة دوافع الكراهية والعنصرية الموجهة للسعودية من جهات عميقة مهيمنة بالدولة الأمريكية وبعض العواصم الأوروبية. والبعض لا يحب سماع هذه الحقائق لكنها الواقع الصامت الذي تتعامل معه بلادنا بذكاء متجاوزةً عنصريتهم وحقدهم الموجه لهذا الإنسان الذي وحّد بلاده وطور نفسه وأثبت أن بناء الدولة لا يأتي بالعنتريات والشعارات. (نقل الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري مائة وخمسين مليار دولار جوًا بالطائرة لمؤسسي شعار “الموت لأمريكا”، ورفع الرئيس بايدن الحوثي من قائمة الإرهاب!، وربما يرفع الحرس الثوري الإيراني وربيبه الحشد الشعبي الطائفي الإيراني بالعراق قريباً، وربما منظمة القاعدة كذلك).
هذا كلّه لا يهم، فليكرهوا في واشنطن من شاؤوا وكيفما، فنحن أصحاب مصالح استراتيجية لبناء دولة وتنمية وطن وصنع استقرار. ومن خزينتنا وثرواتنا نشتري ونتعامل ونتعلم بشرف ونحافظ على وجودنا وحريتنا ومقدساتنا ووحدتنا. ونقف صفًا واحداً قيادةً وشعبًا ومؤسسات ضد أي تدخل أو تهديد لبلادنا، ومتضامنين في كل الأحوال سلمًا وحربًا وفي الفقر والغنى ضد من يخلق الفوضى لإيذاءنا سواءً أكانت أمريكا أو غيرها.
وحين أشعر يومًا، كسعودي إن صديقي الأمريكي الكاره لوطنيتي وقوميتي ومعتقدي لم يعد مناسبًا لي، إما لتراجع دوره وإما لوقاحته معي، فسيكون لي حينها موقفًا مختلفًا، وبالتأكيد نستطيع إجباره على أن يغير موقفه، ويقينًا صديقنا الأمريكي لن يستطيع الابتعاد عن بلادنا ولن يستغني عنها، وإن فعل فهو ينتحر ويفقد مكانته ومصداقيته ونفوذه، والسعودية لا تقود العالم ولا تطمح لذلك، بل اميركا هي من يسهر للهيمنة كقوة عظمى، ولو انهارت شركات نفطها وجزء من أسواق المال، وثلاثة مصانع عملاقة للسلاح لفقدت السيطرة! والمعنى واضح.
إن المواطن السعودي من داخله يعلم أن صداقته وعلاقاته التاريخية بالولايات المتحدة لم تعد مُريحة له بل أصبحت مريبة!، ويرى أن هذه الصداقة تتعرض للغدر والإساءة من الطرف الآخر بغض النظر عن التصريحات الصديقة المائعة التي تشير إلى أهمية العلاقات.
ويعلم هذا المواطن السعودي أن هناك في واشنطن من يدبرون له الأذى ولقيادته ولاستقرار بلاده.، قال لي مواطن بحي الروضة بالرياض لقد بدأت ولأول مرة إجراءات شراء سيارة صينية أنيقة وبندقية صيد روسية مع أن سيارتي ومسدسي الشخصي لخمسين عام هي صناعة أمريكية وسأحافظ عليهما حتى أقتنع بفضاضة الصديق الأمريكي وعدم جدوى علاقتي معه وحينها سأحرقها.
إن المواطن السعودي في آخر 20 عامًا يرى التخبط والهمجية في إدارة أصدقاءنا بأمريكا لعلاقاتهم مع المملكة بشكل رديء وعبثي، لا يشبه جودة صناعاتهم التي دعمناها بالشراء والتفضيل!.
ليتأكدوا هناك أن ضرب الفساد الذي ساهموا في صناعته عبر شركاتهم ومخابراتهم ومؤسساتهم الحكومية والشعبية لا رجعة عنه بل هي الحرب ضده. ونعلم مدى انزعاجهم.
إذا أعتقدتم أصدقاءنا بجهلكم المعتاد أن المواطن السعودي مرتاح لتصرفاتكم، وأن تفكير القيادة السياسية السعودية يشبه تفكير أنظمة الجمهوريات العربية تعيسة الحظ الغبية التي أطحتموها، فأنتم واهمون وستفشلون، لأننا ببساطة مُتَّحدين خلف الملك وولي العهد. وفي كل الأحوال ليس بأيديكم شيء يحقق أحلامكم، ونحن نفهم أن تخوفكم من أوضاعكم الداخلية أكبر بكثير من تخوفنا من الإرهاب الذي نراقبه جيّدًا خارج حدودنا وبعضه من صُنعكم. إذًا شأنكم المحلي أهم بوقتكم وتفكيركم.
في كل الأحوال وأيًا كانت الرعونة والعجرفة في نفوس وعقول البعض غير المحترمين بواشنطن ضد السعوديين فإنهم سيعودون إلينا مُرغمين إن أسعفهم الحظ وليس علينا خوف. ولسنا دولة فاسدة كإيران التي يحركها البعض على ضفتي الأطلسي ضد السعوديين بطرق ملتوية نفهمها ونفهمهم.
هنا كمواطن لا زلت وسأظل أحترم الأمريكي ولا أثق بغير صناعاته وقدراته المعرفية والعسكرية والاقتصادية وقيادته للعالم. وأعلم أنه يكرهني وهذا شأنه، وليس لدى السعودي كراهية ضد أحد، وهو لم يبني ميليشيات مسلحة إرهابية ضد أميركا، بل لديه مشروع محلي عملاق لبناء بلاده والمنطقة. أما إيران التي تهين إدارتك مستر بايدن صباح مساء، فهي من قتل مواطنيك وهاجمتهم ولها دور خبيث تعرفه أنت ومخابراتك في هجمات 11 سبتمبر، وتعلم أن السعودية ثرواتها تجري في عصب اقتصاد بلادك وقد تغادره في عهدك أوبعده!.
أخيرًا ليعلم الأرعن الذي يدبر الضغوط والكراهية، وصُنّاع جاستا وبناتها أن إساءاتهم المتكررة للمواطن السعودي وعدم احترام دولته وتاريخه ومسار العلاقات معه بناءً على المصالح، كل ذلك سيضعف إمبراطورية أمريكا، وهو مؤشر لبداية نهاية تفوقها وسيادتها وتأثيرها عالميًا، وهذه ليست مزحة بل هي الحقيقة المؤكدة وعلى الأصدقاء العقلاء بحث المعنى والقصد بعمق، وعليهم قراءة كيف سيتصرف السعوديين حين يقلبون المجن وينفذ صبرهم.
عبدالله غانم القحطاني
لواء طيار ركن متقاعد / باحث دراسات أمنية واستراتيجية