الأبناء غِراس حياة، وقطوفُ أمل، وقرة عين الإنسان، هم بُناة الغد، وهم رجاله: مفكِّروه وسواعده، ودروع أمَّته، وحماة استقراره، وهم في الإسلام مستودَع أمانات الآباء، يحفظون الدِّين، وينقادون لرب العالمين؛ من أجل ذلك وجَّه الإسلام عنايته إلى تربيتهم؛ حتى يسعد بهم المجتمعُ، ويصعدوا هم بالمجتمع، فلقد شمِلتْ عناية الإسلام جميعَ جوانب حياة الفرد؛ لينمو نموًّا متكاملاً، نموًّا يشمل: جسمه وروحه، وخلقه وعقله، وبالمحافظة على هذا النمط العالي من التربية الراقية، يربَّى المواطن الصالح، الذي يعرف حقوقه وواجباته، ويبنى الفرد المسلم القوي، الذي يعيش بعقيدته الصحيحة، وعقله الواعي، وخلقه القوي.
ونحن - أمةَ الإسلام - إذا أردنا لأنفسنا عزًّا ومجدًا وسؤددًا، علينا أن نعود إلى جوهر ديننا، علينا أن نربي الأجيالَ المسلمة على نمطٍ من الرجولة الحقة، والإنسانية الكريمة، النمط الذي لمسناه في المسلمين الأُول، حيث كانوا: قوة في العقل، وقوة في الروح، وقوة في الخلق، وقوة في الجسم.
إننا لكي نربي الأبناء تربية عالية ومتكاملة؛ يجب أن نصوغهم صياغة تتفق مع ما نؤمن به من عقائدَ ومُثلٍ عليا كريمة، مستمدة من كتاب الله - عز وجل - ومن سنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول أحد الكتّاب:
أشهى ثمرات الحياة إلى الإنسان الأولاد، يَعرف ذلك من ذاق حلاوتهم، ومن ابتلي منهم بالحرمان، وبشدة مرارة الحرمان يعرف قدر نعمة الله بهم على الإنسان، وعلى الأولاد عمارة الأرض، وهي مقصود خلق الله للأكوان؛ قال - تعالى -: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].
وقد تضرع إبراهيم إلى ربه أن يهبه الذرية، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 100، 101].
وتضرع زكريا - عليه السلام - فقال: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5، 6].
ولقد صوَّر كثير من الأدباء والشعراء أحاسيسهم بحب الأولاد، وهذه الصور - على تنوُّعها وتلونها - تصدر عن عاطفة واحدة، وطبيعة واحدة، هي طبيعة الحب الخالص، والود الصادق.
قال الأحنف لمعاوية وقد غضب على ابنه يزيد فهجره: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرش ذليلة، وبهم نصول عند كل جليلة، إن غضبوا فأرْضِهم، وإن سألوك فأعطهم، وإن لم يسألوك فابتدئهم، يمنحوك ودَّهم، ويحبوك دهرَهم، ولا تنظر إليهم شزرًا، ولا تكن عليهم ثقيلاً؛ فيتمنَّوا وفاتك، ويكرهوا قربك، ويملوا حياتك.
وقال أبو تمام:
وَإِنَّمَا أَوْلاَدُنَا بَيْنَنَا
أَكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلَى بَعْضِهِمْ
لاَمْتَنَعَتْ عَيْنِي عَنِ الغَمْضِ
والولد ليس ملكًا لوالديه فقط؛ بل هو ملك للأمة، ويسعد والداه، وتسعد الأمة بمقدار توفيقهم في حسن تربيته، وإعداده لرسالته في الحياة إعدادًا جسميًّا وخلقيًّا وعقليًّا، وتربية الولد واجبٌ مشترك، بين الوالدين، وبين الدولة، في المنزل والمدرسة، إلا أن الواجب الأول، والعبء الأوفى، يقع على كاهل الوالدين، وعلى الوالدة بخاصة في حال الطفولة والصغر؛ لأن تأثُّرَ الولد بوالدته في هذه الحالة يكون قويًّا.
وقد قدَّر الإسلام خطورة هذا التأثر، فمنع أن يتزوج المسلم المشركة؛ خوفًا أن يفتتن الأولاد في دينهم باتباعها.
وقال الإمام الغزالي: "والصبي أمانة عند والديه، وقلبُه الطاهر جوهرةٌ نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما يُنقش عليه، وقابل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير عَلِمه وعُلِّمه، ونشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكلُّ معلم له ومؤدِّب، وإن عُود الشر، وأُهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه، الوالي له، وقد قال والرماية، والسباحة، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القدوة العملية في ذلك؛ فعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: "مر النبي - عليه السلام - على نفر من أسلم ينتضلون، فقال: ((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان))، قال: فأمسك أحدُ الفريقين بأيديهم، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما لكم لا ترمون؟))، قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال النبي: ((ارموا، فأنا معكم كلكم))"[1].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "بينا الحبشة يلعبون عند النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحرابهم، دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها، فقال: ((دعْهم يا عمر))، وصارع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ركانة فصرعه"
وللحديث بقية نحو تربية أفضل
حث عليها الاسلام
والله أعلم
كتبه الباحث
حمود سعيد الحارثي
واتس أب 0504743110